الانشقاق في الكنيسة الإثيوبية ديني أم سياسي؟
الانشقاق في الكنيسة الإثيوبية ديني أم سياسي؟
لا تعترف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأي رسامة خارج نطاق البطريرك الشرعي لكنيسة التوحيد الإثيوبية الأرثوذكسية, هكذا أعلنت لجنة العلاقات المسكونية في المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في بيان لها قبل أيام, بعد انفصال المطران ساويرس وتنصيبه بطريركا لإقليم أورومو في
إثيوبيا, مؤكدة أن رسامته المكونة من26 أسقفا, انتهكت قوانين الكنيسة والمبادئ الراسخة للكنائس الأرثوذكسية عبر الأجيال, وهكذا يظل البطريرك متياس هو المعترف به بطريرك لكنيسة التوحيد الإثيوبية, وعلي أثر هذا الانفصال أصدر بطريرك إثيوبيا -الأنبا متياس- بيانا يرفض فيه ما حدث ويدعو لعقد المجمع المقدس ويطلب من الحكومة عدم الاعتراف بالبطريرك المنشق ولا الأساقفة المرسومين بصورة غير شرعية, وطلب من شعب الكنيسة التمسك بوحدة الكنيسة والصلاة من أجلها.
لكن لماذا يطلب البطريرك من الحكومة عدم الاعتراف, ما علاقة الحكومة بالكنيسة؟ المتأمل في العلاقة بين الكنيسة الإثيوبية والحكومة علي مدار التاريخ يجدها علاقة وطيدة جدا, لكن موازين هذه العلاقة اختلت بعد صعود آبي أحمد إلي المشهد السياسي والديني, وارتكاب المجازر من جانب القوات الموالية لآبي أحمد ضد شعب إقليم تيجراي, الأمر الذي لم يحتمل ضمير الأنبا متياس الصمت تجاهه, وهو ابن تيجراي, فأعلن انتقاده للحكومة متهما حكومة أديس أبابا, بارتكاب إبادة جماعية ضد شعب تيجراي, وقال:إن الحكومة تعمل ليل نهار لتدمير المنطقة, وقال في تسجيلفيديو له إن محاولاته السابقة للتحدث قدخنقت وخضعت للرقابة وأعرب عن أسفه لتدنيس الأديرة الأرثوذكسية القديمة, وقال: إن المذابح ارتكبت في أراضي الكنائس, يبدو أن الأمر أغضب آبي أحمد وأخل بحساباته من ناحية الكنيسة الإثيوبية التي تمثل قوة وأساس ارتكاز وطني للشعب الإثيوبي.
ربما يقدم ذلك تفسيرا منطقيا للانشقاق ويعزوه للسياسة وليس للدين,وإذا
أضفنا لذلك أن الانفصال جاء تحديدا في إقليم أورومو بسيامة 26 أسقفا وتكوين مجمع مقدس للأورمو وهو الإقليم الذي يقع ضمن العرقيات المتصارعة في إثيوبيا, وفي ظل صراع العرقيات هناك والانحيازات بين سكان البلاد, يسهل الانشقاق واستقطاب بعض القادة الدينيين للإبقاء علي ولاء المنشقين من الكنيسة بعد أن صرخت كنيسة التوحيد في وجه الظلم.
وما يدعم فكرة أن الانشقاق سببه سياسي وليس دينيا, ما جري في أكتوبر من عام2020 حينما شنتجبهة تحرير تيجراي تمردا ضد حكومة آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي, حينها تزايدت الانشقاقات داخل الكنيسة الإثيوبية, وبات الصوت الأعلي للعصبية القبائلية, وأصبح أبناءتيجراي يحملون السلاح ضد أقرانهم من أبناءالأمهرة- والأمهرة مجموعة عرقية تعيش في مرتفعات إثيوبيا, يتبع معظم الأمهريون الديانة المسيحية الأرثوذكسية التي تؤمن بالطبيعة الواحدة, وكما تم تداوله في وسائل الإعلام الدولية, تضمن هذا المشهد المأساوي نهبا وحصارا للكنائس والاستيلاء علي الأطعمة الموجودة بها, مما أعاد للأذهان الدور الذي لعبته السياسة في انفصال الكنيسة الإثيوبية عن الكاتدرائية الأرثوذكسية بالإسكندرية, بعد نحو 1500 عام من الارتباط الروحاني والإداري السياسة تلعب دورا كبيرا في إثيوبيا, والصراع بين أبناء الشعب الواحد سياسي تؤججه التغيرات في المشهد الديني الإثيوبي والتي صاحبت النزاعات المتصاعدة, وحسب ما هو منشور ومترجم عنأديس أستاندرد فإن من يحاول فهم الأحداث الجارية في إثيوبيا عليه أن يدرك دور الدين في إنتاج الخطاب الوطني والمفاوضات التي تجريها الهويات الدينية المتنوعة والأهمية البالغة التي لاتزال تحظي بها قضايا الاختلاف الديني, وإنتاج الروايات السياسية وتأجيج العلاقات العدائية التي باتت تتجلي بصورة متكررة في الصراعات المفتوحة, وبالتالي فإن الساسة يستقطبون القادة الدينيين ممن لديهم الاستعداد علي إثبات الولاء علي حساب وحدة الكنيسة.
وفي ظل تصاعد التوتر بين الأديان والناجم عن توسع نطاق التشدد الديني, أجبرت كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية, منذ فترة علي المناورة للمواءمة بين تراث الماضي العريق وبين متغيرات المشهد الديني الذي فرضته الوقائع السياسية الجديدة في إثيوبيا, وتقليص أدوارها السياسية والدينية, فهل الانشقاق الحادث الآن جزء من النزاع؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة في ظل تكوين مجمع منفصل ببطريرك مستقل من غير المعروف هل تمت بينه وبين النظام الإثيوبي مناورة للقيام بذلك لإقصاء كنيسة التوحيد الأرثوذكسية عن الدور الوطني الذي ظلت تلعبه عبر التاريخ؟