وائل لطفى يكتب: نريد جهدًا أكثر فى مجال المسرح

المسرح دخل مصر منذ قرنين ومطلوب أن نرى عروضًا على مستوى يليق بمصر

بادئ ذى بدء فإن «الإحاطة» بشىء هو العلم به.. ومن ثم فإن «طلب الإحاطة» هو طلب لمعلومة معينة حول مجال معين.. وغنى عن البيان أن «طلب الإحاطة» هو أداة برلمانية معروفة يتقدم بها الأعضاء للوقوف حول مدى تقدم الوزارة المعنية فى مجال معين.. أو مدى تنفيذها لخطة معينة.. أو لهدف من الأهداف الاستراتيجية للحكومة فى المجال الذى تختص به الوزارة المعنية إلى غير ذلك مما نتعارف جميعًا عليه.. وطلب الإحاطة الذى أريد أن أتقدم به للسيدة وزيرة الثقافة هو حول مدى التقدم فى مجال المسرح المصرى وإتاحته لعامة الشعب وتيسير العروض المسرحية لأهالينا فى القرى والنجوع ومحافظات مصر المختلفة، سواء عبر المشاركة فى مبادرة حياة كريمة وأنشطتها المختلفة.. أو عبر نشاط هيئة قصور الثقافة الممتدة فى محافظات مصر.. أو عبر عروض البيت الفنى للمسرح.. التى يفترض بها أن تخرج من القاهرة لتتجول فى مسارح المحافظات المختلفة لتحقيق مبدأ العدالة الثقافية وإتاحة الفن كمصدر متعة ووعى لأهالينا فى أنحاء مصر المختلفة.. ولا يخفى على أحد أن إتاحة المتعة الروحية والوجدانية للناس ترتقى بأرواحهم وتحقق لهم قدرًا كبيرًا من السعادة.. تختلف فى نوعها عن نوع السعادة التى يسببها الاستهلاك وسعار الشراء والنهم للاقتناء.. إلى غير ذلك من أنماط الاستهلاك المادى التى تربى الناس على أنها المصدر الوحيد للسعادة.. فأدمنوها.. وربطوا حياتهم بها.. وباتوا يشعرون بالإحباط والهزيمة والخلل إذا لم يستطيعوا مجاراة سعار الاستهلاك وسباق أسعار البضائع والمنتجات وتدخين الدخان الفاخر فى المقاهى المكيفة.. إلى غير ذلك من أنماط حياة تم استيرادها من بلاد لم تعرف العلم واعتادت العيش على ما تجود به الطبيعة.. وهو أمر مختلف عن حياة المصريين الذين عرفوا الفن منذ آلاف السنين وجسدوه على جدران المعابد القديمة.. وتقربوا للسماء بالغناء والإنشاد.. وبالتالى فإن نشر الثقافة عمومًا والمسرح خصوصًا فى الأقاليم هو عودة بالشىء إلى أصله واستعادة لعلاقة المصرى القديم بالفن الذى هو واحد من أرقى طرق تواصل الإنسان مع العالم.. ومع الطبيعة.. ولا يخفى علينا جميعًا أيضًا أن الفن الملتزم هو أفضل طريقة للرد على أفكار التطرف التى أرادت الاستحواذ على عقول المصريين طوال العقود الخمسة الماضية وفق مخطط مرسوم نجح للأسف فى تحقيق أهدافه جزئيًا لسنوات طويلة لولا أن تصدى له الشعب والجيش فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ووقف المصريون وقفة رجل واحد ليعيدوا الأمور إلى نصابها.. إننى مقدر بكل تأكيد أن الواقع ملىء بالتحديات التى تواجه المسئول الحكومى هنا وهناك.. وقد تؤخره فى تحقيق بعض أهدافه.. لكننى أدرك أيضًا أن الوزارة عليها واجب مقدس فى الحفاظ على ريادة مصر فى مجال المسرح الذى دخل مصر مع الحملة الفرنسية منذ ما يزيد على قرنين وربع تقريبًا.. ثم عادت أول فرقة لتعمل بشكل منظم فى ١٨٦٩.. وهى فرقة المسرح القومى.. ثم وفد على مصر فنانو المسرح من الشوام من آل نقاش وآل قبانى وآل سليم.. فاحتضنتهم مصر.. وأتاحت لهم المجال.. حتى إن الحكومة المصرية أرسلت الفنان العظيم جورج أبيض فى بعثة على نفقتها لدراسة المسرح فى أوروبا.. ثم ظهر الفنانون المصريون ممن ولدوا على أرض مصر عزيز عيد ونجيب الريحانى ويوسف وهبى... إلخ.. والمعنى أننا كنا هنا قبل الزمان بزمان.. وكان لدينا مسرح قبل أن تعرف دول كثيرة فى العالم ما هو المسرح بعقود طويلة.. وأن لدينا تراثًا عظيمًا من مؤلفات كبار الكتاب من توفيق الحكيم لنعمان عاشور ليوسف إدريس لمحمود دياب لميخائيل رومان لنجيب سرور، فضلًا عن عشرات المواهب من الشباب المصرى الواعد فى مختلف مجالات الإبداع المسرحى.. وقد مدت الدولة يدها لتشجيع الفن المسرحى بقدر ما هو ممكن.. وتمت زيادة ميزانية هيئة قصور الثقافة.. وصدرت من الوزارة ردود فعل طيبة حول مبادرات قامت بها الدستور أو تقدم بها مسرحيون عبر صفحات الدستور.. حيث تحدثنا جميعًا عن «مسرح الجرن» الذى أسسه المخرج الكبير أحمد إسماعيل كمسرح يعرض فى القرى ويتخذ مادته المسرحية من حياة الفلاحين ومشاكلهم اليومية.. وتحدثنا أيضًا عن عودة «مسرح الشارع» وهو شكل مسرحى يعرض فيه الفنانون عروضهم فى الشارع للناس العاديين وقد كان موجودًا فى مصر بالفعل، وتخرجت منه مواهب عظيمة مثل الفنانة «عبلة كامل» والمخرج الكبير «أحمد كمال».. وتحدثنا عن ضرورة عودة «القوافل الثقافية» التى تجوب قرى مصر ونجوعها المختلفة لتنشر الوعى وتكسر احتكار العاصمة للثقافة ويتحدث فيها الفنانون والكتاب للشباب دون وسيط أو حاجز.. وقد أبدت السيدة الوزيرة حماسًا كبيرًا لهذا الاقتراح.. لكنه لم ينفذ لسبب أو لآخر.. وفضلًا عن هذا فإننا فى حاجة لأن يقدم مسرحنا القومى مسرحيات كبيرة تخطف الأضواء ويلعب بطولتها نجوم موهوبون ويخرجها مخرجون على مستوى عالٍ.. ونعيد من خلالها مجد المسرح المصرى.. لأن ما يحدث حاليًا أن بعض الجهات الخاصة تقدم اسكتشات غنائية يتم الترويج لها على أنها درر مسرحية.. فى حين أنها لا تنتمى لفن المسرح من قريب أو من بعيد.. وإن كانت تعتمد على الإبهار والإنفاق الكبير وحملات العلاقات العامة.. وهذا من طرق الترويج المشروعة لمن يقدمون هذه الأعمال.. لقد فوجئت بأن الأخبار المتداولة عن المسرحية المعروضة على أكبر مسارحنا القومية كلها أخبار تتعلق بالخلافات بين بطلة العمل وبين غيرها من الممثلين.. ولا بأس فى هذا.. لكننى لم أقرأ مع هذه الأخبار مقالًا نقديًا يشيد بالمسرحية.. أو يقول إنها أعادت أمجاد المسرح المصرى.. أو إنها تليق بالعرض على أكبر مسارحنا القومية.. والحقيقة أن آخر ما نريده حاليًا.. هو أن نقدم عروضًا لمجرد ملء الفراغ.. أو لمجرد سد الخانات الفارغة.. بل نحتاج عروضًا تؤكد ريادة مسارحنا العامة وتستغل عشرات الموهوبين الذين تذخر بهم الساحة المسرحية فى مصر.. ولا أملك حلًا عمليًا سوى أن أطالب بامتداد البروتوكول الموقع بين الشركة المتحدة وبين وزارة الثقافة لمجال الإنتاج المسرحى.. حتى لو كانت الثمرة العاجلة هى أن يكون لدينا عرض أو عرضان سنويًا يليقان باسم المسرح المصرى ويتم عرضهما على الشاشات بعد عدد معين من العروض على الخشبة.. والخلاصة أننى ألتمس العذر لكل مسئول وأفهم صعوبات الواقع.. لكننى أفهم أيضًا أن علينا القتال لتغيير الواقع ورفع اسم مصر عاليًا مهما كانت الصعوبات والعراقيل.

تاريخ الخبر: 2023-02-19 21:22:17
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية