السلطات العمومية ترغب في إنهاء تداول السيولة في السوق الموازية: نحـــو إقــرار تدابيـــر جديــدة لاستعـادة الأمـوال المكتنــزة


 
تتجه السلطات المالية نحو إقرار تدابير جديدة لمحاصرة الأموال المتداولة خارج الحلقة الرسمية، من خلال إجراءات يتم التحضير لها لاستقطاب تلك الأموال المقدرة بملايير من الدولارات، وذلك بعد الإنذار الأخير الذي وجهه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لأصحاب الأموال المخزنة خارج الأطر القانونية، قبل اتخاذ إجراءات ردعية.
 يعكس هذا التحذير الرسمي والأخير الذي وجهه رئيس الجمهورية لأصحاب الأموال المكدسة أو المتداولة خارج الدائرة الرسمية، حجم القلق الذي تثيره تلك الأموال بسبب تأثيرها الاقتصادي من جهة ومن جهة أخرى حرمان الجزائريين من مصدر تمويل استثنائي من شأنه المساهمة في دعم عجلة التنمية وتحسين الوضع الاجتماعي دون الحاجة مرة أخرى إلى طبع النقود وأثاره التضخمية.
ويشكل الاقتصاد الموازي في الجزائر معضلة أرّقت السلطات، وفشلت حكومات متعاقبة في إيجاد حل لها، بعد أن بلغت مستويات قياسية وأسست للتعامل بـ «أكياس الأموال» المعروفة بـ «الشكارة» بعيدا عن المعاملات البنكية الرسمية. ويتجلى الاقتصاد الموازي في مظاهر رئيسية، تتمثل ابرزها في نشاط آلاف التجار وحتى رجال أعمال خارج الأطر الرسمية، ودون تصريح لدى السلطات، ولا هيئة الضرائب ودون اشتراطات في صندوق التقاعد والضمان الاجتماعي. أما المظهر الأخر، فهو ظاهرة تكديس أموال ضخمة خارج البنوك والمؤسسات المصرفية، أو ما يعرف بـ «الشكارة».
وقد حث رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون, الخميس في اجتماع الحكومة والولاة أصحاب الأموال المكدسة خارج البنوك على ضرورة الإسراع في إيداعها بالبنوك، ووجه إنذارا أخيرا لملاك الثروات النقدية، من أجل إيداعها في البنوك والمصارف، مما يوحي بفرضية اتخاذ إجراءات ردعية ضد هؤلاء، قياسا بما تسببه هذه الثروات من اختلالات في المنظومة المالية والاقتصادية للبلاد.
وأوضح رئيس الجمهورية بأن الدولة قدمت ألف ضمان لحماية المواطن والاقتصاد الوطني، كما أشار إلى توفر الصيرفة الإسلامية على مستوى البنوك كأحد هذه الضمانات. وكشف عن توصل المصالح المختصة إلى اكتشاف ثروة نقدية بملايير الدولارات لدى عائلة واحدة فقط، الأمر الذي يترجم حجم السيولة المالية الناشطة خارج الأطر البنكية.
ولا توجد أرقام رسمية بشأن السيولة المالية الموازية، حيث تتراوح المعلومات المتداولة بين 60 و90 مليار دولار، وقد شرعت الحكومات المتعاقبة في الجزائر منذ عام 2014 في مغازلة ملاك تلك الثروات لإدخالها في القنوات الرسمية للدولة، غير أن العملية لم تحقق الأهداف المنشودة لأسباب متعددة. وهو ما خلف نوعا من المخاوف لدى السلطات العمومية التي تتخوف من محاولات إخفاء مئات الملايير المكتنزة خارج أعين الرقابة.
ملايير مكدسة خارج المسالك القانونية
وكشفت تحقيقات أمنية وقضائية طالت بعض رموز النظام السابق ورجال أعمال، عن امتلاك مسؤولين كبار ورجال أعمال، ثروات ضخمة مكدسة خارج المسالك القانونية. وتعاظمت المخاوف من استغلال تلك الأموال في عمليات سياسية داخلية وخارجية، وهو ما كشفته الصفقة التي ظهرت خيوطها في عام 2020 بين رجل الأعمال المسجون علي حداد ومكتب أمريكي مقرب من الرئيس السابق دونالد ترامب لتسويق صورة إيجابية عنه وتخليصه من السجن، والتي قدرت بعشرة ملايين دولار، قد فتحت الباب أمام مخاوف من إمكانية توظيف الأموال الموازية من قبل أذرع «العصابة» المالية والسياسية.
وكشفت المصالح المختصة خلال الأسابيع الأخيرة عن كتلة نقدية تعادل 100 مليون دولار، لدى رجل أعمال، محسوب على المنظومة السياسية السابقة، ليضاف بذلك إلى لائحة واسعة من رجال المال والأعمال الذين اكتنزوا ثروات ضخمة على حساب الاقتصاد المحلي، بسبب مصادرها المشبوهة.
 محاولات سابقة دون جدوى
وقد اتخذت السلطات تدابير في السنوات الماضية من أجل احتواء الكتلة النقدية المتداولة خارج البنوك، خاصة في السوق الموازية، على غرار فرض إلزامية الصك والوسائل الكتابية بدل النقود «القطع والأوراق» في بعض المجالات، كآلية جديدة تندرج في إطار مساعي تحقيق الشمول المالي والجبائي، وقد تم اعتماد مثلا بموجب مرسوم تنفيذي رقم 15-153 مؤرخ في 16 جوان 2015 المنشور بالجريدة الرسمية المؤرخة في 22 جوان 2015، إجراء يشير إلى أن أي عملية دفع تتعدى قيمتها سقفا معينا يجب أن تتم بوسائل الدفع الكتابية عن طريق القنوات البنكية والمالية.
بالمقابل، تم اعتماد التصريح الضريبي الطوعي مقابل دفع ضريبة مخفضة تقدّر بـ7 بالمائة، وكانت الحصيلة ضعيفة، كما تم اللجوء إلى القرض السندي من خلال سندات لمدة ثلاث سنوات بنسبة فائدة 5 بالمائة وسندات لمدة خمس سنوات بمعدل فائدة 5.75 بالمائة، إلا أن الحصيلة كانت متواضعة مع الإقرار بتحصيل نحو 563 مليار دينار.
في نفس السياق، تقرر تحفيز تبني الصيرفة الإسلامية لاستقطاب شريحة معتبرة من الجزائريين الذين لا يحبذون التعامل بالفائدة. وبغرض دعم مسعى البنوك العمومية الرامي إلى استعادة تلك الأموال، أطلق المجلس الإسلامي الأعلى، العام الماضي، حملة لإقناع رجال الأعمال والمتعاملين «بضخ أموالهم المكدسة خارج القنوات الرسمية، في البنوك وفق صيغ الصيرفة الإسلامية، باعتبار أن شبهة الربا، وراء عزوف عدد كبير من الجزائريين عن البنوك.
وكشف رئيس المجلس، بوعبد الله غلام الله، عن لقاءات نظمها مع متعاملين اقتصاديين ورجال أعمال لإقناعهم بالتعاملات المالية المطابقة للشريعة بالبنوك. وقال غلام الله إن الاقتصاد الجزائري «بيد المتعاملين الخواص وأصحاب المصانع»، إلا أن هؤلاء مطالبون بإخراج مدخراتهم من «الشكارة». وتزامن ذلك مع إطلاق  ستة بنوك عمومية خدمات ومنتجات «مطابقة للشريعة الإسلامية».
الدينار الرقمي لمواجهة «الشكارة»
كما تعكف السلطات على تعميم استخدام الدفع الإلكتروني على خلفيات تدابير أقرتها قوانين المالية، فضلا عن تعديل قانون القرض والنقد ليستجيب لمتطلبات التحولات، منها إحلال ما يعرف بالنقد الرقمي واعتماد الدينار الرقمي الذي يمثل عملة غير مادية يتم تداولها وتبادلها بشكل رقمي دون استخدام الآليات التقليدية، ويمكن أن تكون لها نفس القيمة الاسمية والقدرة الشرائية التي تحملها العملة المادية دون أن يكون لها وجود مادي، مع إمكانية استخدامها مقابل أي خدمة أو سلعة.
وبهذا الخصوص، تسعى السلطات المالية، ضمن جهود عصرنة مهن تسيير البنوك وتكييف القانون مع الإصلاحات التي يراد تطبيقها على النظام المصرفي المالي، إلى إدراج عملة رقمية للبنك المركزي والانفتاح على البنوك الرقمية ومقدمي خدمات الدفع وكذلك عمليات الدفع بالعملة الإلكترونية.
ويندرج التوجه في إطار إخراج التعاملات النقدية والمالية من دائرتها التقليدية، ومن ثم محاولة تقويض حجم التداول النقدي التقليدي، لاسيما أن ظاهرة تراكم السيولة خارج الدوائر البنكية وخارج الدوائر الرسمية تبقى معتبرة، مع عجز التدابير السابقة عن استقطاب جزء معتبر من هذه الكتلة النقدية.
ع سمير

تاريخ الخبر: 2023-01-22 00:24:59
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 59%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٢)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:50
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

تراجع جديد في أسعار الحديد اليوم الخميس 2-5-2024 - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:03
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية