مستقبل الشباب والانتقال بالسـودان «1-10»


منذر مصطفى

اليوم وأنا في طريقي للعودة بكيت كثيراً دون توقف، لأن كل الأشياء التي آمنت بها يوماً لم أحصد منها سوى خيبة، وأنا متعب مِن محاولاتي المستمرة للتخطي وعدم الالتفات، دون الوصول لشئ، تعبير متداول من قبل فاعلين شباب على صفحاتهم بمواقع التواصل الإجتماعي بكثرة.

ترتبط عملية إستبعاد الشباب في السـودان، بأنماط تهميش تنموية ومدنية أوسع في البلاد، هذه الممارسات الراسخة من عدم المساواة السائدة في تنمية رأس المال البشري وعدم عدالة توزيع ثمرات الاقتصاد، والتهميش في تشكيل الواقع السياسي والإجتماعى، سبقت التجربة الإنتقالية الأولي 1953- 1956، دون أن تضع حداً لهذه المأساة، الاخذة في التعاظم يوماً بعد يوم.

مع بروز دور الدولة الوطنية واجهه صناع القرار في السودان إشكالية حكم دولة تفوق مساحتها المملكة المتحدة ومصر مجتمعين، بعدد سكان يقدر بـ 12 مليون نسمة، ونمط إقتصادي مركزه الريف بنواة إنتاجية في الخرطوم وما جاورها بغرض التصدير، مع غياب شبه تام لمشروع وطني، تقدم من خلاله ضمانات للشباب، والفئات المستبعدة الأخرى.

مر السودان باربع تجارب إنتقال ديمقراطي متعثرة، لم تفلح جميعها في تغيير السياق الاقتصادي والاجتماعي لصالح الشباب والمجتمع، إذ مهدت التجربة الأولى 1953 الطريق الى الإستقلال، وجاءت التجربة الثانية بعد ثورة اكتوبر 1964 والثالثة بعد ثورة ابريل 1985 والرابعة بعد إتفاقية السلام الشامل لسنة 2005، حيث إن الفترة الأخيرة التى أعقبت ثورة ديسمبر 2018 تم إجهاضها قبل أن تحقق الأهداف المنشودة هي الأخرى.

تشكل وعي الشباب اليوم تحت وطأة الصراع السياسي وحركة المجتمع المدني الدؤوبة، وتمظهر ذلك الوعي، في جنوح الفاعلين الشباب، لأشكال الإحتجاج السلمي في الشارع بدلاً من الصراع العنيف في الغابات والاحراش، وتمكنوا نهاية المطاف من صناعة ثورة ملهمة، بصبر وعزيمة غير مسبوقة، غير أن أجندة الفاعلين السياسيين التقليديين،ً تجاوزت إستحقاقات الشباب المدنية والتنموية هذه المرة ايضاً.

بعد نجاح ثورة ديسمبر 2018، وجد الشباب أنفسهم في وضع دراماتيكي في مجتمعاتهم، حيث تحولت النظرة النمطية المدفوعة بأبعاد ثقافية متجذرة بالمجتمع، تجعل الشباب على هامش الحياة تمامآ، لكن سرعان ما أزعج هذا التحول كثيرون وقامت مجموعة معادية للإنسانية، بإنتاج مواد اعلامية وبثها في التلفزيون القومي تستهدف الصورة الزاهية للشباب، لم تكن هذه الحادثة معزولة، لقد شكلت عمليات الشيطنة الموجهة ضد الفاعلين الشباب، نمطاً بارزاً لحملات اعلامية مدفوعة بالكراهية وتمويل ضخم لضرب حالة التعافي، والحيلولة دون إدماج الشباب بالمجتمع المدني والسياسي.

أدرك الشباب مبكراً أهمية الذكاء الجماعي وأثره على انتقال الثورة من الشارع إلى مؤسسات الدولة بطريقة أكثر تنظيماً، حيث شهدت المنظمات السياسية والمدنية إقبال كثيف من الشباب لا سيما منظمات المجتمع المدني والسياسي التى يقودها الشباب، حتى قبل حصول الإصلاحات الضرورية التي ينادي بها طيف واسع من المثقفين، في شكل ومضمون تنظيمات الحركة الوطنية.

رغم النشاط النوعي لفئة الشباب خلال التجربة الإنتقالية الاخيرة، الا أن مساهمتهم في تشكيل واقعها كانت خجولة للغاية، وشكل تصديهم ببسالة لانقلاب 25 أكتوبر 2021 علامة فارقة في تاريخ السودان؛ مما ترك صدى عالمي بأن الشعب السوداني متوجه للديمقراطية بعنفوان وارادة شعبية صارمة، اجبرت نهاية المطاف عدد من القوى الاقليمية والدولية لتغيير انطباعاتها السائدة منذ زمن طويل عن شكل الحكم الأمثل في السودان.

عبرت مجموعات واسعة يقودها شباب برؤيتها لمستقبل الانتقال، وأصدرت عدد من الوثائق، تحمل آمال عراض في سودان الحرية، والسلام والعدالة؛ وجدت احتفاء متحفظ داخلياً وخارجياً، لم يقف الامر عند ذلك الحد، بل نتلمس حالياً قرائن حال لاستبعاد الفاعلين الشباب تماماً من تشكيل ملامح الانتقال، وتوجيه مجموعات العمل الشابة لمعارك من غير معترك.

أن غياب الرؤية الحاملة لضمات الشباب والتمادى في عزف مقطوعات الإرهاب السياسي على مجموعات الشباب النشطة ميدانياً، قد لا تتوقف ارتداداتها على الفترة الانتقالية المأمولة فقط بل سوف تمتد تبعاته خارج الحدود والاجيال الحالية، وقد يعمق الهوة بين المجتمع والدولة لمستوى يجعل من النشاط المدني خيار غير ذي أولوية لفترات طويلة من عمر السودان.
منذر مصطفى قيادي بالمجتمع المدني المدير العام لمنظمة تدريب وتشغيل الشباب- 31 يناير 2022.

تاريخ الخبر: 2023-02-02 00:23:26
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

توقعات أحوال الطقس اليوم السبت

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-27 12:25:40
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية