تونس: نُذر صدام بين سعيّد واتحاد الشغل وسط مخاوف من عجز الدولة عن سداد الديون


إعلان

يبدو أن "شعرة معاوية" انقطعت بين الرئيس التونسي، الذي يسيطر على معظم السلطات منذ إجراءاته الاستثنائية صيف 2021، والاتحاد العام التونسي للشغل.

نذر التصعيد  في كلمة لسعيّد الثلاثاء بحضور قادة أمنيين بأكبر ثكنة الحرس الوطني، بالعوينة قرب العاصمة، قال فيها إن"الحق النقابي مضمون ولكن لا يمكن أن يتحول إلى غطاء لمآرب سياسية" داعيا إلى "ضرورة اتخاذ إجراءات ضد من يتآمرون على الأمن القومي أو ضد الشركات العامة.

بعد هذا التصريح الذي اعتبره البعض تهديدا، قامت قوات الأمن بعد إضراب لأعوان محطات تحصيل الرسوم على الطرق السريعة في خطوة اعتبرتها قيادة الاتحاد "ضربا صريحا للعمل النقابي".

ويعقد الاتحاد الجمعة هيئته الإدارية الوطنية، أعلى هياكله التنفيذية، للنظر في مستجدات الوضع النقابي ومن أجل تدارس "خطوات الردّ على استهداف المنظمة العمالية".

من جهتها، وصفت جريدة "الشعب"، لسان الاتحاد، في صدر صفحتها الأولى الخميس، خطاب ثكنة العوينة بمثابة "إعلان حرب على الاتحاد".

المحلل السياسي ونائب رئيس صحيفة المغرب التونسي حسان العيادي يرى أن الاتحاد حاول قدر الإمكان الابتعاد عن خيار المواجهة مضيفا: "قيادة الاتحاد اختارت الحفاظ على قنوات اتصال مع الرئيس لأنها تعلم أن المواجهة معه تعني قطيعة تامة مع السلطة والتي ستكون كلفتها كبيرة عليه. وحتى في بيان رده على إيقاف الكعبي، اختار فيه العبارات بعناية وفي ذلك دعوة ضمنية للرئيس للتخلي عن خيار الصدام".

نفوذ واسع

ويعرف الاتحاد التونسي للشغل، أكبر نقابة بالبلاد، بتأثيره القوي على المشهد السياسي بالبلاد حيث يضم مئات الآلاف من المنخرطين معظمهم في القطاع العام. وتعاظم هذا الدور بعد هروب الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011 وكان له دور حاسم في التواصل لتوافق سياسي بعد إشرافه على حوار أدى إلى صياغة دستور 2014.

ولكن ومنذ وصول الرئيس سعيّد إلى الرئاسة في 2019، لم تلق مبادرات الاتحاد للحوار من أجل الخروج من خلافات بين الرئيس والأحزاب الأغلبية في البرلمان قبل أن يتخذ سعيّد تدابيره الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، وينفرد بمعظم الصلاحيات ويقر دستورا جديدا.

وكان اتحاد الشغل قد اتخذ ما اعتبره مراقبون "حيادا إيجابيا" من إجراءات 25 يوليو/تموز وأخذها على أنها منطلق لعملية الإنقاذ. والتقى أمينه العام نور الدين الطبوبي الرئيس سعيّد مرات عدة لكن وجهات النظر تباعدت بمرور الزمن خصوصا بعد إقرار الدستور الجديد والانتخابات التشريعية الأخيرة.

وأمام رفض الحوار، يرى العيادي أن الاتحاد هو القوة الوحيدة في البلاد القادرة على تعبئة منخرطيه وشل الحياة اليومية مضيفا: "الاتحاد يملك ما يسميه قياديوه "الماكينة" القادرة على تغيير سير الأحداث، وهنا من الجدير أن نذكر أن شقا من قيادات الاتحاد ألمح منذ 25 يوليو/تموز أن المواجهة قادمة لا محالة مع الرئيس الذي لا يؤمن بالأجسام الوسيطة، أي الأحزاب والمنظمات، فسعيّد يعتبر الاتحاد جزءا من المنظومة السابقة ويجب أن يقتصر دوره على العمل النقابي دون التدخل في السياسة".

للمزيد -

رفض الحوار

وجدد الاتحاد الدعوة لإجراء حوار سياسي، إثر مشاركة هزيلة في الدورة الأولى للانتخابات التشريعية لم تتجاوز عُشر الناخبين المسجلين.

ويرى مراقبون أن سعيّد "دفن" مبادرة الحوار حتى قبل تقديم تفاصيلها عندما قرر تعيين وزير جديد للتربية معروف بمواقفه المناهضة للاتحاد، وهي الوزارة التي تضم عشرات الآلاف من المنخرطين في نقابة التعليم الأساسي القوية.

هنا، يعود العيادي أن ذهاب الرئيس في خيار المواجهة مع الاتحاد يأتي بعد ركز سعيد مؤسسات الحكم كالدستور والبرلمان، رغم ضعف زخمها الشعبي: "المرحلة المقبلة لسعيد هي مرحلة إصلاحات اقتصادية موجعة، والطرف الوحيد القار على صده هو اتحاد الشغل، الرئيس لا يرى بدا من تحجيم دوره لتمرير البرنامج الاقتصادي وقد يلجأ لمزيد من الإيقافات لتوجيه تحذير لقيادة الاتحاد أنه ماض في الصراع".

"الرئيس يريد أيضا أن يستغل النظرة السيئة لشق من التونسيين لقيادة اتحاد الشغل الذين يرون أنها ساهمت في تعطيل الاقتصاد طيلة السنوات الماضية، وكثيرا ما يفصل سعيّد في معرض حديثه بين منخرطيه وقيادته في مسعى لإحداث انشقاق داخله وبالتالي إضعاف دوره. كما لا يتوانى سعيّد في اللجوء للقوة الصلبة من قوات وأمن وجيش لتحقيق هدفه في استقرار الحكم. بعبارة أخرى، الرئيس أراد من الاتحاد أن يدور في فلكه وأن يكون طيعا مع قراراته أو الذهاب إلى الصدام".

تضخم وانقطاع مواد أساسية

إضافة إلى انتقادات من مناوئيه بالقضاء على التجربة الديمقراطية التونسية والانفراد بالحكم، يواجه سعيّد أيضا انتقادات قوية لإدارته للأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد.

وتوصلت تونس، التي تعاني من ارتفاع مهول لديونها خلال العشر سنوات الماضية، لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار لكن الصندوق خيّر انتظار تنفيذ الإصلاحات المطلوبة قبل صرف القسط الأول منه. ما جعل البنك المركزي التونسي يتوقع أن تكون سنة 2023 "معقدة" على المستوى المالي.

شعبيا، ضربت الأزمة الاقتصادية جيوب التونسيين على نحو بالغ. ورغم الدعم الحكومي للمواد الأساسية، تجاوزت معدلات التضخم حاجز 10 بالمائة في 2022. وشملت زيادة الأسعار اللحوم والبيض والزيوت وهي ترتبط في كثير منها بتداعيات الحرب في أوكرانيا. لكن الحال وصل بالتونسيين إلى الوقوف في طوابير للحصول على السكر والحليب والأرز والقهوة والزبدة وسط شح كبير لهذه الأغذية في رفوف المحلات.

وسارعت حكومة الوحدة الوطنية في إلى جارتها الغربية في مؤشر على حجم الأزمة في البلاد التي لم تعد قادرة على توريد احتياجاتها الغذائية.

وكان وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد صرح لفرانس24 في أكتوبر/تشرين الأول المنقضي أن "الحرب في أوكرانيا عقدت من وضع صعب أصلا" مؤكدا أن الاقتصاد التونسي شهد خلال السنوات الأخيرة صدمات متتالية لم ينهض منها بعد.

فمنذ 2011، تعثر قطاع إنتاج الفسفاط في منطقة "الحوض المنجمي" وسط غرب البلاد بعد أن كانت البلاد من أهم منتجي المادة في العالم ولم يعد إلى نسق الإنتاج الطبيعي منذ ذلك الحين. كما أن الهجمات الإرهابية على متحف باردو والمنطقة السياحية في سوسة وجهت ضربة للقطاع. ووسط ارتفاع مهول لديون البلاد، جاءت جائحة فيروس كورونا لتزيد الوضع تعفنا. حيث زاد الدين العام بين 2019 و2021 بـ7.5 مليار يورو ليتجاوز في الإجمال 32 مليار يورو.

ويرى وزير المالية السابق أشرف الكعلي أن هذه الأزمات المتتابعة سارعت في تهاوي نموذج اقتصادي منهك "عكس جيرانها الذين حرروا اقتصادهم، حافظت تونس على تشريعات منفرة للاستثمارات ما عطل النمو. كما تحدد الدول سعر عدة منتجات أساسية كالمحروقات. لكن هذا النظام وصل إلى نقطة اللاعودة، حيث لم تعد الدولة قادرة على تمويل هذا الدعم.

تراكم الديون وشبح الإفلاس

ورغبة منها في تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي لصرف القرض، أعلنت السلطات قبل أسابيع خفض الدعم على عدة مواد أساسية ما يهدد بزيادة نسب التضخم.

ويقدر أنطوان بسبوس الباحث السياسي المختص في العالم العربي: "تونس راكمت الديون إلى حد أنها لم تعد قادرة على اقتراض المزيد من المانحين الدوليين، قرض صندوق النقد هام جدا ليس لمساعدة البلاد على النهوض بل للحصول على مساعدة دولية".

وكانت وكالة موديز للتصنيف الائتماني خفضت من جديد السبت الماضي الترقيم السيادي لتونس معتبرة أن منح قروض لتونس يعد "مخاطرة عالية جدا" وقد لا تكون قادرة على السداد.

هنا يعود بسبوس ليؤكد أنه "من البديهي أن المسار السياسي  في تونس زاد من ريبة المانحين الدوليين، وعوض أن يقر إجراءات اقتصادية عاجلة، انطلق سعيّد في تغيير مؤسسات الحكم بعد إرساء نظام رئاسي مطلق".

للمزيد - حل المجلس الأعلى للقضاء في تونس: "خطوة إضافية للتخلص من مؤسسات ما قبل 25 يوليو"

ويخلص بسبوس إلى أن هذا المسار: "انعكس بعزوف واسع للتونسيين في بلد يوشك على الانهيار. في هذا السياق، لا شيء يضمن أن ينقذ صندوق النقد الدولي تونس من الانهيار".

عمر التيس وديفيد ريش

 

 

 

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

تاريخ الخبر: 2023-02-02 18:16:25
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 95%
الأهمية: 95%

آخر الأخبار حول العالم

إسرائيل: استخدام منشورات ورسائل لتشجيع المواطنين على الإجلاء

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:22:25
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

من أجل سلامتكم عليكم بالإخلاء.. ماذا طلبت إسرائيل من سكان رف

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:22:33
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

جيش الاحتلال الإسرائيلي يدعو سكان شرق رفح إلى "الإخلاء الفور

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:22:14
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 55%

لماذا يريد جيش الاحتلال إخلاء 1000 فلسطيني من رفح الفلسطينية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:22:20
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 69%

البنك المركزي الصيني يضخ ملياري يوان في النظام المصرفي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:22:39
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 56%

الدوري الإسباني.. النصيري يواصل تألقه

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:25:16
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية