مواقع التواصل: فتاة تقاضي موقعا جمعها في صغرها بمتحرش بالأطفال

  • جو تايدي
  • مراسل الشؤون السيبرانية

كانت أليس فتاة صغيرة، عندما دخلت إلى موقع Omegle أوميغل الشهير للدردشة المباشرة عبر الكاميرا على الإنترنت، وتم جمعها اعتباطيا للدردشة مع متحرش بالأطفال، استغلها وأجبرها على أن تصبح "عبدته الجنسية الرقمية".

تحذير: تحتوي هذه المقالة على معلومات قد يجدها البعض مزعجة

بعد نحو 10 سنوات، تقاضي الشابة الأمريكية أليس، وهو ليس اسمها الحقيقي، موقع أوميغل في قضية غير مسبوقة، يمكن أن تمهد الطريق لموجة من الدعاوى القضائية ضد منصات تواصل اجتماعي أخرى.

لا تزال أليس حتى اليوم تعاني من تداعيات تلك التجربة، ويمكن لأصغر الأشياء أن تذكرها بالاعتداءات والمهانة اللذين عانت منهما عندما كانت طفلة.

كان المعتدي يحدد لها تماما ماذا عليها أن تفعل، وكيف يجب أن يكون مظهرها في مقاطع الفيديو التي أجبرها على إرسالها إليه، وقد طلب منها أن تربط شعرها على شكل ذيل حصان على الجانب الأيسر من رأسها، كما حاول أيضا أن يجعلها تعرفه على فتيات أخريات في مثل عمرها.

تقول أليس "كان عمري 11 عاما فقط، لكنه أرادني أن أبدو أصغر ما يمكن".

ما علاقة إغلاق كورونا بزيادة الصور الجنسية للأطفال على الإنترنت؟

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تغيير بسيط: ما علاقة سلة مشترياتك بتغير المناخ؟

الحلقات

البودكاست نهاية

كيف أدى الوباء إلى تزايد استغلال الأطفال جنسيا عبر الإنترنت في الهند؟

وحتى الآن، مجرد جمع شعرها إلى اليسار، كاف لكي تتملكها رجفة عنيفة.

أصبحت أليس اليوم في الحادية والعشرين من عمرها، وتبدو شابة واثقة من نفسها، وهي تعيش علاقة حب، لكنها تقول إن ندوب الاعتداءات والإساءات التي عانت منها في مقتبل مراهقتها ستلازمها خلال ما تبقى من حياتها.

كان موقع أوميغل معروفا بسمعته السيئة عندما دخلته أليس للمرة الأولى، وكان يعتبر بمثابة "الأدغال المتوحشة" بالنسبة للإنترنت.

تقول "دخلت أنا وصديقاتي إلى موقع أوميغل، كنا في حفلة في منزل إحدى الصديقات، ونمنا بعد الحفلة عندها".

وتضيف "كان الجميع في المدرسة على علم بهذا الموقع. لكن بالطبع لم يكن أحد منا يعرف أي شيء عن المخاطر الموجودة هناك".

واليوم، يزور موقع أوميغل حوالي 73 مليون شخص شهريا، وفقا لمحللين في شركة Semrush لمراقبة مواقع الإنترنت. ومعظم زوار الموقع من الهند والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمكسيك وأستراليا.

ويمكن أن يشكل دخول الموقع خطرا حقيقيا على المراهقين بسبب نظامه بجمع الزائر مع شخص غريب بشكل عشوائي في دردشة فيديو مباشرة، حيث يمكن أن يحدث أي شيء.

بعد تعرف أليس على أوميغل خلال الليلة التي باتت فيها في منزل صديقتها، دخلت الموقع بمفردها، وحينها تم جمعها مع شخص يدعى ريان فورديس، وهو كندي متحرش جنسيا بالأطفال.

التعليق على الصورة،

تقول أليس إنها عاشت لفترة طويلة من طفولتها تحت سيطرة متحرش بالأطفال

في تلك الفترة، كانت أليس تعاني من قلق ومخاوف المراهقة المبكرة، وتمكن فورديس من طمأنتها وجعلها تشعر براحة. وخلال محادثة الفيديو الأولى بينهما، أقنعها بأن تعطيه المعلومات للتواصل الخاص معها مثل رقم هاتفها وبريدها الإلكتروني.

وتقول "لقد تمكن من التلاعب بي على الفور، وسرعان ما أُجبرت على القيام بأشياء، لا ينبغي للأطفال أن يقوموا بها".

وما أن تمكن فورديس من الضغط على أليس وإرغامها على إرسال صور حميمة لنفسها، حتى أقنعها بأنها أصبحت متواطئة في صنع ومشاركة محتوى متعلق بالاستغلال الجنسي للأطفال، وأنها بذلك تخالف القانون.

احتجاز صانع المحتوى المثير للجدل أندرو تيت في قضية اغتصاب وإتجار بالبشر

كيف كان الأخوان تيت يوقعان القاصرات في براثنهما؟

صدقت أليس مزاعم فورديس، وأخفت كل ما جرى عن عائلتها وأصدقائها، واحتفظت لنفسها بالسر خوفا من الاعتقال.

وتقول "لقد أمضيت فترة طويلة من طفولتي وأنا طوع أمره، جاهزة للسمع والطاعة حين يطلبني. أي أنني كنت يوميا خاضعة لإرادة شخص آخر لديه أسوأ النوايا تجاه الأطفال".

واستمر هذا الوضع طوال ثلاث سنوات، إلى أن بدا في النهاية أن فورديس فقد الاهتمام بأليس، وشيئا فشيئا توقف عن التواصل معها.

كانت أليس تنوي أن تكتم سرها إلى الأبد وتحمله معها إلى قبرها، ولكن تغير الأمر بعد أن لاحظت الشرطة الكندية نشاطا مثيرا للريبة على الإنترنت، وأن أحد الأشخاص يشارك صورا ومقاطع فيديو تتضمن استغلالا جنسيا فاضحا للأطفال.

وقامت الضابطة بام كلاسن، الخبيرة الجنائية في قسم الشرطة في مدينة براندون في مقاطعة مانيتوبا الكندية، بتتبع جهاز الكمبيوتر المتصل بالإنترنت الذي ينشر تلك المواد، وقادها ذلك إلى منزل عائلة رايان فورديس، وحصلت على أمر بتفتيش المنزل.

كان فورديس خارج المنزل عندما زارته كلاسن في 12 يناير/كانون الثاني عام 2018، لكنها تمكنت من الدخول إلى جهاز الكمبيوتر الخاص به، ووجدت مجموعة مروعة من الصور ومقاطع الفيديو الجنسية، والتي أرسلها الأطفال أنفسهم انصياعا لأوامره.

التعليق على الصورة،

بام كلاسن الضابطة في الشرطة تتبعت جهاز كومبيوتر ريان فورديس، المتحرش بالأطفال، وألقت القبض عليه

وعندما عاد فورديس إلى المنزل لتناول طعام الغداء، كانت الشرطة بانتظاره، واعتقلته كلاسن.

وتقول الضابطة كلاسن "لقد فوجئ، أما زوجته فاعتقدت أنه لا بد أن هناك خطأ".

وعثرت الشرطة على سبعة مجلدات لحفظ الملفات على الكمبيوتر، كل منها باسم فتاة مختلفة. وكان أحدها يحتوي على 220 صورة ومقطع فيديو تخص أليس وهي في عمر يتراوح ما بين 11 و14 عاما، وقد أُجبرت في بعضها على ممارسة العادة السرية أو التبول.

وقامت بام كلاسن بتتبع أليس، وتمكنت من الوصول إليها بفضل الزي المدرسي الذي ظهرت وهي ترتديه في بعض اللقطات.

لماذا يتزايد الإقبال على المواد الإباحية في المنطقة العربية؟

سقوط شبكة لاستغلال الأطفال جنسيا على الإنترنت أفرادها من 38 دولة منها السعودية والإمارات

وقدم فورديس للمحاكمة، وصدر في ديسمبر/ كانون الأول عام 2021 حكم بسجنه لثماني سنوات.

وكان فورديس، وهو أب لطفلين في أواخر الثلاثينيات من عمره، استخدم موقع أوميغل أيضا للتحرش بفتاتين أخريين من ضحاياه.

أليس تقاضي موقع أوميغل

بعد أن أصبح فورديس سجينا خلف القضبان، تسعى أليس الآن إلى مقاضاة موقع أوميغل في قضية تحظى بالاهتمام في جميع أنحاء العالم.

قد تكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها محاكمة منصة رقمية بما يسمى "دعوى المسؤولية القانونية عن المنتج"، بسبب طريقة تصميمها ونظام عملها.

وقد رفعت خلال العام الماضي العشرات من قضايا المسؤولية عن المنتجات ضد منصات أخرى مثل إنستغرام وسناب تشات، ولكن من المرجح أن تكون قضية أليس التي تعرف باسم "أ. أم ضد أوميغل"، هي التي تقود هذا الطريق.

التعليق على الصورة،

تقول كاري غولدبرغ، التي تقود دعوى أليس القضائية "نحن نحمل موقع أوميغل المسؤولية القانونية لمنتجه"

وتوضح كاري غولدبرغ، محامية أليس قائلة "لدينا في الولايات المتحدة، المادة 230 من قانون آداب الاتصالات، والتي تجعل من الصعب للغاية مقاضاة أي منصة على الإنترنت".

وتضيف "ولكن قبل بضع سنوات، بدأنا في التفكير بطريقة مختلفة، 'فلنبدأ في التعامل مع هذه المنتجات على أنها مجرد منتجات عادية، كما لو كان هناك عيب في تصميمها يؤدي إلى ضرر'".

ويستند الفريق القانوني الذي يمثل أليس على فكرة أنها أصبحت "فريسة سهلة للمتحرشين" بسبب نظام المطابقة العشوائي الذي يجمع بين شخصين غريبين مع عدم وجود تحذيرات بخصوص الفارق في العمر، أو التحقق من عمر المستخدم.

ويأمل فريق المحامين في وضع ذلك الأمر على المحك في محاكمة، يمكن أن يحكم فيها لأليس بملايين الدولارات كتعويض، إضافة إلى فرض إحداث تغييرات على نظام تصميم أوميغل.

ويجمع خبراء قانونيون على أن هذه القضية يمكن أن تكون لحظة حاسمة بالنسبة لإمكانية مقاضاة منصات التواصل الاجتماعي.

وتقول الدكتورة ليزا لوفدال غورسن، التي تحاول حاليا رفع دعوى قضائية كبيرة في بريطانيا ضد شركة ميتا التي تملك فيسبوك بخصوص المنافسة غير العادلة "إذا نجحت قضية أليس ضد أوميغل، أعتقد أنها يمكن أن تمهد الطريق أمام العديد من الضحايا الآخرين، لرفع قضايا مماثلة".

صدر الصورة، Twitter

التعليق على الصورة،

كان عمر ليف بروكس 18 عاما عندما أسس موقع أوميغل

وسيستفيد مستخدمو مواقع الإنترنت في جميع أنحاء العالم من أي تغييرات تنتج عن مثل هذه الدعاوى القضائية في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر.

وقد يواجه موقع أوميغل إجراءات قانونية في المملكة المتحدة أيضا، إذا تم في النهاية تمرير مشروع قانون الحكومة الخاص بالسلامة عند استخدم الإنترنت والذي طال انتظاره. ويقترح مشروع القانون تغريم الشركات مبالغ طائلة إذا فشلت في حماية الأطفال من الأذى.

البحث عن منشئ موقع أوميغل

دافع الفريق القانوني الذي يمثل أوميغل في المحكمة بأن الموقع الإلكتروني ليس مسؤولاً عما حدث لأليس، نافيا أن يكون الموقع ملاذا لـ"المفترسين" المتحرشين بالأطفال، لكننا لاحظنا أن اسم الموقع ورد في أكثر من 50 قضية ضد المتحرشين بالأطفال خلال العامين الماضيين فقط.

وكان هناك أكثر من 20 قضية من هذا النوع في الولايات المتحدة، وكذلك في المملكة المتحدة وأستراليا وإسبانيا وكولومبيا وقبرص.

مصمم موقع أوميغل ومؤسسه اسمه ليف بروكس، وهو شخص منعزل تقريبا، وقد أظهر عدم رغبته في الحديث عن قضية أليس عبر البريد الإلكتروني، لذلك سافرت إلى أورلاندو في فلوريدا حيث يقيم، على أمل التحدث إليه هناك. لكنه تمسك بامتناعه عن الكلام في الموضوع.

كما حاولت "مؤسسة مراقبة الإنترنت"، التي تعمل على إزالة أي محتوى استغلال جنسي للأطفال من الشبكة، التواصل مع بروكس لسؤاله عن إحداث تغييرات على موقعه. وقد قالت المؤسسة الخيرية لبي بي سي إن محلليها يتعاملون أسبوعيا مع حوالي 20 مقطع فيديو على موقع أوميغل.

صدر الصورة، Getty Images

بعد رفضه الحديث، أرسل بروكس بيانا مكتوبا إلى بي بي سي، قال فيه إن مستخدمي موقع أوميغل هم "المسؤولون الوحيدون عن سلوكهم" أثناء استخدام موقعه. وأضاف أن موقع أوميغل يتعامل مع سلامة المستخدمين بغاية الجدية، من خلال إشراف الذكاء الاصطناعي ومشرفين آخرين من البشر، وأنه يساعد السلطات المختصة والمنظمات التي تعمل على وقف استغلال الأطفال عبر الإنترنت.

وبالفعل أدين معتدون ومتحرشون بالأطفال بعد أن سلم موقع أوميغل عناوين أجهزتهم الإلكترونية المتصلة بالإنترنت إلى الشرطة.

في غضون ذلك، أجرى بروكس تغييرا بسيطا على موقعه. وبعد أسابيع من إخطاره بالإجراءات القانونية التي اتخذتها أليس، ظهر على موقع أوميغل مربع يجب على المستخدمين وضع علامة عليه، للإقرار بأن سنهم أكبر من 18 عاما، قبل أن يتمكنوا من الدخول.

لكن الفريق القانوني الذي يمثل أليس يقول إن هذا التغيير "غير كاف".

وتقول أليس إن ما ترغب به هو أن يغلق موقع أوميغل، وتضيف "لا أعتقد أن له فوائد كافية لكي يكون ثمنها تدمير حياة الأطفال".