يوضح الأستاذ الدكتور أوقان تويسز مهندس الجيولوجيا والعضو المتقاعد في الهيئة التدريسية بجامعة إسطنبول التقنية، في مقال نُشر حديثاً، بعض التفاصيل عن الزلازل التي ضربت جنوبي تركيا ومركزها قهرمان مرعش، الأسبوع الماضي.

1- مقارنة بالزلازل الأخرى في العالم وتركيا، ما الخصائص التي يتسم بها الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا؟

في 6 فبراير/شباط 2023 وعند الساعة 04:17 بتوقيت تركيا ثم في الساعة 13:24، وقع زلزالان بقوة 7.7 درجة و7.6 درجة في منطقتَي بازارجق وألبستان بقهرمان مرعش.

وقع الزلزال الأول على عمق 8.6 كيلومتر والثاني على عمق 7 كيلومترات، لهذا يُعتبران "زلزالين ضحلين" لقربهما من سطح الأرض، ولهذا فالأضرار أكبر نسبيّاً.

زلزال بازارجق وقع على جزء من صدع "نارلي" بمنطقة صدع شرق الأناضول، وأثر بشدة في الصدوع الأخرى بالمنطقة محفّزًا زلزال ألبستان على صدع جارداق، علماً بأن المسافة بين بؤرتَي الصدعين نحو 90 كيلومتراً.

إن تأثير (تحفيز) الزلازل الكبيرة وإحداثها زلازل صغيرة هي ظاهرة جيولوجية دُرسَت في صدع سان أندرياس بالولايات المتحدة وصدع شمال الأناضول بتركيا، أما عكس ذلك فهو أقلّ شيوعاً، أي إن الزلازل الصغيرة نادراً ما تؤدّي إلى تحفيز زلازل كبيرة.

زلزال كولجك (شمال غرب تركيا) الذي وقع في 17 أغسطس/آب 1999، أدّى إلى تحفيز زلزال دوزجة في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1999 (شمال غرب)، أي بعد نحو ثلاثة أشهر.

من ناحية أخرى، من المعروف أن الزلزال الذي ضرب أرزينجان بتركيا في 26 ديسمبر/كانون الأول 1939 بقوة 7.9 درجات تسبب في أربعة زلازل.

هذه الزلازل هي نيكسار (بولاية طوقات - شمال شرق) في 20 ديسمبر/كانون الأول 1942، وبلغت قوته 7.1 درجة، وتسبب في وقوع زلزال طوسية (ولاية قسطموني - شمال) في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1943، وبلغت قوته 7.6 درجة.

هذا التحفيز أدّى في ما بعد إلى وقوع زلازل بولو-كرده في 1 فبراير/شباط 1944 (7.3 درجة)، وأبانت في 26 مايو/أيار 1957 (7 درجات)، ومودورنو في 22 يوليو/تمّوز 1967 (7.1 درجة)، وأخيراً كولجك في 17 أغسطس/آب 1999 (7.4 درجة).

وهذا يُظهِر بوضوح شكل التأثير الزلزالي من الشرق باتجاه الغرب، لكن الاختلاف الأكثر أهمية في زلزال قهرمان مرعش هو أن المدة بين الزلزالين الرئيسيين لم تتعدَّ 9 ساعات.

من ناحية أخرى، وبناءً على ذلك المثال، فإن التحفيز أدّى إلى انتقال الضغط عبر خطوط الصدع وبالتالي حدوث الزلازل، بينما في قهرمان مرعش وقع الزلزال الأول في منطقة الصدع الرئيسي والثاني في منطقة الصدع الفرعية (الثانوية) المتفرعة عن الرئيسي.

وزلزال قهرمان مرعش أصغر قليلاً من زلزال أرزينجان عام 1939، الذي كان أكبر زلزال في تاريخ تركيا وبلغت قوته 7.9 أو 8 درجات.

وتسبب زلزال أرزينجان الذي استمرّ 50 ثانية، في حدوث تصدّعات في سطح الأرض لمسافة 370 كيلومتراً، ما أحدث انزلاقات أرضية تصل إلى 7.5 متر على طول خط الصدع.

وأودى ذلك الزلزال بحياة 32 ألفاً و968 شخصاً وأصاب أكثر من 100 ألف آخرين ودمّر 116 ألفاً و720 مبنىً، علما بأن عدد سكان تركيا آنذاك كان نحو 17 مليون نسمة، لذلك يحتلّ زلزال أرزينجان المرتبة الثامنة بين أكبر زلازل وقعت في العالم خلال القرن العشرين.

وفي زلزال قهرمان مرعش الذي يوصف بأنه "متعدد الطوابق" أي ذو قوة تدميرية كبيرة بعكس أرزينجان، وقعت هزتان كبيرتان متتاليتان، ما أدى إلى تضرر المباني في الزلزال الأول الذي استمر 75 ثانية فيما انهارت أو زادت الأضرار في الزلزال الثاني الذي دام 25 ثانية، وأثر في منطقة جغرافية شاسعة شملت 10 ولايات يبلغ عدد سكانها نحو 13.5 مليون نسمة في وقت يبلغ فيه عدد سكان تركيا قرابة 86 مليون نسمة.

كما زادت الطبيعة الهشة لبنية التربة القدرة التدميرية للزلزال، ومع ذلك لا يزال من المبكر إجراء مقارنة واضحة من حيث الخسائر في الأرواح وعدد الجرحى ومعدلات الأضرار، فالأضرار النهائية لا تزال غير معروفة.

إن تسارع الأرض الناتج عن الزلازل يُعتبر أهمّ عامل في قياس شدة الزلزال وتأثيره على البنى التحتية والفوقية.

وحالياً لا نملك بيانات موثوق بها لتسارع الأرض في أثناء زلزال أرزينجان، أما زلزال قهرمان مرعش فبلغ تسارع الأرض به أكثر من 0.7 جرام والتسارع الطيفي أكثر من جرامين، ما يعني أن القوة التدميرية للزلزال أشد بكثير مما كان متوقعاً، وهذا أحد العوامل المهمة في كون القوة التدميرية للزلزال شديدة للغاية.

وسنوياً يشهد العالم من 10 إلى 18 زلزالاً بقوة 7-8 درجات، وجرى تصنيف زلازل قهرمان مرعش ضمن قائمة عام 2023، وهو من بين أكبر الزلازل في القرن الحادي والعشرين بعد زلزال إندونيسيا 2004 (227 ألف ضحية) وهايتي 2010 (220 ألفاً) وسيتشوان 2008 (الصين، 87 ألفاً) وكشمير 2005 (87 ألفاً).

فيما يقدّر المعهد الجيولوجي الأمريكي (USGS) الخسائر الاقتصادية للزلزال بنحو 1- 10 مليارات دولار. لكن لكون الدمار شمل مساحة كبيرة جدّاً فإن البيانات المتاحة يُعتقد أنها غير كافية لهذه التقديرات.

2- كيف كان تأثير الزلزال الثاني في المناطق التي شملها الزلزال الأول؟

حالياً، تشغل مواضيع مثل كيف حدث الزلزال وما ينتظرنا بعد ذلك مكانة مهمة في الأوساط الرسمية والإعلامية.

ورغم مرور أكثر من أسبوع على الزلزال فإن الأضرار التي خلّفها لا تزال غير محددة بدقة، لأنه ضرب منطقة واسعة جدّاً خلال موسم الثلوج.

وتُظهِر كل من البيانات الأولية وتوزُّع الهزات الارتدادية أن المساحة المتأثرة بالزلزال تبلغ 350 كيلومتراً مربعاً على خط صدع شرق الأناضول، و150 كيلومتراً مربعاً على صدع جارداق.

وتشير الدراسات الأولية إلى أن خطوط الصدوع التي نشأت في الصدع الزلزالي نتيجة الزلزال الذي بلغت قوته 7.7 درجة بدأت من منطقة بازارجق-نارلي باتجاه جليك خان ثم باتجاه منطقتَي تورك أوغلو وقرق خان.

وخلال الأيام الماضية حُدّدَت مناطق شهدت انزياحات في طبقات الأرض بنحو 3 أمتار، باستخدام صور الأقمار الصناعية، إذ حُدّدَ مقطع صدعي بطول 250 كيلومتراً على الفرع الرئيسي لخط صدع الأناضول الشرقي الممتد من قرق خان (هطاي) إلى أركنك (ملاطيا).

ونتيجة لفحص موجات الزلزال، كُشف عن حدوث تصدعات في أجزاء الصدع الرئيسي، وهو ما يستلزم إجراء دراسات مفصَّلة.

ويتميز صدع شرق الأناضول بالتحرك إلى اليسار، فيما تنزلق صدوع أخرى نحو الجانب الأيمن، تُعرف باسم الصدوع ذات الانزلاق الجانبي الأيمن.

وأحدث الزلزالان في قهرمان مرعش تصدعات سطحية يزيد عرض بعضها على 3 أمتار.

مع ذلك، وبالنظر إلى حجم الزلزال، فمن المتوقع وجود صدوع أخرى يزيد عرضها عن 6 أمتار. ففي زلازل 1999، وكان بقوة 7.4 و7.2 درجة، قيست انزياحات بعرض نحو 5 أمتار على خط صدع شمال الأناضول الجانبي الأيمن.

من الصعب جداً الإجابة عن سؤال ما الذي ينتظرنا بعد زلزالَي 6 فبراير 2023، لأننا لا نعرف بالضبط نوع التغييرات التي أحدثها الزلزالان في الطبيعة.

مع ذلك، تُظهِر دراسات أنه يمكن توقُّع حدوث زلازل جديدة بسبب انتقال الضغط إلى نهايات الصدوع التي تحطمت في الزلزالين، ويمكن أن يؤدّي انتقال الضغط إلى دفع الزلازل المتوقعة إلى الأمام عن طريق تراكم الضغوط على الصدوع القابلة لإنتاج زلازل، التي يمكن أن تحدث في وقت قصير جدّاً أو قد يستغرق حدوثها سنوات.

بهذا المعنى، وبالنظر في اتجاهات حركة زلازل 6 فبراير، يُعتقد أنه قد تحدث زيادة في الضغط على صدع جليك خان - سوركو، وكولباشي - جاغلايانجريت، وأنطاكيا - قبرص، وكوكسون - قوزان.

مع ذلك، ولكي تصل هذه الدراسات إلى نتائج مُرضِية، يجب استكمال جميع الدراسات الميدانية حول بيانات التصدعات.

3- كيف أثّر زلزال قهرمان مرعش في الخريطة الزلزالية لتركيا؟

رغم أن الزلزال الثاني وقع على بعد نحو 90 كيلومتراً شمالي الزلزال الأول، فإنه تسبب في هزة قوية في المناطق الشمالية المتضررة من الزلزال الأول.

عند إجراء مقارنة بين الخرائط، نستطيع ملاحظة أن المنطقة التي كان فيها الزلزال الثاني بدت أقوى وتشمل أيضاً الأماكن التي أصيبت بأضرار جراء الأول.

وهذا يدلّ على أن المناطق السكنية داخل المناطق المشمولة (مثل أدي يامان وكولباشي) تضررت بشدة من الزلزالين. كما يُلاحَظ أن تأثير الثاني انخفض حتى أنطاكيا، وهي المدينة التي تعرضت لأكبر قدر من الأضرار.

TRT عربي - وكالات