خالد داغر رئيس الأوبرا: مهرجانات فى معظم المحافظات مثل «أبيدوس» و«الرومانى» و«دندرة» (حوار)

 

الدكتور خالد داغر، رئيس دار الأوبرا المصرية، ليس فقط فنانًا كبيرًا، بل هو غصن فى شجرة فنية وموسيقية عريقة، أسهمت فى نشر الجمال والإبداع داخل مصر والعالم، فوالده هو ساحر الكمان الراحل عبده داغر، وجده هو عبقرى صناعة الآلات الموسيقية وتعليم العزف عليها.

تولى الدكتور خالد داغر رئاسة دار الأوبرا مؤخرًا، تلك المهمة التى يعتبرها مصدر فخر وسعادة له، فقد كان يعتبر تولى هذا المنصب أحد طموحاته التى يحلم بتحقيقها فى مسار حياته الفنية، من أجل تحقيق مزيد من التطوير والتجديد فى أداء الدار، وتفعيل مساهمتها فى بناء الوعى الموسيقى والمحافظة على التراث المصرى.

وللدكتور خالد داغر رؤية واستراتيجية لتحقيق هذا التطوير، يشرح تفاصيلها بالكامل خلال حواره التالى مع «الدستور»، الذى يسترجع فيه، أيضًا، جوانب من ذكريات نشأته وإبحاره فى عالم الموسيقى.

 

■ بداية.. كيف استقبلت خبر توليك رئاسة دار الأوبرا المصرية؟

- استقبلت الخبر بكل الفخر والسعادة والامتنان، وشعرت بأننى أسير فى الطريق الصحيح، فقد كانت المهمة أحد طموحاتى التى رسمتها لنفسى.

وفى نفس الوقت هى مسئولية كبيرة ملقاة على عاتقى، خاصة أن دار الأوبرا صرح كبير وأحد المنابر الثقافية والفنية التى تسهم فى الارتقاء بالذوق العام، والحفاظ على التراث والأصالة وإفراز وتنمية أصحاب المواهب والفنون الجادة، لذلك هى أهم منصات الإبداع فى الشرق الأوسط، وهذا مصدر سعادتى وفخرى، وأشكر كل رؤساء الأوبرا السابقين لحفاظهم وبجدارة على التراث المصرى.

■ ما أبرز التحديات التى تواجه الدار حاليًا؟

- دائمًا تتمثل التحديات فى ملف التطوير ومواكبة العصر والتكنولوجيا، مع الالتزام بالحفاظ على التراث، وقد تم عقد اجتماع مع وزيرة الثقافة، الدكتورة نيفين الكيلانى، التى أشكرها على الدعم الدائم وثقتها فى قدرتى على أداء هذه المهمة وتحمل المسئولية الكبيرة والمشرّفة فى نفس الوقت، وناقش الاجتماع حل أى أزمات تواجه أعضاء الفرق الموسيقية، وتم وضع خطة واستراتيجية للعمل بالدار وللتطوير بما يتوافق مع التوجهات الفنية العالمية والمدخلات والتقنيات الحديثة التى يشهدها العالم كله.

ولكن إذا تحدثنا عن التحديات الملموسة، فدائمًا ما نواجه أزمة فى زيادة أسعار المعدات والخدمات الخاصة ونحاول مواجهتها من خلال زيادة الموارد، ولدار الأوبرا دور كبير فى ترسيخ مبادئ مصر الجديدة، وما يحدث الآن فى مصر هو تطور رائع، لذا الأوبرا تسير فى خط متوازٍ مع هذا التطوير الذى نحن جزء منه.

■ إلى أى مدى تسهم الدار فى النهوض بوعى المواطن؟

- الفن والثقافة دائمًا يرتقيان بالسلوك، لذا نبذل قصارى جهدنا ونحاول تحقيق التنوع فى الفعاليات والعروض والندوات حتى نخاطب العقول الشابة الجديدة، والاقتراب من طريقة التفكير لديها.

ودار الأوبرا حائط صد منيع ضد الأفكار المغلوطة والفن الهابط والمبتذل، ومن خلال الفنون الجادة ندافع عن الفن الجيد والتراث العظيم، وأكبر دليل على هذا خروج فنون الأوبرا للشارع، وإقامة مهرجانات أوبرالية فى معظم المحافظات، مثل عروض «أبيدوس» و«الرومانى» و«دندرة» وغيرها، ونحن نجوب بفنوننا كل المحافظات لنصدر الفن الهادف والموسيقى العربية، ونحاول أن نكتشف ماذا يريد الشباب فى الأقاليم، ونسعى لتقديمه، لأن الفن دائمًا يرتقى بالإنسان ثقافيًا وسلوكيًا.

■ لكل مسئول منهج فى الإدارة.. ألا ترى أن من عوامل نجاح الأوبرا فى السنوات الأخيرة عدم التغيير المستمر فى إدارتها؟

- هذه نقطة وتساؤل فى غاية الأهمية بالنسبة لى، ولى تحفظ شديد على هذا النمط من الفكر الإدارى، ومن أول القرارات التى اتخذتها حين توليت رئاسة الأوبرا التغيير المستمر لمديرى الفعاليات والمهرجانات، البعض يرى أن التغيير المستمر فى إدارة القطاعات أو المهرجانات يصيب العمل بالخلل، لكننى أرى أن التغيير المستمر يجدد النشاط والأهداف، والتطوير يساعد على تقديم وتنفيذ أفكار جديدة وحماسية.

ودعينى أصحح وجهة النظر تلك، فنجاح الأوبرا فى المجمل يعود لعدة مقومات؛ أهمها الرؤية، فمن يدير الأوبرا وفعالياتها عليه أن يجمع بين حكمة الإدارة والخبرة الفنية والرؤية الثقافية.

■ إذن يمكنك أن تكشف لنا عن اسم المدير الجديد لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية هذا العام خلفًا للفنانة جيهان مرسى؟

- لا أحد ينكر مجهودات ونجاحات الفنانة جيهان مرسى، والملموسة فى إدارتها مهرجان الموسيقى العربية، الذى يعد إحدى أيقونات المحافل الفنية المصرية التى تحظى باهتمام خاص من وزارة الثقافة، وفنانى مصر والوطن العربى بأكمله، ومن موقعى هذا أؤكد أنه حتى الآن لم يتم اختيار مدير للمهرجان، لكن بالتأكيد سيكون فنانًا كبيرًا وعلى دراية كاملة بحجم وثقل المهرجان، ولديه خبرة وأفكار جديدة للتواصل بين الأجيال المختلفة، ولكتابة تاريخ جديد لهذا الحدث العظيم الذى نحاول تطويره وإظهاره من عام لآخر بالشكل الذى يليق بمصر، والتركيز بشكل أكبر على محاور مؤتمر الموسيقى العربية، الذى نشأ على إثره المهرجان.

■ هل يؤثر موقعك كرئيس لدار الأوبرا على الفنان بداخلك؟

- على الرغم من أن العمل الإدارى صعب ويحتاج إلى جهد كبير وخارق، فإننى دائمًا أهتم بتنظيم الوقت، وهذا عامل أساسى للنجاح والتميز، وفى أثناء ولايتى لرئاسة البيت الفنى للموسيقى والأوبرا والباليه، وتدريسى آلة «التشيلّو» بقسم الوتريات بالمعهد العالى للكونسرفتوار بأكاديمية الفنون، لم أتوقف عن صناعة الموسيقى التصويرية، وأنا مؤمن بأن الفن يجدد الحماس والنشاط الداخلى، ويساعد الإنسان على ترتيب وتجديد أفكاره، ودائمًا أسعى لتقديم كل مهامى ومسئولياتى على أكمل وجه، وأتمنى التوفيق من الله.

■ والدك هو الفنان الكبير وساحر الكمان عبده داغر.. ماذا تعلمت منه وما نصائحه لك؟

- تعلمت منه الحب والمثابرة والمصداقية والتفانى والإخلاص فى العمل، فوالدى أفنى عمره كله فى حب الموسيقى، وقد كان لديه منهج موسيقى مهم للعازفين، وتم تدريسه فى العديد من الرسائل العلمية، وهو ما جعله مادة فنية ثرية مصرية وصلت للعالمية بقوة ويقين، خاصة أنه اهتم بعنصر التأليف الموسيقى المعتمد على الآلات لا على الصوت الغنائى، وكان يرى أن الموسيقى المصرية تسيطر عليها الأغنيات فقط، فأخذ على عاتقه إيصال الفكر الكلاسيكى الموسيقى الشرقى إلى العالم، وجدد فى بناء القوالب وقدم موسيقاه الخاصة بالآلات فقط، وهو ما جعل بعض الجامعات تهديه الدكتوراه الفخرية، كما دعته بعضها لتقديم العديد من الورش الموسيقية لتدريس أسلوبه بها، أمثال جامعتى كامبريدج وزيورخ.

وكان ينصحنى منذ طفولتى بالتركيز فى قالب واحد، ولا يمكن أن أنسى موقفه معى عندما كنت طفلًا وكنت عاشقًا لكرة القدم، وكنت بالفعل لاعبًا فى نادى المقاولون العرب، بجانب عشقى للموسيقى، حيث نصحنى بالتركيز فى مجال واحد كى أستطيع إخراج كل مهاراتى وتوظيف حماسى خلاله، وفضّلت عالم الموسيقى.

■ لو حدثتنا أكثر عن طفولتك ونشأتك فى بيت والدك الذى كان ملتقى لكبار عباقرة الموسيقى ماذا تقول؟

- نشأت على موسيقى «آل داغر»، ولدت فى القاهرة بحى «حدائق القبة» فى أسرة جميلة، الأب فنان عالمى، والأم امرأة عظيمة أسهمت فى تنمية موهبتى وأحسنت تربيتى، نحن ٥ أبناء وترتيبى الرابع بينهم، وكبرنا فى منزل يتردد عليه عظماء الفن والموسيقى، فقد كان العبقرى الموسيقار عمار الشريعى دائم الحضور إلى منزلنا، وكذلك كبار المقرئين والمنشدين، مثل الشيخ محمد عمران، الذى كنت أستمتع بأدائه كثيرًا خلال زياراته لنا، كانت هذه الزيارات من أسعد الأوقات بالنسبة لى؛ لأنه رجل علامة وعبقرى، وصوت عظيم تأثرت به كثيرًا، وكذلك الأستاذ سامى البابلى عازف الترومبيت، إضافة إلى كبار الموسيقيين من فرقة أم كلثوم، وغيرهم الكثير.

فى منزلنا تربى الفنان الكبير على الحجار، وكذلك الفنان محمد الحلو، وكان الفنان عبدالله الرويشد دائم التردد على منزلنا أيضًا، وكلهم نماذج موسيقية عريقة ومضيئة فى سماء الفن.

وما لا يعلمه الكثيرون أننى تأثرت أيضًا بجدى «داغر»، فكان لديه محل متخصص فى صناعة العود بمدينة طنطا، وأتذكر جيدًا عندما كنت أذهب إليه مع والدى، كان محلًا مبنيًا من دور واحد على قطعة أرض، الجزء الأول منه معرض للآلات الموسيقية، ومن الداخل يحتوى على غرف لتعليم الموسيقى، وكان يسكن فى الجهة المقابلة من المحل العبقرى محمد فوزى، والعظيمة هدى سلطان، كل هذا جعلنى أهتم وأبحر فى عالم الموسيقى.

ومن هنا عشقت الموسيقى، وبدأت العزف وأنا فى التاسعة من عمرى على آلة «الكورنو»، إحدى آلات الأوركسترا «النفخ النحاسى»، ثم التحقت بالمعهد العالى للكونسرفتوار بأكاديمية الفنون، واندمجت فى الموسيقى الكلاسيكية وأنا فى الحادية عشرة من عمرى، عبر العزف على آلة «التشيلّو»، إلى أن تخرجت وحصلت على البكالوريوس عام ١٩٩٢، ثم الماجستير فى الفنون عام ٢٠٠٣، والدكتوراه عام ٢٠٠٧، فى نفس آلة «التشيلّو»، ثم شاركت بالعزف مع أوركسترا القاهرة السيمفونى ومع العديد من فرق الأوركسترا العالمية، ثم توليت منصب رئيس البيت الفنى للموسيقى والأوبرا والباليه، إلى جانب الإشراف على الإدارة المركزية للموسيقى الشرقية بالأوبرا.

■ لماذا اخترت «التشيلّو» تحديدًا؟             

- عادة عندما نتقدم للقبول فى معهد الكونسرفتوار نلتقى هناك خبراء وأساتذة موسيقى يختارون الآلات للمتقدمين بناءً على وجهة نظر ودراسات علمية تتعلق بالمتقدم وموهبته وشكل أصابع يده، وأنا كان لدى شغف كبير للعزف على الآلات الوترية، إلى أن شاهدنى الفنان أشرف شرارة، عازف التشيلّو، وعلم أننى نجل عبده داغر، وشجعنى على هذه الخطوة كثيرًا، واعتبرت الأمر كأنه توجيه ربانى، لأنها أكثر آلة معبرة عن المشاعر وتقع فى منطقة وسطية فى «الرينچ» الموسيقى.

وهذا المزج بين التربية والدراسة جعلنى أكتسب خبرة كبيرة فى صنع موسيقاى الخاصة، وأحرص دائمًا على أن تجمع أعمالى فى الموسيقى التصويرية ما بين الهارمونى والكلاسيكى فى الألحان المصرية الشرقية، خاصة أن الموسيقى التصويرية لها طابع خاص، وأعتبر أن كل مؤلفاتى جزء من تكوينى.

■ ما الذى تتمناه لحياتك وللموسيقى ولمصر؟

- أتمنى أن نعمل جميعًا من أجل مصر، وأن نقدم جميعًا كل ما فى وسعنا للحفاظ على الريادة والتميز، وأن يكون الدافع الوطنى هو المحرك الرئيسى فى كل شىء، وأتمنى دائمًا أن تكون دار الأوبرا متربعة على عرش الريادة الفنية، وأن تكون ملهمة للمجتمعات وتسهم فى تطوير الثقافات والحفاظ على التراث، وأن تتوافر لنا الإمكانات التى تجعلنا قادرين على تطوير عملنا دون عوائق أو عقبات.

تاريخ الخبر: 2023-02-17 21:21:39
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:14
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:18
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية