كيف تحوّل المغرب العربي إلى ساحة حرب دبلوماسية ومصالح متفرقة؟


تتعاظم الأزمات في أوروبا ملقية بظلالها الباردة في المناطق البعيدة وإلى مختلف أصقاع الأرض. اشتدت الأزمات فانتشر اللاعبون الكبار “القوى العالمية” من فرنسا إلى إسبانيا وألمانيا وبريطانيا وروسيا، هذا المارد الذي قلّب مواجع الأوروبين وذكرهم بماض مأسوف على ذكرياته وجراحه. وصولا إلى قطبي الأرض، الولايات المتحدة الأمريكية المدججة بأسلحتها واقتصادها، والصين المتأبطة تكنولوجيا خارقة مكنتها حتى من “التجسس” من فوق السحاب بمناطيد على واشنطن المحصنة بعتادها. هؤلاء اللاعبون فرقتهم المصالح فراحوا باحثين عن مناطق نفوذ، فكانت الوجهة القارة الإفريقية، واستثمار حالة “تشرذم” يعيشها شمالها في منطقة “المغرب العربي” المثقل إكراها وإمعانا بالحسابات المعقدة، المكتنز في باطنه بترولا وغازا، فما عاد يحمل من إسم الاتحاد والأسس التي بُني عليها سنة 1989 بمراكش إلا الصفة التي تغني أصحابها عن درء رياح السياسة والمصالح الهوجاء.

 

بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بدأت دول أوروبا الغربية تتحسس مشكلتها الاقتصادية خاصة ما يرتبط بالغاز، وبالتالي بدأت تبحث عن بديل قريب جغرافياً، وكان بديل بعض الدول الأوروبية هو الغاز الجزائري، فرغم أن إنتاجية الجزائر لا تُقارن بنسبة إنتاج روسيا للغاز، فإن كل الأعين الأوروبية اتجهت لهذه الدولة الشمال إفريقية لتعويض العجز.

 

ويلاحظ كيف كثفت روسيا على سبيل المثال، من زياراتها إلى عواصم بلدان شمال أفريقيا من القاهرة مرورا بطرابلس والجزائر ثم الرباط وصولا إلى نواكشوط في صلب جولات الأفريقية لوزير خارجيتها سيرغي لافروف، إذ تقع هذه الدول في موقع استراتيجي بالقارة الأفريقية وفي خاصرة أوروبا التي تخوض موسكو منافسة جيو سياسية شرسة معها ومع الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ويبدو أن العقل الروسي اشتغل جيدا في إعداد أوراقه ومن ثم تعميق العلاقة مع البلدان المغاربية، إذ قرأ “جيدا” في سياق منافسة القوى الغربية في مواقع نفوذها التقليدي بالمنطقة، اللعب على تناقضات دول المنطقة وصراعاتها الإقليمية ومن أبرزها ملف الصحراء المغربية والتوتر الجزائري المغربي، ومن هنا يمكن فهم النمو الملحوظ في حجم المبادلات المغربية الروسية والتصويت روسيا في مجلس الأمن الدولي على قرار تمديد بعثة المينورسو في الصحراء، بشكل يحافظ على التوازن بين البلدين الجارين.

 

التوتر الدبلوماسي بين الجزائر والمغرب أمر مألوف أضحى قاعدة لا استثناء. ففي كل فترات التوتر، وعلى اختلاف درجاته، كانت فرنسا حاضرة بشكل أو بآخر. لكن منذ حوالي سنة ونصف السنة تعيش منطقة شمال إفريقيا على وقع مستوى أخطر من هذا التأزم ومن الخوف من تمدد تداعياته المُتعِبة إلى دول الجوار. فباريس تبحث الاستفادة من الاقتصاد الجزائري وبيعها عقود أسلحة، وفي ذلك مصلحة لها، وربما نكاية في المملكة التي نزعت ثوب التقليدانية في العلاقات مع باريس وأوروبا بشكل خاص، حيث تسعى الرباط إلى ربط علاقات استراتيجية تعزل مواقف بعض العواصم على غرار مدريد بعيدا عن “الكورال” المؤسساتي لأوروبا، كما حدث إبان تصويت البرلمان الأوروبي لإدانة المغرب في ملف حقوق الإنسان.

 

الولايات المتحدة الأمركية، الدولة الكبرى اختارت شراكة متميزة مع الرباط تفوق شراكات الإدارة الأمريكية مع جيران المملكة، خاصة مع الجزائر التي تُعد حليفا تاريخا لروسيا. في المقابل تتأرجح موريتانيا بين فرنسا واسبانيا ودخول موسكو في الأشهر الأخيرة كلاعب محوري في المعادلة،  لكن هذه المعادلة أخذت في إعادة التصويب والتشكل، فالمغرب يحاول عدم وضع بيضه كاملا في سلة واشنطن من خلال انفتاحه على روسيا والصين واستبدال فرنسا بشركاء جدد بما يتناسب والسياق الدولي الذي تتحكم في مصائره مصالح اقتصادية ودوافع سياسية نفعية.

 

وتراهن واشنطن على ثقلها العسكري في المنطقة لمزاحمة الروس والقضاء على آخر قلاع فرنسا، فواشنطن اختارت المغرب بوابة لأنشطتها ومن ثم مد جسر التوسع في شمال القارة وغربها وعمقها عبر تثبيت أقدامها العسكرية والأمنية وما تجر وراءها من مصالح اقتصادية في ظل حالة الاستقطاب الدولي الذي يميز عالم اليوم إذا ما أُعتبر عالما مُتغيّرا ومُتجددا رسمت معالمه الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية.

 

مستقبل الطاقة وما يشكله من هاجس للدول الأوروبية، حوّل عواصم مثل نواكشط التي تتوفر على موقع جغرافي استراتيجي يربط غرب القارة بعمقها، كما أنها في تماس مباشر مع مالي والقريبة من النيجر، البلد الذي تراهن عليه الجزائر ومن ورائها موسكو لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا. في وقت تراهن عواصم أوروبية على الرباط بصفتها شريكا موثوقا لتأمين حاجياتها الطاقية من خط الغاز النيجيري المغرب.

 

أنبوب الغاز المغربي النيجري، تشير بخصوصه تقارير إلى أنه قادر على تغيير وجه الدول 13 المار عبر أراضيها، فروسيا ترغب في الدخول شريكا مستثمرا في الأنبوب، استغلالا لحالة نقص السيولة المالية الكافية لإتمام المشروع، الصين واليابان أيضا ينظران إلى المشروع أنه نافذة استراتيجية لبسط أقدامهما في منطقة المغرب العربي والغرب الإفريقي. في المقابل تبحث أوروبا دفع مدريد إلى ربط شراكات وتوقيع اتفاقيات مع أبوجا للاستفادة من الغاز مباشرة منها إلى بروكسل عبر إسبانيا.

تاريخ الخبر: 2023-02-13 15:20:10
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 74%
الأهمية: 83%

آخر الأخبار حول العالم

الأهلي يفاوض صفقة مغربية جديدة.. بديل علي معلول - رياضة

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 06:20:48
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 55%

أمطار رعدية ورياح تؤدي إلى تدني في الرؤية بعدد من المناطق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-09 06:23:42
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 56%

ماذا طلب كريم عبد العزيز بعد ساعات من وفاة والدته؟ - منوعات

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 06:20:47
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 58%

استقرار صرف السلع بعد تطبيق منظومة التموين الجديدة - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 06:20:44
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

وزير النقل يستقبل أولى رحلات الحجاج في المدينة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-09 06:23:43
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 60%

«ميونخ السينمائي» يكرم كيت وينسلت في دورته الـ41 - فن

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 06:20:46
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية