الذكرى السابعة وستين لمذبحة عنبر جودة «16-23 فبراير 1956»: من الشعر إلى النثر


عبد الله علي إبراهيم

تمر في هذه الأيام الذكري السابعة والستين لمقتلة عنبر جودة خلال أقل من شهرين من رفع علم استقلال البلاد. وأرجو أن نمتنع عن استعادة قصيدة صلاح أحمد إبراهيم “لو كانوا حزمة جرجير” هوناً لنطلع على نثر الكارثة. فبدا لي في استعادة قصيدة صلاح دون غيرها من أدب المذبحة كأننا مصداق لمثل قائل إن كل شيء ينتهي إلى قصيدة. وكفى. فلم أر منا من وثق للمذبحة أخذاً من كتاب تيسير محمد أحمد عنها المعرب عن رسالة الدكتورة في الإنجليزية. ولا عن مقال له أو آخر عنها في الإنجليزية. كما لا أرى من أخذ عن الأكاديمية الأمريكية ستفني بزوك الأمريكية التي كان والدها مديراً لمشروع جودة في ذلك التاريخ برغم قبح عنوان مقالها: ثقب كوستي الأسود: مقاتل معتقلي البقارة على يد البوليس الشايقي في اشلاق كوستي.

ولم نطَل في علمنا العام بالمذبحة، من الجهة الأخرى، توثيق الدكتور طبيب حاتم العجب الذي نقل رأي الطب عن بروفسير محمد يوسف سكر عن اختناق مزارعي جودة في العنبر المعلوم. ولم نلتفت لتوثيق العجب بالفيديو لذكريات بعض الناجين من العنبر أو شهود أيامه. ناهيك عما كتبه الأستاذ شلقامي.

ومتى جاءت سيرة عنبر جودة كان صلاح وحزمة الجرجير. والحزمة عاطفة حرى ولكنها لا تستنفد أبعاد هذه الواقعة الكأداء. وقد يكون فشلنا في الإحاطة بالمذابح شعراً ونثراً وصورة من وراء أنها لا تبرحنا.

وأعيد هنا في المناسبة نشر كلمة لنجلاء سيد أحمد الشيخ (سودانيزأونلاين 2009) عن المرحوم والدها رئيس اتحاد العمال فرع كوستي الذي كان شاهد عيان في قلب الحدث.

جاءت رواية نجلاء سيد أحمد الشيخ عن والدها أبو السيد رحمه الله، رئيس الاتحاد الفرعي لاتحاد نقابات عمال السودان بكوستي، بجوانب لا يتطرق لها الشعر ولا الوصف بالغ التراجيدية لاختناق المزارعين في عنبر كوستي.

فما جاء به أبو السيد من جديد هو عن مبادرة طليعة العمال تنظيم المزارعين في النيل الأبيض لرفع ظلم أصحاب المشاريع عنهم. وكان الحزب الشيوعي، بلا حياء، من وراء ذلك التنظيم للمزارعين بمبادرة اتحاد العمال. فما نفع حزب خرج لقيادة الطبقة العاملة وكل الكادحين إن لم ينظم الجماهير التي خرج يجيشها للثورة وتغيير ما بهم: من الجماهير إلى الجماهير حيث الجماهير نتعلم من الجماهير ونعلم الجماهير.

ومن مأساة جودة خرج هتاف “لا حكومة بلا عمال لا حكومة بلا مزارعين” في مواكب الاحتجاج عليها.
وبعد ثمان سنوات في 1964 تشكل مجلس وزراء ثورة أكتوبر لأول مرة من طائفة تمثل فيها العمال والمزارعين لأول مرة ولآخر مرة في تاريخنا إلى يومنا. ولكل أول آخر.

تم تكوين مدرسة (شعبية ليُدَرس فيها) خريجو المدارس الوسطي من منتسبي الحزب (الشيوعي) وكان الحضور على الاعضاء الزامي. وتتم المساءلة للعضو الذي لا يواظب على حضورها. وكان مشرف عليها الاستاذ عبد الرحمن الوسيلة سكرتير الجبهة المعادية للاستعمار في كوستي. ولقد قدمت خدمات جليلة من التعليم في مواد التاريخ، الجغرافيا، الانجليزي ، الاقتصاد السياسي ومادة العربي. وكان يأتي اليها المعلمون من الخرطوم امثال استاذ يحي حسين واستاذ الطيب عبد الله واخرون لذا لزم توضيح نسبة الاهتمام بوعي الاعضاء من العمال والمزارعين.

وكان هذا هو الجو الذي تطورت فيه احداث جودة مما الت اليه مجزرة عنبر جودة. فمن سياسات الاستعمار تمليك بعض البيوتات من زعماء العشائر الطائفية الأراضي الزراعية في معظم انحاء السودان، لذا تحول جزء كبير من هؤلاء الزعماء الي اقطاعيين وملاك للأراضي،
وتمت إدارة هذه المشاريع من الرأسمالية عن طريق السخرة. ويتم استغلال العمال عن طريق الولاءات الطائفية. لذا كانت الهجمة شرسة ضد تكوين اتحادات المزارعين والعمال ومن سياسات الاستعمار تمليك بعض البيوتات ومن زعماء العشائر الطائفية تمليكهم للأراضي الزراعية في معظم انحاء السودان، لذا تحول جزء كبير من هؤلاء الزعماء الي اقطاعيين وملاك للأراضي، وتمت إدارة هذه المشاريع من الرأسمالية عن طريق السخرة ويتم استغلال العمال عن طريق الولاءات الطائفية لذا كانت الهجمة شرسة ضد تكوين اتحادات المزارعين والعمال.

برزت الحاجة لتكوين اتحاد لمزارعي النيل الابيض وطلع الاقتراح من اتحاد عمال كوستي وكنت رئيس العمال آنذاك. وبعد الاتصال مع المزارعين في مدينة جودة تم تقديم طلب لتكوين الاتحاد. وكان شخصي مندوب من اتحاد العمال وكنت رئيساً للجنة. وكان العضو عن الحكومة سيد معتصم الشهير بزلط. ومثل المجلس البلدي جعفر عثمان موسي. تم الاتفاق على تاريخ للانتخابات بين السلطات واتحاد العمال. في اليوم المحدد للانتخاب كانت المفاجأة والمفاجأة الكبري عند وصولنا لمكان انعقاد الانتخاب وهي تحرك كثيف من الاقطاع وارهابهم للمزارعين للحيلولة بينهم وبين الوصول للموقع.
وكان شعوري في تلك اللحظة بوجود مكيدة. لذا اتصلت بالزملاء العاملين في مشروع جودة. وتم تطميني من اللجنة المشرفة من العمال والمزارعين هناك بأن الأمور على ما يرام. وفعلاً بدأ تجمع المزارعين ليصوتوا. ودخل موكبهم وعددهم فيه كان 230 مزارع. دخلوا بشكل منظم ورائع. وجلسوا على البروش. وتم الاتفاق مع اللجنة المنظمة للانتخابات على شكل التصويت. ولان الامية كانت سائدة جاء الاتفاق بوقوف المنتخب وعد الأصوات. وكانت المفاجأة كبيرة ومذهلة عندما تم ذكر اسماء اثنين من المرشحين اسماعيل عساكر الاول وآخر يدعي عبد الله ادم. بعد فرز الاصوات نال عساكر 222 صوت مع العلم ان عساكر كان مع المزارعين وعبد الله ادم من المجلس (اقطاعي). ونال عبد الله 8 اصوات فقط وكانت السكرتارية لمحمد ابراهيم – كاتب عرضحالات بمدينة كوستي – والذي بترت ساقه لاحقاً في حوادث جودة. ونال نفس نسبة عساكر 222 صوت وكذلك اللجنة المالية ولا اتذكر اسماء الاعضاء الاخرين. واستشهد عساكر اختناقاً في العنبر كما سنرى.

تاريخ الخبر: 2023-02-20 12:26:31
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:13
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

أمريكا: أب يجبر طفله على الركض حتى وفاته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:05
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري “تشانغ آه-6” في 3 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:15
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:10
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

وفاة حسنة البشارية أيقونة «الجزائر جوهرة» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:06
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية