منذ أن أطلقتها شركة ناشئة في ولاية سان فرانسيسكو في أواخر عام 2022 وخدمة البحث والدردشة المحوسبة بالذكاء الصناعي ChatGPT تثير الضجة في كل أنحاء العالم. الشركة الناشئة تدعى OpenAI التي من المرجح أن تستحوذ عليها شركة مايكروسوفت أبهرت العالم بأداة ذكاء صناعي تحاكي القدرات البشرية من حيث النتائج التفاعلية وهو الأمر الذي دفع العديد من الخبراء في المجال إلى التحذير من أن ChatGPT ربما يهدد عرش كبرى الشركات التكنولوجية وعلى رأسها شركة ألفا المشغلة لخدمة محرك البحث غوغل. وهو أمر يكتسب وجاهة حقيقية للسرعة الكبيرة في الانتشار والتي بات تحظى بها هذه الأداة إذ بلغ عدد مشتركيها أكثر من مليون مستخدم فقط خلال خمسة أيام على إطلاقها في نوفمبر/تشرين ثاني 2022.

من أبرز الخبراء الذين أبدوا مخاوفهم من التهديد المحتمل لأداة ChatGPT على غوغل مطور الإيميل الإلكتروني الأكثر شهرة Gmail بول بوشيت إذ غرد على حسابه على تويتر أن هذه الأداة ربما تزيح محرك البحث العملاق غوغل عن عرشة في "غضون سنة أو سنتين".

ما دفع بوشيت وغيره إلى إطلاق هذه التحذيرات هو النتائج المبهرة التي أثبتها ChatGPT على أرض الواقع وذلك من خلال كتابة مقالات فورية ومعقدة، وصياغة عروض تسويقية احترافية، وتأليف قصائد ونكات، وحتى صياغة خطاب أحد أعضاء الكونجرس في الولايات المتحدة. أضاف وشيت في تغريدته أن ChatGPT سوف يضع حداً لمحرك البحث غوغل وهو المصدر الرئيس لموارد شركة ألفا المالية. واستكمل تحذيره بلفت الانتباه إل أن غوغل ولو حذا حذو ChatGPT في أسلوب البحث المعتمد على الذكاء الصناعي فسوف يكون كمن أطلق النار على قدمه إذ سيعجل ذلك من انهيار غوغل محركاً للبحث كما هو متعارف عليه منذ عقود. فعلاً إنه أمر مثير للغاية أن تصل اللحظة التي نتحدث فيها عن غوغل وقد أصبح "تقليدياً" مقابل أدوات جديدة ثورية.

في الأسبوع الماضي، اختبر أستاذ في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، وهي إحدى أفضل الصروح العلمية في العام بريادة الأعمال، ChatGPT وأصابه الذهول عندما رأى أنه اجتاز بنجاح اختبار ماجستير إدارة الأعمال. في التفاصيل، نشر البروفيسور كريستيان تيرويش ورقة بحثية، فحص فيها أداء ChatGPT في الاختبار النهائي لإدارة العمليات، وهو مقرر أساسي لماجستير إدارة الأعمال. وفقاً لتقرير في Fortune، أكد تيرويش أن روبوت الدردشة AI "يؤدي عملاً رائعاً في إدارة العمليات الأساسية وأسئلة تحليل العمليات بما في ذلك تلك التي تعتمد على دراسات الحالة". تبدو هذه النتائج مثيرة للدهشة رغم استدراكه بأن الأداة الذكية أظهرت بعض العيوب في معالجة "مشاكل تحليل العمليات الأكثر تقدماً"، وهو أمر يبدو مفهوماً لحداثة سن ChatGPT وهو الأمر الذي قد يختفي مع مرور الوقت عبر تكثيف عمليات تغذية خوارزميات البرنامج بمزيد من البيانات التعليمية.

من بين أبرز التحديات التي يشكلها نموذج ChatGPT على محركات البحث أنه يعكس منطق البحث رأساً على عقب. فبدلاً من ذهاب المستخدم إلى محرك البحث ومن ثم كتابة الكلمات المفتاحية ليحصل على عديد من النتائج التي يجرى ترشيدها بناء على تفضيلاته، يؤلف ChatGPT البحث من الأساس بناء على تفضيلات المستخدم. جوهر الفرق هنا يمكن في اختلاف المنطق حول ذاتية المستخدم.

فبعد أن كان يوجد هامش واسع من الذاتية للمستخدم في محركات البحث التقليدية من حيث النظر إلى الكلمات المفتاحية والمفاضلة بين النتائج وتخزينها والعمل على الجمع بينها والتأليف، تتقلص هذه الذاتية الإنسانية في ChatGPT بحيث تقتصر على اختيار الكلمات المفتاحية المناسبة وترتيب الأفكار لاحقاً وتحريرها (إذا لزم الأمر). هذا المنطق سيجعل من ChatGPT أكثر جاذبية للمستخدمين الذين يشكلون العمود الفقري لهيمنة غوغل على قطاع إنتاج المعرفة رقمياً. إن هذا من شأنه أن يقلص "فائض البيانات السلوكية" التي يرصدها غوغل عن المستخدمين والتي تعد عصب موارده المالية.

بعبارة أخرى، يكمن تخوف غوغل وغيره من محركات البحث من ChatGPT من قدرته على فهم الاستفسارات المعقدة والرد عليها بطريقة مشابهة لطريقة الإنسان. هذا يعني أنه يمكن أن يوفر نتائج أكثر دقة وملاءمة للمستخدمين، مما قد يجعله خياراً أكثر جاذبية لمن يبحثون عن المعلومات عبر الإنترنت. بطبيعة الحال الدقة نسبية هنا، إذ يمكن أن تتضمن بعض النتائج بيانات غير صحيحة أو مضللة وهو الأمر الذي يدفع إلى ضرورة توخي الحذر من هذه النتائج وضرورة مقارنتها بمصادر أخرى.

كما أشرت قبل قليل، تعتبر ميزة ChatGPT الفريدة هي قدرته على إنشاء نص. وهذا يعني أنه بإمكانه إنشاء محتوى جديد، مثل المقالات ومنشورات كالمدونات، كما يمكن دمج ChatGPT في تطبيقات أخرى، مثل روبوتات الدردشة والمساعدات الافتراضية، مما قد يجعلها أداة قيمة للشركات التي تتطلع إلى أتمتة خدمة العملاء الخاصة بها. ربما يأخذنا هذا إلى مستوى أبعد من خلال الوصول إلى مرحلة يمكننا فيها إنشاء محادثات حقيقية ذات صبغة بشرية مع إنترنت الأشياء، كالحديث مع السيارة الذكية، أو الثلاجة الذكية في البيت.

على أي حال، على الرغم من هذه المزايا، يوجد أيضاً بعض التحديات التي يواجهها ChatGPT في التنافس مع غوغل يتمثل أحد التحديات الرئيسية في الحجم الهائل لعمليات محرك البحث Google. فالشركة تملك قدراً هائلاً من البيانات والموارد تحت تصرفها، مما يسمح لها بتحسين خوارزمياتها باستمرار وتقديم مجموعة واسعة من الخدمات. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك غوغل قاعدة مستخدمين كبيرة يمكنها الاعتماد عليها في البيانات، مما يسمح لها بالتعلم باستمرار والتكيف مع سلوك المستخدم. وربما توجد مفاجئات تحضر لها غوغل في مؤتمرها السنوي الذي يعقد في مايو/أيار من كل عام.

بطبيعة الحال، مع التطور السريع لتقنية AI وLLM (large language models)، فإنه يمكن لـ ChatGPT والنماذج المماثلة الأخرى تحسين وتضييق الفجوة مع Google ومحركات البحث التقليدية. من المهم أيضًا ملاحظة أنه قد يجري الاستحواذ على شركة OpenAI من شركة عملاقة مثل مايكروسوفت وهو الأمر الذي قد يجلب لها قدراً كبيراً من البيانات والموارد المالية.

لا يزال ChatGPT لاعباً جديداً نسبيًا في سوق محركات البحث، إلا أنه من المحتمل أن يصبح منافساً حقيقياً لغوغل. تمنحه إمكانيات معالجة اللغة الطبيعية المتقدمة وقدرته على إنشاء نص ميزة أفضل من محركات البحث التقليدية. ومع ذلك، سيحتاج إلى التغلب على تحديات التنافس مع عملاق مثل شركة ألفا إذا أراد أن يصبح لاعباً رئيسياً في السوق.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.