فور وقوع زلزال مدمر، يخرج علينا الخبراء والمختصون ليرددوا عبارتهم الشهيرة: "الزلازل لا تقتل، المباني تفعل ذلك"، في إشارة إلى أن الخسائر في الممتلكات والأرواح سببها الرئيسي انهيار المباني القديمة والضعيفة.

ولعل عاصفة الزلازل الأخيرة التي ضربت الجنوبي التركي الأسبوع الماضي، أحد أهم الأمثلة على ذلك. فحسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء، فإن 98% من المباني التي انهارت جراء الزلازل الأخيرة هي مبانٍ بُنيت قبل عام 1999، ما يعني أنها بُنيت قبل فرض قانون الإنشاءات الصارم الذي ينظم المعايير والشروط الهندسية لبناء مباني مقاومة للزلازل، والذي صدر رسمياً بعد زلزال عام 1999.

وبينما أُعلنَ عن انهيار أو تضرر أكثر من 41 ألف مبنى في المنطقة التي ضربتها الزلازل، كشفت الكارثة عن المباني التي شُيّدت وفقاً للمعايير الهندسية المقاومة للزلازل ونجحت في إخماد قوة الزلازل بلا تَعرُّض لأي أضرار هيكلية تُذكَر. ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك المباني التي شيّدتها هيئة الإسكان الجماعي الحكومية (TOKİ) "توكي" خلال العقدين الماضيين، التي يبلغ عددها نحو 134 ألف مبنى في الولايات العشر التي ضربتها الزلازل.

إذاً ما المعايير والضوابط التي تنظم تصميم وبناء المباني المقاومة للزلازل؟ وما أحدث ابتكارات المهندسين لتعزيز قوة المباني ومرونتها بما يجعلها لا تتأثر بالاهتزازات التي تسببها الزلازل؟

معايير أساسية

يتطلب البناء المقاوم للزلازل "تأريض" المبنى بشكل صحيح عبر توصيله من خلال أساساته بالأرض. كما يجب تجنب البناء على الرمال أو الطين السائل، فضلاً عن البناء فوق الصدوع والفوالق الزلزالية التي عادة ما يحددها الجيولوجيون في خرائطهم ودراستهم لأماكن البناء في المدن والبلدات، لأن هذه الأسطح وما تحتها من صدوع وفوالق يمكن أن تسبب حركة مفرطة وضغوطاً غير منتظمة تؤثّر سلباً في المبنى وقت الزلزال.

علاوة على ذلك، إذا كان الأساس ضحلاً جداً فسيكون الهيكل أقل قدرة على تحمل الاهتزاز وسينهار سريعاً. لذلك يجب بناء الأساس على تربة صلبة للحفاظ على الهيكل الذي يستقرّ بشكل موحد تحت التحميل الرأسي بالوضع الطبيعي، والتحميل الجانبي الذي ينتج عن الزلازل.

في ظل الظروف العادية، تتعرض جدران المبنى والأعمدة والعوارض/الجسور في المقام الأول لأحمال ضغط رأسية فقط. ولكن في أثناء الزلزال تتعرض هذه العناصر لأحمال قص جانبية، مما يؤدي إلى قوى الشد والالتواء على العناصر الهيكلية. هذه القوى تؤدّي إلى ضغوط عالية على زوايا المبنى ومفاصله المختلفة قد تسبب انهياره في حال فشلها بالصمود.

السر في مرونة الفولاذ

فرق أساسي بين تصميم المبنى وطرق البناء المستخدمة لإنشائه. وكما ذكرنا سابقاً، لا تكون التصاميم المتقدمة التي تهدف إلى مقاومة الزلازل فعالة لما لم تُستخدم طرق البناء المناسبة، بما في ذلك اختيار الموقع وتحديد نوع الأساسات المطلوبة، فضلاً عن تصميم الأعضاء الإنشائية الأخرى من جسور وأعمدة وتوضيح الطريقة المثلى لتوصيلها معاً.

وعادةً ما تشتمل التصميمات المقاومة للزلازل على الليونة/المرونة (قدرة المبنى على الانحناء والتشوُّه دون انهيار) داخل الهيكل وأعضائه الهيكلية. يمكن للمبنى المرن أن ينحني وينثني عند تَعرُّضه لقوى القص الأفقية أو الرأسية التي يسببها الزلزال.

لتحقيق هذه الغاية، يلجأ المهندسون إلى الخرسانة لتعزيز متانة المبنى، وفي الوقت نفسه يستخدمون حديد التسليح مع الخرسانة لتقوية المباني الخرسانية، التي عادة ما تكون هشة (سهلة الكسر نسبياً)، وجعلها أكثر مرونة في مواجهة الزلازل.

وعند تصميم مبنى بالخرسانة المسلحة بالفولاذ، فمن المهم عدم تقليل كمية الفولاذ المستخدَم لخفض تكلفة البناء، لأن مثل هذه الممارسات تُضعِف إلى حدّ كبير قدرة المبنى على تَحمُّل القوى الديناميكية للزلزال، والتي يسعى المهندسون لتحقيقها من خلال تصميم وتصنيع كل من الفولاذ والخرسانة بدقة لتحقيق سلوك الليونة والمتانة المطلوبين.

ما أحدث الابتكارات الهندسية لمقاومة الزلازل؟

لمقاومة الزلازل وتخفيف آثارها السلبية على الأرواح والممتلكات، أدخل المهندسون على مدى العقود القليلة الماضية تصميمات وموادّ بناء جديدة لتجهيز المباني بشكل أفضل لتحمل قوة الزلازل. وفقاً لموقع Big Rentz، فيما يلي بعض أحدث الطرق المستخدمة لمساعدة المباني على مقاومة الزلازل:

1. إنشاء أساس مرن: تتمثل إحدى طرق مقاومة الزلازل في "رفع" أساس المبنى فوق الأرض من خلال طريقة تسمى عزل القاعدة. يشمل عزل القاعدة بناء مبنى فوق منصات مرنة مصنوعة من الفولاذ والمطاط والرصاص. عندما تتحرك القاعدة في أثناء حدوث زلزال، تهتزّ العوازل فيما يظلّ الهيكل نفسه ثابتاً. يساعد هذا بفاعلية على امتصاص الموجات الزلزالية ومنعها من السفر عبر المبنى.

2. أجهزة التحكم في الاهتزازات: إذا كنت معتاداً استخدام ماصَّات الصدمات في السيارات، فقد تُفاجأ عندما تعلم أن المهندسين يستخدمون أيضاً نسخة منها في المباني المقاومة للزلازل. على غرار استخدامها في السيارات، تعمل ماصات الصدمات على تقليل حجم موجات الصدمات وتساعد على تقليل الضغط على المبنى.

3. درع المباني ضد الاهتزازات: بدلاً من مجرد مواجهة القوى، يجرّب الباحثون طرقاً تمكّن المباني من تحويل الطاقة من الزلازل وإعادة توجيهها تماماً. يتضمن هذا الابتكار الذي سُمّي "عباءة الاختفاء الزلزالي"، صنع عباءة من 100 حلقة متحدة المركز من البلاستيك والخرسانة، ودفنها على بعد 3 أقدام على الأقلّ تحت أساس المبنى، وعندما تدخل الموجات الزلزالية في الحلقات تجبرها بسهولة على الانتقال إلى الحلقات الخارجية، فتُوجَّه بشكل أساسي بعيداً عن المبنى وتُشتَّت في الأرض.

TRT عربي