تناول كتاب “طقوس الخصوبة” بين طياته دور الأسطورة والخرافة في تشكيل مراسم الميلاد والزواج والبحث عن الإنجاب، من خلال مقدمة وستة فصول وخاتمة، ناقش فيها الباحث أشرف أيوب معوض ممارستنا في مناسباتنا التي تُعد استمرارًا للحضارة المصرية القديمة، نتفاجأ خلال البحث بأننا نمارس بعضًا منها دون إدراك وفهم لأسبابها، بل أننا نتوارثها جيلًا بعد جيل بأشكال مختلفة؛ وذلك بسبب تعدد الثقافات وتراكم الحضارات، فقد تتشابه عاداتنا مع المجتمعات الأخرى، وذلك بسبب الانتشار الثقافي الناتج عن الهجرة؛ فالقديم يتسع كلما قدم، وهناك وحدة نفسية للبشر تجبر المجتمعات على إنتاج الأفكار بعضها من بعض.

بحث الكاتب في العادات المصرية القديمة والأساطير والخرافة وعلاقتها بما نمارسه في حياتنا الاجتماعية الحالية، مثل حرق الدُمى بالدبابيس وحرقها، وتقاليد الاحتفال بالولادة والرضاعة والزواج وشم النسيم؛ فمثلا الاحتفال بعيد “آمون” يشبه الاحتفال بمولد أبي الحجاج بالأقصر.

وربط الباحث بين قصة إيزيس وأوزوريس (إله الخصوبة) عند القدماء المصريين، وبين طواف النساء بالمقابر بحثًا عن حلول لمشاكل الإنجاب.

الفصل الأول: المعتقدات الشعبية

ويرى من خلاله الباحث أن التراث الشعبي هو صدى الماضي وصوت الحاضر، موضحًا أن الطقس هو عبارة عن سلوك يتبع بينما الأسطورة هي ممارسة ذهنية.

فالتاريخ الشعبي يقول إن الخرافة تعمل على تطوير الشخصيات وتضفي شرعية للسلوك، بل أن هناك خلط بين الأسطورة والمعتقد الديني، مثل حمل العروس ليلة الزفاف ومعتقد حمايتها من السحر.

الفصل الثاني: طقوس الخصوبة

يقول فيه الباحث إن الخرافة هي مخلفات ماضي انتقل عبر العصور من جيل إلى جيل، وأسباب ذلك هو العجز والضعف وعدم القدرة على التفكير السليم والمنطقي.

وناقش خلاله مراحل الاندماج والانفصال والتداخل، في طقوس الميلاد والزواج والفطام بوصفهم مراحل انتقالية جديدة، وفسر السبب هو الخوف من الجديد.

كما ناقش أيضًا الموت وعلاقته بالخصوبة، حيث أنه في المعتقد حتى الآن أن دخول امرأة زارت المقابر على العروس يُحدث “المشاهرة أو الكبسة، وهنا يجب أن تذهب المرأة (العروس) إلى المقابر لتفك هذه المشاهرة حتى تنجب.

ويختم الباحث فصله مؤكدًا أن لميت قوة خارقة لدى المصري القديم والحديث؛ لذا سمى المصري القديم الأسلاف بالأرواح إيمانًا بقوتها وقيمة الموتى لديه، فالمصريين مرتبطين بماضيهم الجماعي.

الفصل الثالث: إيزيس والخصوبة

“كون أسرة، وأحب زوجتك، التي في بيتك كما يجب، واتخذ زوجة وأنت مازلت شابًا حتى تستطيع أن تنجب لك الأبناء، فالرجل يعد ذا قيمة ومنزلة بنسبة عدد أبنائه.. الحكيم آني مصر القديمة. بتلك الكلمات لخص الباحث قيمة الخصوبة عند القدماء المصريين.

قيمة “بول المرأة”

من العادات المصرية القديمة معرفة قيمة “بول المرأة” منذ القدم بشأن معرفة الحمل، فمن خلالها يُعرف أنها تحمل روحًا بداخلها، فيرش البول على القمح والشعير إن طرح القمح يعني أن المولود ذكر، وإن طرح الشعير يعني أن المولود أنثى، وإن لم يطرح كلاهما يعني أنه لا يوجد حمل، ومن هنا تم استخدام البول لمعرفة وجود حمل في العصر الحديث.

الأساطير

وهي حكاية البطل الخارق ومحاولات الإنسان لتفسيرها بخياله ووهمه، مثل قصة إيزيس وأوزوريس.

فقد قُتل ووضع في صندوق وألقي بالنهر، وبحثت عنه أيزيس ومرت بالمستنقعات في الدلتا حتى تضع مولودها، وتناول الباحث أيضًا أسطورة تمور وعشتار رمز الخصوبة بالحضارة البابلية، واضعًا تفسيرًا للتشابه بين الحضارتين أن الموت ليس أبديًا لديهما، فأوزوريس يترأس عالم الموتى وهذا سبب ذهب النساء إلى المقابر، والدحرجة من أعلى الجبل، والتي ترمز إلى الهبوط إلى العالم السفلي الذي تكون منه أوزوريس في الأسطورة، وتلف المرأة بملأة تشبه الكفن.

الفصل الرابع: السحر وطقوس الخصوبة

ناقش الباحث خلال ذلك الفصل لجوء البعض إلى الشيوخ والكهنة والقديسين لفك الأعمال السحرية الناتجة عن المعتقدات السحرية، مثل ربط العريس ليلة الزفاف، واستخدام الجزء المبتور من المختتن في السحر، وطبخ تمثال من الحنة ودفنه أسفل المنزل كرمز للسقط الذي يجب أن تتخطاه المرأة حتى تنجب طفلًا جديدًا.

وناقش أيضَا التعويذات ومراسم السبوع وعلاقتها بالفراعنة، والمشاهرة وطرق فكها.

الفصل الخامس: البركة وطقوس الخصوبة

ويتناول هنا زيارة الأماكن المقدسة للرغبة في الحمل والنذر بغرض قضاء الحاجة، وهنا يشبه التبرك في مصر القديمة واستمرار هذه العادات مع دخول الأديان مع استبدال وسيلة التقريب. لافتًا أن هذه معتقدات شعبية لا علاقة لها بالشرع.

الدحرجة (الكحرتة)

وهنا تناول معجزة في دير الأنبا شنودة، حيث أنه التقى امرأة عاقر حملت بعد 18 عامًا، وحملت بعد الدحرجة، ويشابهه في ذلك ضريح الشيخ إسماعيل وضريح أبو كتانة. كما تناول أيضًا المرور بالأحجار المقدسة والطواف حول نخلة.

القمر وطقوس الخصوبة

يُفسر الباحث كلمة مشاهرة التي تأتي من الشهر العربي؛ أي أن رؤية القمر الجديد تمنع حدوث المشاهرة –في المعتقد – وذلك لأن دورة حياة القمر تشبه دورة حياة الإنسان من الميلاد حتى الموت، ودورة حياة أوزوريس الذي عاش 28 عامًا وتقطع إلى 14 جزءًا.

فالقمر مسؤول الخصوبة عند النساء، وفي بعض الدول والقبائل يعتقدون أن القمر هو المسؤول الرئيسي للحمل عند المرأة.

الفصل السادس: التخطي والطواف حول الأشياء

تناول الباحث من خلال ذلك المبحث، فكرة نقل العلة من الإنسان إلى شيء آخر سواء كائن حي أو غير حي، مثل المرور بحقل باذنجان بغرض فك عقدة العقم عند المرأة، وتتسبب هذه العادة في حدوث بعض المشكلات المجتماعية، لأن نجاح فك العقدة يعني فساد محصول الباذنجان.

كذلك الطواف حول قمينة الطوب المشتعلة، ففك عقدة العقم يعني سقوط القمينة؛ لذا يتم حراسة القمينة خوفًا من طواف امرأة عاقر.

الحيوانات وطقوس الخصوبة

تعامل بعض الحيوانات، مثل الإنسان في المعتقد كـ”الحمار والكلب والحصان”، حيث أنه يتم استخدامهم لفك مشاهرة النساء ونقل العقم لديهم كما في المعتقد.

أشرف أيوب معوض، باحث متخصص في التراث الثقافي غير المادي المصري، له كتابين آخرين، هما :”حول الثقافة الشعبية القبطية”، و”الموالد القبطية.. مولد الأنبا شنودة نموذجًا”. تتميز أعماله بالانفتاح على أمهات الكتب في مجال الأنثروبولوجيا، وكتابه الثالث هو “طقوس الخصوبة”، إصدار الهيئة العامة لقصور الثقافة.