شهادة امرأة سورية: رعب وألم ليلة الزلزال فاق 12 عاماً من الحرب


تجر عائشة قدميها، وهي ترتدي شالا ثقيلا من الصوف ضد البرد، وحفيدتها الصغيرة تركض خلفها، وسارتا لمدة 15 دقيقة من خيمتهما إلى أقرب حمام، وهو المكان الوحيد الذي يمكنهما الاستحمام فيه.

وبعد 7 أيام من تدمير الزلزال لمنزلهما في مدينة الأتارب شمال غربي سوريا، لم تحصل عائشة (43 عاما) بعد على ماء أو كهرباء أو تدفئة لها و 11 من أفراد أسرتها، تكتظ بهم خيمة واحدة.

وقالت عائشة: "خلال 12 عاما من الحرب لم نذق طعم الرعب والألم مثل تلك الليلة"، في إشارة إلى ليلة الزلزال.

وأضافت: "عندما أنظر إلى منزلنا أتساءل كيف خرج أي شخص على قيد الحياة؟ ربما كان من الأفضل أن أموت. جئت من تحت هذا الركام حاملة أنقاض العالم كله على كتفي".

ولا تعلم عائشة مقدار ما يمكن ان تتحمله هي وغيرها من السوريين. فقد تحملت النساء بشكل خاص مسؤولية الحفاظ على العائلات المشتتة معا خلال 12 عاما مضت، هي عمر الحرب الأهلية.

آثار الزلزال في سوريا

وخلف الصراع والانهيار الاقتصادي الملايين معتمدين على المساعدات الدولية.

والآن أضيف إلى سلسلة المتاعب دمار خلفه الزلزال الذي أودى بحياة عشرات الآلاف وشرد الملايين في جنوب تركيا وشمال سوريا.

ومع اكتظاظ المستشفيات بضحايا الزلزال، لا تستطيع عائشة الحصول على خدمات طبية لعلاج مرض الكبد الذي تعاني منه ومتابعته.

وفقدت عائشة وزوجها مصدر دخلهما جراء الزلزال. فقد تحطمت سيارة الأجرة التي كان يقودها الزوج، وضاع مخزون الملابس التي كانت تبيعها للجيران.

ولم يعد لديهما ما يقدمانه لأبنائهما الستة وأحفادهما الخمسة، منهم اثنان ولدا بعد مقتل أحد الأبناء في الحرب.

وقالت عائشة وهي تبكي: "إذا كانت هذه المتاعب علامة على حب الله ، فهذا يعني أن الله يحب السوريين حقا".

وتقع خيمتهم في مخيم لضحايا الزلزال في الأتارب، في آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا، والتي تشهد قصفا ومعارك منذ سنوات.

وعند السير بين صفوف البيوت المدمرة في البلدة ، يصعب التمييز بين تلك التي انهارت جراء الزلزال وغيرها المدمر جراء القتال.

وحملت السوريات خلال الحرب عبئا خاصا، بعد مقتل الكثير من الرجال أو اعتقالهم أو اصابتهم أو اضطرارهم لمغادرة البلاد.

وارتفعت نسبة الأسر التي تعيلها نساء في جميع أنحاء سوريا بنحو 80 بالمائة لتشكل أكثر من 25 بالمائة الأسر عام 2020، وفق الأمم المتحدة.

وحتى قبل الزلزال، كان أكثر من 7 ملايين امرأة وفتاة في جميع أنحاء سوريا بحاجة إلى خدمات صحية ملحة والى دعم ضد العنف الجسدي والجنسي الذي كن يتعرضن له وما زلن.

وكان زواج الأطفال في ازدياد، وتسربت مئات الآلاف من الفتيات من التعليم.

وعرض الزلزال ما لا يقل عن 350 ألف امرأة حامل في سوريا وتركيا للخطر، وفق احصائيات الأمم المتحدة.

أوضاع صعبة للسوريات في مناطق المعارضة

والنساء في شمال غربي سوريا، الذي تسيطر عليه المعارضة، معرضات للخطر بشكل خاص. وفر سوريون من مناطق أخرى بالبلاد، يبلغ عددهم 4 ملايين نسمة، إلى هناك هربا من الحرب، ويعتمدون على المساعدات الخارجية.

وقال باسل ترمانيني، رئيس الجمعية الطبية السورية الأميركية التي تدير عشرات المنشآت في شمال غرب سوريا: "يمكننا معالجة النساء بعد الصدمة أو بعد الولادة، لكنهن بحاجة إلى العودة إلى بيئة آمنة مع الحد الأدنى من السكن والتغذية والمياه النظيفة. للأسف ، هذا غير موجود بشكل عام في الشمال الغربي".

من آثار الزلزال في سوريا - رويترز

وطوال الحرب فرت عائشة وعائلتها مرارا من الأتارب أثناء فترات القصف إلى مناطق أكثر أمنا، حيث كانوا يقيمون لشهور حتى يتمكنوا من العودة. وقتل أحد أبناء عائشة عام 2019، وباتت هي المسؤولة عن طفليه الصغيرين منذ ذلك الحين.

وقالت: "خلال 12 عاما من الحرب لم نذق طعم الرعب والألم مثل تلك الليلة”، في اشارة الى ليلة الزلزال.

وعندما ضرب الزلزال قبل فجر يوم 6 فبراير ، تمكنت عائشة وعائلتها من مغادرة المبنى الذي كان ينهار، وسط البرد والمطر الغزير.

وسُوي المبنى المجاور لمنزلهم بالكامل بالأرض، وتوفي العديدون بداخله - بما في ذلك امرأة وطفل كانت قد وضعته للتو، وأطفالها السبعة الآخرون، وأمها، التي كانت قد وصلت قبل ساعات قليلة للمساعدة في رعاية المولود الجديد.

ويرقد ضحايا انهيار المبنى الآن في مقبرة جماعية على قطعة أرض زراعية قريبة تبرع بها صاحبها بعد امتلاء المقابر بضحايا الزلزال.

كانت المعيشة صعبة بالفعل قبل الزلزال في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، حيث يعتمد 90 بالمائة من السكان على المساعدات الإنسانية.

وذكرت عائشة أن الرجال كانو عاطلين عن العمل، وكان كثيرون منهم معاقين جراء الحرب، بينما وجد بعض النساء وظائف في خدمة المجتمع ومع مجموعات المساعدة. وتقوم أخريات بأعمال يدوية، مثل صنع الصابون أو خياطة الملابس، اضافة الى المئات من المتطوعات في الدفاع المدني، شارك العديد منهن في مهمات إنقاذ وبحث لأول مرة في حياتهن.

لكن في المجتمع المحافظ إلى حد كبير، الذي تهيمن عليه مجموعة مرتبطة بالقاعدة، ليس من السهل الحصول على وظائف للنساء.

حليمة (30 عاما) هي أم لطفلين فقدت زوجها في الأيام الأولى للحرب. على مدار سنوات، كانت تتنقل بين ملاجئ النازحين في الشمال الغربي بحثا عن الاغذية التي يتم التبرع بها. وتسبب الزلزال في تصدعات في المسكن الذي تقيم فيه حاليا، وباتت تخشى البقاء هناك، ولكن ليس لديها مكان آخر تذهب إليه.

من حلب في سوريا

وقالت وهي تجمع ملابس تم التبرع بها من مستودع تابع للهلال الأحمر التركي: "ربما يمكن لشخص أن يأتي ويعتني بأولادي".

أزمة إنسانية وصحية

كانت المساعدات الإنسانية لسوريا، التي تشهد واحدة من أكثر الأزمات تعقيدا في العالم منذ سنوات، من بين أفضل المساعدات الممولة من المانحين. لكن الفجوة بين التمويل والحاجة اتسعت، ولم تتم الاستجابة الا لنحو 50 بالمائة نداءات الأمم المتحدة.

وفي عام 2021 ، كان قطاع الصحة في شمال غرب سوريا يعاني من نقص التمويل بنسبة 60 بالمائة ، مع الحصول فعليا على 6.4 ملايين دولار فقط من أصل 23.3 مليون دولار تشتد الحاجة اليها.

وعندما ضرب الزلزال ، لم تتضرر مباني المستشفيات فقط، بل تدفق عليها عدد من الجرحى فوق طاقتها، مع نفاد إمدادات مجموعات الطوارئ الأساسية.

وقالت إكرام حبوش ، مديرة مستشفى الولادة في الأتارب "ما زالت الأمهات يقمن في الشوارع. ليس لدينا عدد كاف من الحضانات للمواليد الخدج. الوضع ابعد ما يكون عن الاستقرار ".

وعلى مدار سنوات الصراع استنفدت السوريات استراتيجيات التأقلم والتكيف، لكن هذه الكارثة الطبيعية الاخيرة كانت آخر شيء استعددن له.

واختتمت عائشة "لقد تعبنا. فعلى مدار 12 عاما لم ننم ليلة كاملة خوفا من القصف أو من الضربات الجوية أو من النزوح. والآن اصبحنا في حالة نزوح أبدي. نحن نعيش أم كل المآسي".

تاريخ الخبر: 2023-02-14 12:18:12
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 87%
الأهمية: 90%

آخر الأخبار حول العالم

مبديع من زنزانته بـ"عكاشة" يستقيل من عضوية مجلس النواب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 18:25:59
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

مبديع من زنزانته بـ"عكاشة" يستقيل من عضوية مجلس النواب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 18:26:05
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 60%

القضاء يعزل بودريقة من رئاسة مقاطعة مرس السلطان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 18:26:17
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

ماكرون يطالب بمشاركة مبابي في أولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 18:25:48
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

القضاء يعزل بودريقة من رئاسة مقاطعة مرس السلطان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 18:26:21
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية