ماذا بين الكنيسة والمجتمع؟
ماذا بين الكنيسة والمجتمع؟
ورد إلي ذهني هذا السؤال إثر قراءة خبر في جريدة وطني بتاريخ 2022/11/18 مفاده أن المجمع المقدس يعقد في نوفمبر من كل عام ندوة لمناقشة قضية معينة. وكانت قضية عام 2022 تدور حول الدور المجتمعي للكنيسة القبطية. وفي كلمته بالجلسة الافتتاحية قال قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية إن الدور المجتمعي للكنيسة يجب أن يكون مؤثرا وفعالا في كل مؤسسات الدولة للمساعدة في بناء مصر الجديدة من أجل حياة كريمة للمصريين. والجدير بالتنويه في قول قداسة البابا إنه ينطوي علي إثارة ثلاث قضايا: القضية الأولي تدور حول العلاقة العضوية بين الكنيسة ومؤسسات الدولة كلها. والقضية الثانية تدور حول بناء مصر الجديدة التي لن تكون لها أية علاقة بمصر القديمة, ويلزم من ذلك تأسيس نسق قيم مغاير لما كانت عليه مصر القديمة. والقضية الثالثة تكمن في لزوم أن تكون القضيتان في اتجاه خدمة المصريين وليس في اتجاه عنصري الأمة علي حد التعبير الشائع في مصر القديمة والذي لا يتسق مع بناء مصر الجديدة. وفي هذا السياق تلزم الإشارة إلي ما كان يقال عن مصر القديمة, وأستعين هنا بكتاب كنت قد قرأته في عام 1961 إثر صدوره وعنوانه الكنائس والتغيير الاجتماعي السريع ومؤلفة اللاهوتي بول أبرخت الذي كان في حينها رئيسا لقسم الدراسات بمجلس الكنائس العالمي الذي تأسس في عام 1948 بجنيف. وقد استعان بكل فروع ذلك المجلس في مختلف أنحاء العالم وحضر إلي القاهرة أكثر من مرة. وكل ذلك تم بفضل منحة قدمها جون روكفلر إلي المجلس في عام .1955 وفي المؤتمر الذي عقده المجلس في نيودلهي في عام صدور الكتاب أصدر قرارا ينص علي ضرورة مواجهة الكنيسة لكل من الوطن والدولة علي أنهما يقعان تحت سلطان الله ورحمته. كما ينبغي أن تكون الكنيسة متأهبة للصراع مع الدولة في أي وطن وتحت أي نظام سياسي. وفي سياق هذا القرار حدد المجلس الظروف التي يمكن للكنيسة أن ترغم فيها علي الصراع مع الدولة. وهذه الظروف هي حركات التصنيع والدعوات القومية. وكان الرئيس جمال عبد الناصر في حينها ملتزما بهذه الحركات. ولكن المفارقة هنا أن هذا القرار الخاص بمجلس الكنائس العالمي مرادف لدعة المركز الاسلامي برئاسة سعيد رمضان ومقره أيضا بجنيف والتي تدور حول حاكمية الله التي كان المروج لها سيد قطب في كتابه المعنون معالم الطريق ( 1968). وهو الكتاب المعتمد من قبل جماعة الإخوان المسلمين. وهنا تلزم الإشارة إلي المحاضرة التاريخية التي ألقاها العالم النفسي مصطفي زيور في 1952/12/10 في الجمعية المصرية للصحة النفسية والمنشورة في مجلة علم النفس في عدد مايو 1952 وذلك بمناسبة حرق إحدي الكنائس في السويس في اليوم الرابع من شهر يناير من ذلك العام. قال: من غير المعقول ولا المقبول أن يقتصر عمل المشتغلين بعلم النفس في مصر علي تلقين الطلاب تجارب علي الفئران في المتاهة أو تقديم العلاج النفسي لفرد مريض, ثم يقفون مكتوفي الأيدي إذا حلت غمة بمجتمعنا. إن الوقت قد حان لتجنيد القوي. فالعلم الذي لا يستطيع أن يسخر نفسه لخير الأمة فلا خير فيه.
وتأسيسا علي ذلك كله يمكن القول إن البابا تواضروس هو أول بابا في مصر الجديدة يدعو إلي نسق من القيم مغايرا جذريا لنسق مصر القديمة.