في أعقاب التصريحات التي خرج فيها مسؤولون دفاعيون الخميس بأن الولايات المتحدة تتعقب منطاداً صينياً للمراقبة على ارتفاع عالٍ في سماء الولايات المتحدة، وهو اكتشاف يهدد بزيادة التوتر في العلاقات الأمريكية الصينية المتوترة، أعلنت كندا الجمعة أنها رصدت منطاداً يشتبه في أنه يؤدي مهام تجسس فوق أراضيها أيضاً.

وفي حين أن مسار الرحلة الحالي للمنطاد يحمله فوق "عدد من المواقع الحساسة"، قال المسؤول إنه لا يمثل خطراً كبيراً في جمع المعلومات الاستخبارية. وأضاف المسؤول أنه جرى تقييم المنطاد على أنه "ذو قيمة مضافة محدودة" من منظور جمع المعلومات الاستخبارية.

وتعتقد الولايات المتحدة أن أقمار التجسس الصينية في المدارات الأرضية المنخفضة قادرة على تقديم عمليات استخباراتية مماثلة أو أفضل، مما يحد من قيمة كل ما يمكن أن تحصل عليه بكين من منطاد عالي الارتفاع، وهو حجم ثلاث حافلات، وفقاً لما نقلته شبكة سي إن إن الأمريكية عن مسؤول دفاعي آخر.

"تحرك مقلق، ولكنه غير مفاجئ"

قال المتحدث باسم البنتاغون الجنرال باتريك رايدر إن الحكومة الأمريكية كانت تتعقب المنطاد لعدة أيام وهو يشق طريقه فوق شمال الولايات المتحدة، مضيفاً أنه "كان يسافر على ارتفاع أعلى بكثير من الحركة الجوية التجارية ولا يمثل تهديداً عسكرياً أو جسدياً للناس على الأرض".

وفي حديثه في الخلفية، قال مسؤول دفاعي أمريكي كبير إن كبار المسؤولين العسكريين نصحوا الرئيس جو بايدن بعدم إسقاطه خوفاً من أن تشكل الحطام تهديداً لسلامة الناس على الأرض. وتابع المسؤول قائلاً: "نحن واثقون من أن منطاد المراقبة هذا على ارتفاعات عالية يخص جمهورية الصين الشعبية. لوحظت أمثلة على هذا النشاط على مدى السنوات العديدة الماضية، بما في ذلك ما قبل هذه الإدارة"، وفقاً لما أوردته سي إن إن.

وفي سياق متصل، قال رئيس الجمهوريين في لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، السناتور ماركو روبيو، إن منطاد التجسس مقلق ولكنه غير مفاجئ. وأضاف في تغريدة على تويتر: "مستوى التجسس الموجه من بكين إلى بلدنا نما نمواً كبيراً وبشكل أكثر حدة ووقاحة على مدى السنوات الخمس الماضية".

وعن السبب وراء رغبة بكين في استخدام أداة غير متطورة نسبياً للتجسس على الولايات بشكل شبه علني، فإنه وبالرغم من أن إمكانيات هذا المنطاد غير واضحة، فإن الخبراء يقولون إنه بمثابة "إشارة" أكثر من كونه تهديداً أمنياً، خصوصاً أن الحادثة تأتي قبل أيام من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين للصين.

وحسب الخبراء الذين تحدثوا لشبكة بي بي سي البريطانية، ربما تحاول بكين إرسال إشارة إلى واشنطن: "بينما نريد تحسين العلاقات، نحن أيضاً على استعداد دائم للمنافسة المستمرة، باستخدام أي وسيلة ضرورية"، دون إثارة التوترات بشدة.

ما مناطيد التجسّس؟

تعتبر المناطيد من أقدم أشكال تقنيات المراقبة. فاستُخدمت بالونات التجسس لأول مرة في ستينيات القرن التاسع عشر، في أثناء الحرب الأهلية الأمريكية عندما حاول رجال الاتحاد في بالونات الهواء الساخن جمع معلومات حول نشاط الكونفدرالية بعيداً. فيما استخدمها الجيش الياباني لإطلاق قنابل حارقة على الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، استخدمها على نطاق واسع كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة.

وتعمل مناطيد التجسس عادةً على ارتفاعات تتراوح بين 24 و37 كيلومتراً فوق سطح الأرض، وهو ما لا يشكل أي خطر على الحركة الجوية التجارية، إذ إن الطائرات لا تطير أبداً على ارتفاع يزيد عن 12 كيلومتراً، في حين أن الطائرات الحربية من الدرجة الأولى تفعل ذلك.

وعادةً تعمل بالونات التجسس بتعليق الكاميرا أسفل البالون الذي تحمله الرياح. ويجرى إرسال المعدات، التي قد تشمل أنظمة الرادار ويمكن أن تعمل بالطاقة الشمسية، لتحوم فوق منطقة محددة مسبقاً. وفي الآونة الأخيرة، أفادت التقارير بأن الولايات المتحدة تفكر في إضافة طائرات مطاطية على ارتفاعات عالية إلى شبكة المراقبة التابعة للبنتاغون.

لماذا لا تزال تستخدم؟

على الرغم من أننا نعيش في عام 2023 حيث السماء مليئة بالأقمار الصناعية للتجسس، بالإضافة للطائرات بدون طيار، التي تستخدمها القوى العالمية لإلقاء نظرة خاطفة على بعضها البعض، إلا أنه يبدو أن هناك سبباً قوياً وراء قرار الصين لإعادة إحياء بقايا أدوات التجسس التي تعود لحقبة الحرب العالمية الثانية.

ووفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية، قال أستاذ دراسات الأمن الدولي والاستخبارات في الجامعة الوطنية الأسترالية جون بلاكسلاند: "على مدى العقود القليلة الماضية، كانت الأقمار الصناعية الحل. ولكن الآن بعد اختراع الليزر أو الأسلحة الحركية لاستهداف الأقمار الصناعية، بدأ الاهتمام مجدداً بالبالونات. فهي لا تقدم نفس المستوى من المراقبة المستمرة مثل الأقمار الصناعية، ولكنها أسهل في الاسترداد، وأرخص بكثير في الإطلاق. لإرسال قمر صناعي إلى الفضاء، أنت بحاجة إلى قاذفة فضائية، قطعة من المعدات تكلف عادة مئات الملايين من الدولارات".

وعلى الرغم من أن مناطيد المراقبة ليست متطورة أو متعددة الاستخدامات مثل أقمار التجسس الصناعية، فإنها تقدم بعض المزايا الكبيرة مقارنة بخلفائها المتقدمين. إن الافتقار إلى التكنولوجيا المتطورة في بالونات المراقبة يجعلها بديلاً أرخص بكثير من أقمار التجسس الصناعية. علاوة على ذلك، في حين يمكن استخدام أقمار التجسس الصناعية لمراقبة الأراضي بدقة متناهية، فإن بالونات المراقبة قادرة على مسح مساحات أوسع من الأراضي على مدى فترات زمنية أطول، ومن ارتفاع منخفض، وفقاً لتقرير سلاح الجو الأمريكي لعام 2009.

TRT عربي