إسطنبول خائفة من «زلزال رهيب»


لم يقتصر هلع كارثة الزلزال في تركيا على المناطق التي ضربها يوم 6 فبراير (شباط) الحالي؛ إذ أصاب الهلع أيضاً إسطنبول، كبرى مدن البلاد، التي يقطنها أكثر من 16 مليون شخص، خصوصاً في ظل توقعات وتحذيرات تكررت على مدى 10 سنوات مضت تشير إلى أنها على موعد قريب مع زلزال رهيب ستتراوح شدته بين 7.2 و7.5 درجة على «مقياس ريختر».

بعد وقوع زلزالَي كهرمان ماراش اللذين ضربا 10 ولايات في جنوب وشرق وجنوب شرقي البلاد في 6 فبراير (شباط)، دبَّ الرعب في إسطنبول، وبدأ الحديث عن الزلزال المقبل، وتحرك الناس للاستعداد لاستقباله. فبدأت الأسر شراء الاحتياجات الضرورية في حالة وقوع زلزال؛ من البطاطين الحرارية والخيام الصغيرة والمصابيح التي تعمل بالبطاريات.

وبدأ كثير من ملاك العقارات التفكير في إجراء اختبارات لقوة تحمّل المباني للزلزال، والبعض يفكر في الخروج تماماً من المدينة أو البحث عن منزل مستقل من طابق واحد، مثل عائشة التي تسكن في حي أفجلار بإسطنبول الذي دُمّر بالكامل الشريط الساحلي منه، في مناطق، مثل دنيز كزشلاري وأنبارلي، خلال زلزال مرمرة عام 1999.

إيرام التي تسكن مع والدها في بناية واحدة، لكنها تقيم بالطابق العلوي، هاتفته بعد منتصف الليل قبل يومين لتسأله إذا كان شعر بالزلزال، وقالت له إنها شعرت بهزة قوية وهي نائمة فاستيقظت، لكن الأب أبلغها بأنه لم تقع أي هزات، وهدّأها، وطلب منها أن تعود للنوم.

ومع تصاعد المخاوف، وللأخذ بالاحتياطات، أطلق رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، حملة جديدة لهدم المباني القديمة التي يعود تاريخ إنشائها لعام 1999 أو ما قبله، وإعادة إنشائها وإرساء القواعد التي تمكنها من مواجهة أي زلزال محتمل.

وبات بإمكان المواطنين في إسطنبول التقدم بطلب لفحص المبنى أو تجديده بعد الاتفاق مع جميع سكانه، عبر رابط مخصَّص لذلك.


مدينة إسطنبول تعيش حالة رعب نتيجة تقارير خبراء يرجحون تعرضها لزلزال مدمر (رويترز)

وفي الوقت ذاته، تحدث خبراء محذرين من أن الزلزال المتوقَّع حدوثه في إسطنبول ستفوق خسائره تلك التي تم تسجيلها في زلزال كهرمان ماراش، وستكون له عواقب اقتصادية واجتماعية كارثية.

وأشارت تقارير إلى أنه يوجد في إسطنبول مليون و46 ألف مبنى و4.5 مليون شقة، كل منها يضم 3.3 شخص في المتوسط، ومع وقوع زلزال بقوة 7.5 درجة أو أكثر، سيُصاب 13 ألفاً و492 مبنى بأضرار جسيمة، و39 ألفاً و325 مبنى بأضرار شديدة، و136 ألفاً و746 مبنى بأضرار متوسطة، و300 ألف و369 مبنى بأضرار طفيفة.

وأضافت أن عدد الشقق المتوقَّع تعرضها لأضرار جسيمة وشديدة سيصل إلى أكثر من 211 ألف شقة، بمتوسط 1.3 شخص في كل منها.

ويوجد في إسطنبول 255 ألف مبنى يعود تاريخ إنشائها إلى ما قبل عام 1980، و538 ألف مبنى إلى الفترة ما بين 1980 و2000، وتم بناء 376 ألف مبنى بعد عام 2000.

وتمت إعادة بناء 70 في المائة من المباني في إسطنبول، عقب زلزال مرمرة الذي وقع في أغسطس (آب) 1999، وخلّف أكثر من 17 ألف قتيل، ألف منهم في إسطنبول، أي قبل عام 2000، و30 في المائة في مباني إسطنبول تم تشييدها بعد عام 2000، ولكن هذا لا يعني أنها آمنة بالكامل أو غير آمنة بالكامل، لأنه خلال زلزال كهرمان ماراش سقطت مجمعات فاخرة تم بناؤها قبل بضع سنوات فقط، وتم الترويج لها على أنها مقاومة للزلازل، مثل مجمع «روينسانس ريزيدنس» في هاتاي، الذي كان يسكنه مئات الأشخاص، وانهار تماماً.

وعلى مدى عقد كامل، حذّر عدد من علماء الزلازل في تركيا من وقوع زلزال مدمر في إسطنبول، لأنها تقع عند تقاطع الصفائح التكتونية الأناضولية والأوراسية على بُعد 15 إلى 20 كيلومتراً جنوب ذلك الجزء من فالق شمال الأناضول، الذي يمر تحت بحر مرمرة، وهذا هو ما يحدد مسبقاً التهديد الزلزالي.

وجاء تحذير في ديسمبر (كانون الأول) 2021 من خبير الزلازل التركي الأستاذ في جامعة إسطنبول التقنية، أوكان تويسوز، أثار فيه الرعب من زلزال يقع على خط صدع أنقرة، واقترب موعده، وسيكون مركزه يالوفا وإسطنبول، وسيهدد 24 ولاية، منها أديامان وأفيون كارا حصار وأنطاليا وأنقرة وباليكسير وبطمان وبولو وبورصة.

تويسوز كرَّر تحذيراته مجدداً بعد كارثة زلزالي كهرمان ماراش، وطالَب بالاستعداد لاستقبال زلزال مدمِّر في المناطق التي أشار إليها من قبل، والبدء في اتخاذ التدابير على الفور فيها.

خبير زلازل آخر، هو دوغان كال أوت، قال: «إننا نتابع زلزال إسطنبول. هناك فجوتان زلزاليتان في مرمرة، لا نعرف أي فجوة زلزالية ستنكسر. لكن جميع المحافظات والمناطق السبع في مرمرة ستتأثر بهذه الزلازل... يجب أن يكون مواطنونا الذين يعيشون في منطقة مرمرة قادرين على أن يصبحوا مجتمعاً يتمتع بدرجة عالية من الوعي بالزلازل».

من جانبه، قال رئيس قسم الهندسة المعمارية في جامعة أيدين بإسطنبول، زكي غوندوز، إن كهرمان ماراش وإسطنبول تقعان على صدعَين مختلفين، وهو ما يجعل تأجيج الهزة الأرضية لزلزال إسطنبول المرتقَب أمراً غير ممكن. ولفت إلى أن تركيا تضم صدعين، هما شمال وشرق الأناضول، وأن الهزة الأرضية الأخيرة وقعت على صدع شرق الأناضول، الذي يشهد هزات أرضية في فترات محددة.

وتابع: «هناك فالق بطول 180 كيلومتراً على هذا الصدع؛ ما أسفر عن تفريغ للطاقة المحبوسة. وسيحدث تراكم للطاقة بطرفي الصدع خلال الفترات المقبلة».

ورأى العضو المؤسس لأكاديمية العلوم، عالم الجيولوجيا ناجي غورور، متحدثاً لـ«الشرق الأوسط»، أن الوقت ينفد لزلزال إسطنبول المحتمل، الذي يُتوقع أن يكون بقوة 7.2 درجة كحد أدنى و7.6 درجة كحد أقصى، والذي «ستتأثر به الأجزاء الساحلية من الشطر الأوروبي من المدينة أكثر من غيره».

وأضاف أن نتيجة بحث أجرته بلدية إسطنبول توصلت إلى أن الزلزال المحتمل سيؤدي إلى تدمير 50 ألف مبنى، محذراً من حدوث الزلزال على الفور، لأنه علمياً احتمال وقوع زلزال في مرمرة «متوقَّع في أي وقت»، وسيحدث خلال 30 عاماً، بدءاً من عام 1999، وذلك بعد كسر خط الصدع، وهو جزء من شمال الأناضول أسفل مرمرة.

وأوضح أنه يتوقع حدوث أضرار جسيمة في حال وقوع الزلزال نظراً إلى طبيعة الأرض في الشطر الأوروبي من الخليج (القرن الذهبي).

ومع تصاعد الحديث منذ سنوات عن احتمالات تعرض إسطنبول للزلزال، كثّفت «هيئة الكوارث والطوارئ التركية» (أفاد) من تمارين تأهيل عمال الإغاثة وتوعية السكان، وشارك آلاف من عمال الإغاثة والمتخصصين، في واحد من أكبر تمارين التأهُّب للزلازل في 18 موقعاً مختلفاً بإسطنبول مؤخراً، بما فيها مطار إسطنبول، حيث ستعمل منطقة كاغتهانه بالشطر الأوروبي قاعدة للعمليات.

ونفذت التمارين على أساس الاستجابة لسيناريو يضرب فيه زلزال بقوة 7.5 درجة أو أعلى مدينة إسطنبول، وأُجريت تدريبات على الإخلاء والإقامة والتخطيط، بالتركيز على 39 حياً في المدينة نبهت إليها دراسة بلدية إسطنبول.

ووصفت إدارة الكوارث والطوارئ التمارين بأنها أول عملية إجلاء كبيرة، شاركت فيها، إلى جانبها، أطقم من البلديات والمنظمات غير الحكومية، وتم إدخال سكان كاغتهانه بالتمرين من خلال إعطائهم أدواراً في الإخلاء.

وحددت دراسة بلدية إسطنبول، التي توقعت الخسائر البشرية والمادية في 39 حياً بالمدينة، المناطق التسع الأشد خطراً، وهي بيوك تشكمجه، الفاتح، بكير كوي، زيتين بورنو، أسنلر، بيليك دوزو، أفجلار، توزلا، سيلفري.

أما إذا وقع مركز الزلزال في يالوفا أو بورصة أو بيوك آدا، فستكون الخطورة الأشد على المناطق الأثرية داخل إسطنبول. وكل من التوقعَين لا يشير إلى مركز إسطنبول، بل إلى جنوبها أو شرقها، ما يقلل من احتمالات الإصابات والهدم داخل المدينة.

وتوقعت الدراسة أن يلحق الزلزال الضرر بـ22 في المائة من مباني إسطنبول، في حال بلغت شدته 7.5 درجة، وقد يتسبب بوفاة 200 ألف شخص، وستلحق أضرار بولايات أخرى في غرب وجنوب وشمال غربي البلاد، منها إزمير، وموغلا، وتشناق قلعة، وباليكسير، وكوجا إيلي.

واعتبر الدكتور ناجي غرور أن الوضع في إسطنبول ليس جيداً على الإطلاق، مطالباً بضرورة إنشاء وزارة للكوارث وتحديد ميزانية جيدة لها تمكِّنها من إقامة البنية التحتية والتنسيق اللازمين، مع وضع الخطط الخمسية، وتحويل كل منطقة من مناطق الزلازل إلى مدن مقاومة.

ومنذ زلزال مرمرة عام 1999، جمعت الحكومة نحو 38 مليار دولار من دافعي الضرائب، من خلال ضريبة «تأمين الزلزال» التي تستهدف جعل المدن التركية أكثر مقاومة للزلازل. وتقول المعارضة التركية إن هذه الأموال لم تُستخدم في وجهتها الأساسية أو بشكل صحيح، وإنما استخدمتها حكومات حزب «العدالة والتنمية»، برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان، على مدى 20 عاماً لتغطية نفقات حكومية أخرى.

كما استحوذت الحكومة بموجب «قانون الكوارث»، الذي يعطيها الحق في المصادرة باسم «حماية السكان من الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى»، على أراضٍ ذات قيمة عالية في شمال إسطنبول، بعيداً عن خط الصدع، ولكن بالقرب من مضيق البوسفور، أو مطلَّة على المضيق، استُخدمت في إنشاء مشروعات سكانية فاخرة وذات رفاهية عالية، بينما لم يتم تضمين غالبية المباني المعرضة للخطر في مشاريع التحول الحضري، بحسب المعارضة والخبراء.


تاريخ الخبر: 2023-02-19 09:26:29
المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 87%
الأهمية: 94%

آخر الأخبار حول العالم

طقس الأحد.. زخات رعدية ورياح بهذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-19 12:26:06
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 58%

طقس الأحد.. زخات رعدية ورياح بهذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-19 12:26:11
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

سابقة في السعودية.. تنظيم عرض أزياء لملابس السباحة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-19 12:25:52
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية