الكثير منا حين يستمع إلى مصطلح القوة الناعمة (soft power)، فإن العقل يبادر إلى استرجاع ما له علاقة بتلك الكلمة أو الصورة النمطية التي يستحضرها الذهن عن تلك الكلمة. فأول شيء يتبادر إلى الذهن هو أن القوة الناعمة تعني القدرة على اقناع الطرف الآخر بطريقة عاطفية أو طريقة جذابة بدون العنف كما في ذلك القوى السياسية والبلدان المختلفة التي تتفق مع بعضها على التطور والتقدم دون أن يتعدى أحدهم على الآخر.
إن المكاسب التي تحققت خلال مشاركة منتخبنا الوطني لكرة اليد للرجال «منتخب المحاربين» على مدار عقد من الزمان وصولا إلى حلوله في المركز الـ(16) على سلم الترتيب العام في منافسات مونديال العالم لكرة اليد 2023 الأخيرة، للمرة الأولى ضمن تاريخ مشاركاته الخمس في نهائيات بطولة العالم لكرة اليد، والمستويات القوية التي قدمها أمام المنتخبات الأوروبية تعد إنجازا تاريخيا تتجاوز كرة اليد إلى تفعيل مكامن القوة الناعمة على المسرح الدولي. نعم استطاع «المحاربون» في بناء الصورة الإيجابية للرياضة البحرينية وفي اكتساب القوة الناعمة، التي وضعها جوزيف ناي وطورها سياسيون ومفكرون بعده.
عندما نرى الصيت الكبير الذي يحظى به رجال أحمر اليد الآن ومنذ السنوات العشر الماضية تدرك حجم تأثير القوة الناعمة التي خلقتها هذا المنتخب على الساحة العالمية، مما عزز من مكانة مملكة البحرين الدولية من الناحية الرياضية والثقافية والاقتصادية والاستثمارية وجعلها موطن لرياضة كرة اليد إقليميا وأسيويا. لقد ساهم منتخب أحمر اليد من تعظيم القوة الناعمة للبحرين وإبقاء اسم المملكة حاضرا على ساحة كرة اليد العالمية، وتقوية علاقتها الجيوسياسية والرياضية، والتأثير في دوائر صنع القرار الرياضي العالمي، لتحقيق مصالح البحرين الرياضية والوطنية.
لقد نجح منتخبنا الوطني لكرة اليد في تعظيم القوة الناعمة لمملكة البحرين وإضافة الجاذبية لها، وتثبيت البحرين الصغيرة جغرافيا على خريطة كرة اليد العالمية، وتفكيك الصورة النمطية عن دولنا، وذلك من خلال المستوى الفني الراقي الذي قدمه خلال بطولة مونديال اليد الأخيرة، وردفها بروح المحاربين القتالية والعزيمة والإخلاص التي يتمتع بها لاعبو المنتخب، وقد نجحت كرة اليد البحرينية في إعادة تموضعها على الساحة الرياضية العالمية، كونها أصبحت أسلوبا مهما في التأثير على العقول وكسب العواطف.
لقد ساهم أحمر اليد في ترسيخ وتصدير القوة الناعمة للمملكة للخارج وتحويلها لنموذج جذب عالمي، وتعظيم القوة الرياضية الناعمة عالميا في إبراز صورة وهوية المملكة على الساحة الدولية، وتعزيز الفخر بإنجازات المنتخب الوطني لكرة اليد، بل أصبحت إحدى أدوات القوة الناعمة الفاعلة في المجال الرياضي، وتجلى ذلك من خلال مشاركة منتخب المحاربون في مونديال اليد الاخير في السويد وبولندا حيث حقق المنتخب إنجازا متميزا أبهر العالم من خلال تفوقه على منتخبي بلجيكا وأمريكا.
بالفعل، تعد الرياضة سلاحا ناعما لدى كثير من الدول، فمن خلال الرياضة نجحت الكثير من الدول في تقديم صورة إيجابية عن نفسها، ولعل خير مثال البرازيل التي تحظى بتعاطف كبير جراء شهرتها في لعبة كرة القدم، والأمثلة على ذلك كثيرة. فالرياضة طريق قصير لتقديم الصورة الأمثل للدول، ومن خلال هؤلاء الرياضيين والاستثمار فيهم يمكن أن تنجح هذه الدول في رسم صورة إيجابية عن مجتمعاتها، ونحن سائرون في هذا الطريق بعد أن لمسنا التأثيرات الإيجابية للرياضة بصفة عامة وكرة اليد على وجه الخصوص.
خاتمة الرؤى، إن مشاهدة ما حققه منتخب المحاربين ونجاحه المتجاوز لهدفه الرياضي من مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية حققت للوطن هدفه الأسمى وعكست الصورة الحقيقية عن البحرين وثقافتها وقيمها العالمية، يؤكد أن الرياضة البحرينية غدت اليوم إحدى أهم القوى الناعمة التي تملكها البحرين، وهذه المشاركة في بطولة مونديال كرة اليد الأخيرة، والنتائج التي تحققت خلاله هي إنجاز عالمي آخر يضاف إلى إنجازات مملكة البحرين التي تتوالى تباعا مع ظهور الرؤية الرياضية التي تعهدت برعايتها ومتابعتها قيادتنا السياسية والرياضية.
*نقلاً عن الأيام البحرينية
