لم يكن بنا ولا حسناً.. ذكرى مقتل مؤسس الإخوان الإرهابية على يد أتباعه (تفاعلي)

في الثامنة من مساء يوم 12 فبراير 1949م، والليل قد خيم على سماء القاهرة، كانت يمكن أن تصبح كأي ليلة هادئة، إلا أن الهدوء لم يكن سمة شارع الملكة نازلي بالقاهرة (رمسيس حاليًا) أمام جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة، وفجأة الرصاص يتطاير، السيارات المشتبه بها تتسارع مبتعدة، مخلفة ورائها إصابة حسن البنا بسبع طلقات نجحت في أن تودي بحياة واحد من مؤسسي جذور الإرهاب المسلح، والذي تسبب في تجرع العالم ويلات أفكارهم المسمومة وبطشهم الدموي، وهو الذي كان سببًا في اقتناع آلاف الناس باتباع جماعة في ظاهرها دينية وفي باطنها شيطان متأصل في أعماقها.

حديثنا في السطور التالية عن حسن البنا مؤسس الجماعة الإرهابية، فرغم أنه كان طفل صغير لا يزال يتعلم قراءة وحفظ القرآن الكريم في إحدى كتاتيب المحمودية بمحافظة البحيرة، متأثرًا من نشأته في أسرة الريفية متدينة، لكن العوامل المحيطة به جعلته شخصية دموية ساهمت في إطلاق العنان لجماعة دينية تحولت فيما بعد إلى جماعة إرهابية منبوذة من العالم، بسبب تحول اتجاهاتها من الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى السياسة ومحاولة السيطرة على العالم باسم الدين.

مولده ونشأته

ولد حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا الساعاتي في 14 أكتوبر 1906 في المحمودية بمحافظة البحيرة، ونبدأ قصتنا معه من سن ثماني سنوات، حيث التحاقه بمدرسة الرشاد الدينية التي أسسها الشيخ محمد زهران، وهي تشبه الكُتّاب، وقال عنها "البنا" في كتابه مذكرات الدعوة والداعية: "تشتمل مواد الدراسة فيها - زيادة على المواد المعروفة في أمثالها حينذاك - على الأحاديث النبوية حفظًا وفهمًا، فكان على التلاميذ أن يدرسوا كل أسبوع في نهاية حصص يوم الخميس حديثًا جديدًا يشرحه لهم حتى يفقهوه، ويكررونه حتى يحفظوه ثم يستعرضون معه ما سبق أن درسوه فلا ينتهي العام إلا وقد حصلوا ثروة لا بأس بها من حدیث رسول الله، حتى علق بالذهن منذ ذلك الحين، كما كانت تشتمل كذلك على الإنشاء والقواعد والتطبيق، وطرف من الأدب في المطالعة أو الإملاء ومحفوظات ممتازة من جيد النظم أو النثر". 

لم يتم "البنا" حفظ القرآن الكريم، فقد تمرد على الكتاتيب وذهب للمدرسة الإعدادية، فهو لما يتجاوز بعد سورة الإسراء ابتداءً من البقرة، ثم قرر الالتحاق بالمدرسة الإعدادية، ووسط الرفض التام من والده نجح "البنا" في إقناعه برأيه، فاتفق معه على إتمام حفظ القرآن من منزله إلى جانب الدراسة في المدرسة، وهو ما جعل والده يرضخ لرغبته، فالتزم "البنا" بالدراسة نهارًا في المدرسة ثم تعلم صناعة الساعات -وهي مهنة والده- حتى صلاة العشاء، ثم مذاكرة دروسه وحفظها، وكان الوقت الذي خصصه لحفظ القرآن بعد صلاة الصبح حتى يذهب إلى المدرسة.

تحولات جذرية

في تلك المدرسة، انتقل "البنا" إلى مرحلة أخرى من حياته مهدت الطريق أمام عقله لتأسيس الجماعة، فكانت نواة صغيرة زرعها مُدرس له، ليسير على خطواتها فيما بعد، ففي السنة الثالثة له أنشأ محمد أفندي عبد الخالق المُدرس بالمدرسة الإعدادية، جمعية أطلق عليها اسم "جمعية الأخلاق الأدبية"، والتي أُختير "البنا" فيما بعد رئيسًا لها.

نصت لائحتها الداخلية - كما ذكر "البنا" في مذكراته- على: "من شتم أخاه غرم مليمًا واحدًا، ومن شتم الوالد غرم مليمين، ومن شتم الأم غرم قرشًا، ومن سَبّ الدين غرم قرشين ومن تشاجر مع آخر غرم مثل ذلك،.وتُضاعف هذه العقوبة لأعضاء مجلس الإدارة ورئيسه، ومن توقف عن التنفيذ قاطعه زملاؤه حتى ينفذ، وما يتجمع من هذه الغرامات يُنفق في وجوه من البر والخير، وعلى هؤلاء الأعضاء جميعًا أن يتواصوا فيما بينهم بالتمسك بالدين وأداء الصلاة في أوقاتها والحرص على طاعة الله والوالدين ومن هم أكبر سنًا أو مقامًا".

أخذ "البنا" تنفيذ تلك التعاليم على عاتقه، بل لم يكتفِ بها وزاد عليها أمور أخرى، ومن خلالها يمكن الاستنتاج أنها أيضًا لها أثر كبير في غرس فكرة الجماعة في تفكيره منذ صغره، فمن بين تلك الزيادات التي طورها، والتي ذكرها أيضًا ضمن مواقف من بينها: 

انتهت المرحلة الإعدادية ليدخل في منعطف آخر، وكان قد استكمل ما حفظه من القرآن وأضاف إليه ربعًا آخر إلى سورة "يس"، ووقتها ارتاد مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ليكون معلمًا بعد 3 سنوات، لم يكن "البنا" - وقتها- لديه أي ميول دينية أو سياسية، لكن خلال حضوره إحدى دروس الشيخ "زهران" بالمسجد التقى بمجموعة من مرتادي "الطريقة الحصافية" - من الطرق الصوفية واشتهرت بمقاومة الإنجليز- وارتبط بمجموعة منها: الشيخ شلبي الرجال، الشيخ محمد أبو شوشة، الشيخ سيد عثمان، ومن الشباب: محمد أفندي الدمياطي، صاوي أفندي الصاوي، عبدالمتعال أفندي سنكل، وفي تلك الحلقات كانت بداية اللقاء بين "البنا" و"أحمد السكري" -أحد الأربعة المؤسسين لجماعة الإخوان- وخلال تلك الفترة وقع في يده كتاب "المنهل الصافي في مناقب حسنين الحصافي"، وهو شيخ الطريقة الأول، الذي اتبع المذهب الشافعي، وأُعجب فيه بمواقف الشيخ المدافعة عن فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتهاده في العبادات والمواظبة عليها.

وطلب بعدها أن يعرفوه بالسيد عبدالوهاب نجل الشيخ "الحصافي"، وقد تم له الأمر، وتنبأ له الأخير بـ: "إنني أتوسم أن الله سيجمع عليكم القلوب ويضم إليكم كثيرًا من الناس"، وهنا قرر "البنا" إنشاء جمعية "الحصافية الخيرية" ليكون "السكري" رئيسًا لها و"البنا" سكرتيرًا لها، مهمتها نشر الأخلاق الفاضلة والنهي عن المنكرات كالخمر والقمار، ومقاومة الإرسالية التبشيرية الإنجيلية التي تبشر بالمسيحية، وكانت تلك الجمعية نواة تأسيس جماعة الإخوان المسلمين.

ويقول أن هناك عاملان كان لهم تأثير كبير في تشكيل فكره، هما مكتبة والده التي تجمع أنواع مختلفة من الكتب، مثل: "الأنوار المحمدية للنبهاني" و"مختصر المواهب اللدنية للقسطلاني" و"نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ الخضري"، كما كان يستأجر كتبًا بالأسبوع مقابل حفنة من المليمات، والعامل الثاني هو تشجيع مجموعة من أساتذة مدرسة "المعلمين" على البحث والدرس، ساهم ذلك في حفظه لعدد من المناهج العلمية خارج الدراسة من المتون في العلوم المختلفة فحفظ ملحة الإعراب للحريري ثم الألفية لابن مالك والياقوتية في المصطلح والجوهرة في التوحيد والرجبية في الميراث وبعض متن السُّلم في المنطق وكثيرًا من متن القدوري في فقه إبي حنيفة ومن متن الغاية والتقريب لأبي شجاع في فقه الشافعية، وبعض منظومة ابن عامر في مذهب المالكية.

من المقاهي انطلق "الإخوان"

ارتاد "البنا" كلية "دار العلوم"، وعلى أثرها نزل إلى القاهرة للدراسة، لكنه وجد فيها -من وجهة نظره- مظاهر البعد عن الأخلاق الإسلامية في كثير من الأماكن، ورأى أن المساجد وحدها لا تكفي في إيصال التعاليم الإسلامية إلى الناس، رغم تطوع عدد من العلماء بالوعظ في المساجد، ومنها جاءته فكرة تكوين مجموعة من طلاب الأزهر ودار العلوم للتدرب على الوعظ في المساجد ثم المقاهي ثم المجتمعات العامة ثم تكوين جماعة تنتتشر في القرى والريف والمدن المهمة لنشر تعاليم الإسلام، وعاونه في تلك الفكرة محمد مدكور خريج الأزهر والشيخ حامد عسكرية وأحمد عبد الحميد -عضو الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين فيما بعد- وغيرهم، وكان مقرهم في مساكن الطلاب بـ"شيخون" بمنطقة فيصل، ودقوا العمل في القهاوي ونجح "البنا" في جذب جمهور القهاوي إليه بحديثه الشيق الذي لم يتعدَ 10 دقائق في المكان الواحد.

في الإسماعيلية.. "البنا": لست مفتيًا

وانتقل أسلوبه الشيق في الوعظ إلى قهاوي الإسماعيلية أيضًا، حينما انتقل إليها بعد تعينه مدرسًا فيها، وأدى ذلك إلى تأثر عدد كبير من الناس بما يقوله حتى ألحوا عليه بضرورة وجود مقر للاجتماع بعد أو قبل حلقة الوعظ لدراسة تلك الأحكام باستفاضة، فاستقر الرأي إلى زاوية نائية عكف أهل المهن على ترميمها لتصبح مؤهلة للاجتماع بها، ورويدًا رويدًا تم افتتاح زاوية أخرى تمارس نفس الأنشطة، وذاع صيت هذا الدرس، وكثرت أعداد حاضريها، وفيها اعترف "البنا" أنه فقط مدرس يحفظ آيات القرآن وعدد من الأحاديث يرغب في نقلها للناس وتعليمهم الدين الصحيح وليس بشيخ له الصلاحية بالإفتاء.

 

مدرسة التهذيب للإخوان المسلمين

ظل "البنا" على هذا المنوال طوال النصف الأول من الفصل الدراسي، حتى جاء أحد الأيام وقرأ عن الاجتماع الأول لتكوين جمعية الشبان المسلمين برئاسة عبدالحميد بك سعيد، فأرسل إليها ليشترك معهم وواظب على دفع اشتراكها، وكان من مؤسسيها: الدكتور يحيى الدرديرى، ومحمود علي فضل، ومحمد الغمراوي والسيد محب الدين الخطيب وغيرهم، وفي مارس 1928م زاره حافظ عبد الحميد أحمد الحصري، فؤاد إبراهيم، عبد الرحمن حسب الله، إسماعيل عز، زكي المغربي، وهم من الذين تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كان يلقيها، وطلبوا منه ضرورة تشكيل جماعة يرأسها "البنا" لنصرة الإسلام، ليكون هدفها أن تعاهد الله مخلصة على أن تُحيي دينه، وتموت في سبيله، لا تبتغي بذلك إلا وجهه، فوافقهم "البنا" وقرر أن يسميها "الإخوان المسلمين".

وعن الجماعة، كتب "البنا": "اتفقنا على أن نستأجر حجرة متواضعة في شارع فاروق في مكتب الشيخ علي الشريف بمبلغ 60 قرشًا في الشهر. نضع فيها أدواتنا الخاصة ونجتمع فيها اجتماعاتنا الخاصة، على أن يكون لنا حق الانتفاع بأدوات المكتب بعد انصراف التلاميذ ابتداء من العصر إلى الليل ويسمى هذا المكان مدرسة التهذيب للإخوان المسلمين".

البداية السياسية

تمكنت الجماعة بعد ذلك من تثبيت أقدامها في ربوع مصر، إلا أنها لم تستمر في كونها جماعة دعوية فقط، فقد وجد "البنا" أن رفعة الإسلام لا تتوقف فقط على نشر التعاليم الإسلامية بين الناس، إنما يجب أن يكون الحكم أيضًا متحالفًا مع الإسلام لتصبح دولة قوية، فالتغيير بدأ منذ العام 1936م، في "التايم لاين" التالي نوضح لك مراحل توغل الإخوان في السياسة.

 

أنشأ حسن البنا جناحًا مسلحًا للإخوان المسلمين، عُرف باسم التنظيم الخاص، قدم تدريبات عسكرية لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وشاركت في العديد من العمليات المسلحة، وانطلقت نواتها الأولى من جمعية "منع المحرمات"، كان اسمه في البداية "فريق الجوالة" وهدفه تكوين فرقًا عسكرية تحقق فكرة الجهاد في الإسلام، حسب شهادة مؤرخ التنظيم محمود عبد الحليم، ومن خلال الفيديوجراف التالي نوضح لك كيفية تعاليم الجناح العسكري لجماعة الإخوان الإرهابية.

 

"الجماعة" في عيون الدراما

وخلال تلك المدة، أُنتجت عدد من المسلسلات والأفلام التي تحدثت عن الجماعة الإرهابية، ومنها ما تحدث عن حياة البنا منذ مولده وحتى مقتله، ونوضحها لك باستخدام أداة "فلوريش"

 

مقتل "البنا"

وإلى هنا تنتهي قصة "حسن البنا" بمقتله عام 1949م، على يد "عبد الرحمن السندي"، قائد التنظيم المسلح للإخوان، وذلك بسبب خلافات نشبت بينهما وتمرد "السندي" على "البنا" في كثير من القرارات، حيث أصدر أوامر بعدد من الاغتيالات أثناء سفر "البنا" إلى الحج عام 1948م، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي إزاحة "السندي" عن قيادة التنظيم المسلح وتعيين سيد فايز بدلًا منه، أيضًا ما زاد ثورته هو بيان "البنا" الذي تبرأ فيه من المسئولين عن حادث تفجير محكمة استئناف القاهرة فى يناير 1949 م، بعنوان "ليسوا إخوانًا.. وليسوا مسلمين"، فأدى ذلك لاغتيال "السندي" لـ"البنا" و"فايز" فيما بعد.

وما أكد تلك الرواية هو تحليل القيادي الإخواني صلاح شادي، مسئول قسم الوحدات في النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين، في مذكراته: " عبدالرحمن السندى قائد قوات النظام الخاص كان يشعر بالاستقلال عن المرشد والجماعة، وكان يتعامل مع المرشد على أنه المتحدث الرسمي باسم السندي والنظام الخاص، والذي يجب عليه أن يغطي ويبرر كل الجرائم التي يرتكبها السندي وتنظيمه العسكري السري من وراء ظهر المرشد".

وختامًا نورد لك أهم الوثائق التاريخية التي ذُكرت عن "البنا" والجماعة الإرهابية:

 

 

تاريخ الخبر: 2023-02-11 21:21:14
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

توقيع عقدين للتنزيل الجهوي لخارطة طريق السياحة 2023-2026

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-14 21:25:52
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

المغرب يدين إغلاق متطرفين إسرائيليين باب المغاربة في القدس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-14 21:25:53
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 67%

توقيع عقدين للتنزيل الجهوي لخارطة طريق السياحة 2023-2026

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-14 21:25:48
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 61%

المغرب يدين إغلاق متطرفين إسرائيليين باب المغاربة في القدس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-14 21:25:58
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية