روسيا وأوكرانيا: كيف أبرزت الحرب خلافات بين الأجيال في روسيا

  • برنامج آي إنفستيغيشنز
  • بي بي سي - الخدمة العالمية

صدر الصورة، Anastasia Popova

التعليق على الصورة،

أوليانا ووالدها بوريس يتناقشان بشأن الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا

كانت أوليانا تبكي وهي تراقب التابوت الذي يضم جثمان أخيها الوحيد يوارى التراب. إنه جندي روسي شاب قتل خلال المعارك في أوكرانيا.

تقول الممثلة التي يبلغ عمرها 37 عاما وهي تحضر جنازة أخيها فانيا الذي كان عمره 23 عاما، "لقد قالوا إنه مات بطلا، لكنني ساءلت نفسي 'ماذا يعني الموت بطلا؟' إنه عبث. لا أريد أن يكون أخي بطلا ميتا".

لكن والدها بوريس، رغم حزنه الشديد، فخور بأن ابنه فانيا مات وهو يقاتل من أجل بلاده.

ومن وجهة نظر الأب، فهذه الحرب هي معركة ضد "حكومة تروج للفاشية"، وهو رأي يتبنى موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويعكس قوله إنه في هذه الحرب يعمل على "اجتثاث النازية" من أوكرانيا، وإن حكومتها نفذت إبادة جماعية، وهي ادعاءات لا توجد أي أدلة على صحتها.

تقول أوليانا في وصفها علاقتها بأبيها "لم نكن نتناقش بخصوص الحرب قبل أن يحدث هذا لفانيا"، وتضيف "لكن بعد وفاته، أصبحنا نخوض معارك طاحنة في نقاشاتنا حول الموضوع".

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • المثلية الجنسية: الروس ابتزوا دبلوماسيا مثليا لزرعه داخل إدارة المخابرات البحرية الملكية – وثائق مخابراتية بريطانية
  • روسيا وأوكرانيا: بوريس جونسون يقول إن بوتين هدده بضربة صاروخية
  • حرب الطائرات المسيرة: ما هي الشركة التي ترفض بيع مسيراتها لروسيا؟
  • روسيا وأوكرانيا: كيف تتعامل سيدة أوكرانيا الأولى أولينا زيلينسكا مع ما تمر به بلادها؟

قصص مقترحة نهاية

صدر الصورة، Anastasia Popova

التعليق على الصورة،

أوليانا في جنازة أخيها فانيا

هذه الخلافات في وجهات النظر بين الفئات العمرية المختلفة، أصبحت طافية على السطح اليوم لدى العديد من العائلات الروسية، كما يكشف فيلم وثائقي جديد من إنتاج بي بي سي ضمن برنامج Storyville، وتأتي حالة أوليانا ووالدها والتباين في آرائهما من بين النماذج التي يستعرضها الفيلم.

الجنود الروس يمكنهم "تجميد السائل المنوي مجانا"

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تغيير بسيط: ما علاقة سلة مشترياتك بتغير المناخ؟

الحلقات

البودكاست نهاية

كيف أصبح السجناء الروس من مجندي فاغنر "أبطالا"؟

مواطنون روس يفرون إلى حدود جورجيا "هربا من استدعاء الجيش"

من الصعب اليوم الحصول على صورة دقيقة لما يشعر به الشعب الروسي بالضبط حيال الحرب، التي شنتها بلاده على أوكرانيا، نظرا إلى الحظر المفروض على أي تعليقات أو آراء مخالفة، وإمكانية محاسبة أي آراء تعتبر أنها تتضمن تشويها لسمعة الجيش، أو تصف ما يحدث بأنه حرب، وليس "عملية عسكرية خاصة" وفقا للرواية الروسية الرسمية.

لكن دراسة استقصائية نُشرت في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022 من قبل مجموعة بحث روسية مستقلة، تشير إلى أن الحرب أدت إلى انقسام واضح في وجهات النظر بين الأجيال، إذ قال 75 في المئة من المشاركين الذين تبلغ أعمارهم 40 عاما أو أكثر، إنهم يؤيدون الحرب، مقارنة بـ 62 في المئة من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما.

وتقول المخرجة الروسية أناستاسيا بوبوفا إن هذا يتوافق مع تصورها الخاص، الذي كونته خلال تجولها في أنحاء البلاد من أجل تصوير الفيلم الوثائقي المذكور.

وتقول بوبوفا إنها لاحظت الكثير من الانقسامات المختلفة بين العائلات. فقد كان الأبناء في الغالب ضد الحرب، في حين أن الآباء، وهم الجيل الذي نشأ وكبر في ظل الاتحاد السوفيتي، والذين كانوا يشاهدون التلفزيون (الخاضع لسيطرة الحكومة) ليل نهار، يدعمون الحرب. وتضيف أن والدها أيضا يؤيد العملية العسكرية، مشيرة إلى أن الخلافات وجدت طريقها إلى عائلتها أيضا "لدينا نفس الانقسامات داخل عائلتي".

خمسة أسئلة رئيسية لتحليل ما قد يحدث في حرب أوكرانيا هذا العام

ما الرواية التي يقدمها الإعلام الروسي عما يجري في أوكرانيا؟

تأهب بوتين النووي: علامة على غضب الرئيس الروسي أم ضعفه؟

ومن شأن استقاء المعلومات والاطلاع على الأخبار بالاعتماد على التلفزيون الرسمي أن يؤدي إلى تصديق الرواية الرسمية للحكومة الروسية، والتعمق في تبنيها يوما بعد يوم. في المقابل، فمن الأرجح بالنسبة للأشخاص المنتمين إلى فئة أوليانا العمرية، أو إلى الجيل الأصغر منها، أن يلجأوا إلى مصادر أخرى مثل يوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي، للحصول على المعلومات حول ما يجري، والاطلاع على آخر المستجدات.

وتقول أوليانا "آسفة، لا يمكنني التعبير عن حجم الحزن الذي أشعر به في داخلي"، وهي ترى أن الحرب غيرت الناس، وتضيف "أشاهد الناس في قطارات الأنفاق في موسكو، يقرؤون الأخبار، ثم يشيحون بنظراتهم إلى البعيد، لم يعودوا ينظرون في أعين بعضهم."

من جهتها، تؤكد المخرجة بوبوفا أن تأييد الحرب أكبر بقدر واضح في الأجزاء الواقعة خارج المدن الكبرى، وبغض النظر عن الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية.

وتقول إنها رأت ذلك بوضوح خلال تصويرها جنازة فانيا في مسقط رأسه في قرية أرخانجيلسكوي، التي تبعد عن موسكو نحو 97 كيلومترا.

وتقول أوليانا بدورها، إنها لمست هذا الأمر أيضا خلال مراسم وداع أخيها، وتضيف "كنت أنظر إلى هؤلاء الأشخاص، وأدركت أنهم فعلا يصدقون ما يقولون، وإن فانيا مات بطلا، كجندي وطني حقيقي يدافع عن وطنه الأم".

وتضيف "أعلم أن هناك خطأ ما. من هم الذين من المفترض أننا ننقذهم هناك؟ لماذا يموت أولادنا؟ لم أتخيل في حياتي أبدا أن أخي سيُحضر إلي في صندوق من الزنك".

كان فانيا الابن الأصغر في العائلة، والأخ الوحيد لثلاث شقيقات. وتقول أوليانا "لقد كان فتى ذهبيا" ملفتا للنظر.

ويقول الأب بوريس أنه اعتنى بتنشئته، لكي يكون متعدد المهارات والمواهب، وواسع الاطلاع، موضحا أن ابنه كان يتابع دورات ودروس في "مدرسة الفنون، ومدرسة الموسيقى، والرياضة ... علمته كل ما كنت أحلم به".

التحق فانيا بعد تركه منزل العائلة بمعهد للآداب في موسكو لدراسة الكتابة الإبداعية، وشارك أيضا بالتمثيل في مسرحيات تجريبية، منها عمل قدم على مسرح البولشوي الشهير.

ويقول بوريس إن فانيا وقع في حب فتاة التقاها خلال عمله في المسرح، لكنها لم ترغب في الزواج، وقد انكسر قلبه بسببها.

ويضيف "هذا هو عالم المسرح بمفاهيمه الخاصة عن الحياة، وأدبياته ومعاييره الأخلاقية، وبدلاً من القيم العائلية، تسود هناك علاقات مفتوحة بين الرجال والنساء".

صدر الصورة، Ivan

التعليق على الصورة،

كان فانيا مشاركا نشيطا في المشهد الفني والثقافي في موسكو قبل التحاقه بالجيش

وتقول أوليانا إن فانيا كان يبدو سعيدا للغاية خلال فترة مشاركته بأعمال مسرحية، إلا أن لدى والدها رأيا مختلفا تماما، وهو يعتقد أن تلك التجربة، ونوعية الأشخاص الذين التقى بهم هناك، أديا إلى معاناة ابنه من أزمة.

ويقول الأب "لم يكن راضيا عن نظرتهم للعالم، فهم دائما سلبيون تجاه روسيا، والروس لا يعنون لهم شيئا. أجدادهم وأسلافهم، وهم يرون أن تاريخ روسيا بأكمله مليء بالهراء. كان يدرك أنه ليس كذلك. لقد تحدثنا سويا في الأمر. وعما عليه أن يفعل".

وبناء على ذلك، كما يقول بوريس، اتفق مع فانيا على أن يلتحق بالجيش.

ويضيف الأب "لكي تمارس حياة فنية إبداعية، يجب أن تكون لديك خبرة في الحياة. وأين يمكنك أن تحصل عليها؟ قررنا أن يسير على خطى الكتاب العظماء، أي أن يلتحق بالجيش".

انضم فانيا إلى الجيش كمجند، وبعد ذلك، ورغبة منه في المزيد من التحديات المثيرة، وقع عقد عمل مع الجيش. وكان ضمن تشكيلات مشاة البحرية المتمركزة في مدينة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا، عندما شنت القوات الروسية حملتها العسكرية الضخمة على المدن الأوكرانية في فبراير/ شباط العام الماضي. وقيل له أن يتصل بعائلته لتوديعها قبل إرساله إلى مدينة ماريوبول الساحلية الأوكرانية.

صدر الصورة، Anastasia Popovaa

التعليق على الصورة،

اتصل فانيا بعائلته لوداعهم قبل إرساله إلى ماريبول

وتقول أوليانا "تحدثنا (عبر مكالمة فيديو) لفترة طويلة، أكثر من ساعة، كانت الدموع تترقرق في عينيه. وقلت له 'فانيا، دعني أرى ماذا لديك هناك'. فأراني مدفعا رشاشا، تماما كما اعتاد أن يريني ألعابه عندما كان طفلا".

وأسمعنا بوريس تسجيلا صوتيا لرسالة من ابنه، يقول فيها فانيا "قضيتنا عادلة. سلامات للجميع. سأكتب عندما أصل إلى هناك. عناق وقبلات".

ويقول بوريس "هذه كانت كلماته الأخيرة".

وقد قُتل فانيا بعد ذلك بأيام بالقرب من مصنع آزوفستال للصلب في ماريوبول يوم 15 مارس/ آذار.

وكان موته بهذه الطريقة سببا في بروز التباين الشديد في وجهات النظر بشأن الحرب بين أوليانا ووالدها بوريس.

ويقول بوريس لأوليانا إنها أصغر من أن تتذكر ما يصفه بـ "أخوة" جمهوريات الاتحاد السوفيتي، ويجادل بأن سقوطها "حطم نفسية أجيال لاحقة عديدة، ووضع في رؤوسهم بأن الروس هم أعداؤهم".

وكانت أوكرانيا أعلنت استقلالها قبل مدة قصيرة من انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.

تذكّر التعابير التي يستخدمها بوريس بأسلوب الرئيس بوتين، الذي وصف انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه "أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين".

كما يحمّل الرئيس الروسي مسؤولية اندلاع الحرب لحلف الناتو والقوى الغربية، اللذين يقول إنهما يحاولان إضعاف روسيا وصولا إلى تدميرها، وهي الرواية التي يتبناها بوريس أيضا.

ومما يقوله بوريس لأليانا إن "عبارة 'لا للحرب' تعني شيئا واحدا فقط في سياق اليوم"، مؤكدا أنها "'تعني الموت للروس'. هذا صراع من أجل العالم الروسي، من أجل الروح الروسية، من أجل ثقافتنا".

لكن من الواضح أن أوليانا لا تشاركه وجهة النظر هذه، وإن كانت أفكارها تتأرجح من وقت إلى آخر.

صدر الصورة، Ivan

التعليق على الصورة،

تقول أوليانا إن فانيا كان :فتى ذهبيا"

وتلتقط بوبوفا في أحد مشاهد فيلمها فترة إجازة كانت أوليانا تمضيها في جورجيا، إحدى الدول القليلة التي لا يزال بإمكان الروس زيارتها بعد العقوبات، وتناقش أوليانا في اللقطات الحرب مع أصدقائها حول مائدة عشاء، وتأخذ بالتساؤل عن الحقيقة.

وتوضح أوليانا قائلة "أريد أن أصدق أن أخي لم يمت عبثا. فأنت تريد تبرير الخسارة. إنه لأمر مؤلم للغاية. تحتاج إلى شيء ما لتتمسك به".

أقيم في منزل عائلة فانيا ضريح صغير إحياء لذكراه، وهو يحتوي أيضا تربة جلبت من ماريبول حيث سقط قتيلا. في ذلك الوقت، عمل الأب والابنة معا على إقامته.

وتقول أوليانا إنها رغم كل خلافاتهما، تريد أن تحافظ على علاقة جيدة بوالدها.

وتوضح "لا يمكنني خوض حرب ضد والدي. لا أستطيع أن أقول له 'أنا أكرهك لأننا نختلف (في الرأي)'. كل ما يمكنني قوله هو 'أبي، أنا لا أوافق'. هذا كل ما يمكنني قوله".