السودان: تداعي علاقة العسكر ينذر بهدم المعبد فوق رؤوس الجميع


بوقت، درج قادة الانقلاب على مطالبة القوى السياسية بنبذ الفرقة والشتات، انكشف مؤخراً الصدع الكبير داخل الصف العسكري، ويمكن أن ينتهي بعواقب وخيمة.

الخرطوم: أمل محمد الحسن

الخلافات بين المكونات المدنية تنتهي بخروج أحد الأحزاب من الائتلاف السياسي، كما حدث مع الحزب الشيوعي الذي غادر تحالف “الحرية والتغيير”، لكن نشوب الخلافات بين قائدي الجيش والدعم السريع أثارت الرعب في أوساط المدنيين، وبدت الاحتمالات مفتوحة على خيارات عديدة، فهل تتحول الخلافات بين قائديِّ الجيش عبد الفتاح البرهان والدعم السريع محمد حمدان دقلو إلى مواجهات مسلحة؟

نقطة خلاف جوهرية

لا يمكن الحديث عن خلافات قائدي الجيش والدعم السريع على أنها وليدة التراشقات الإعلامية الأخيرة؛ فالاختلافات الاستراتيجية بين الرجلين بدأت منذ تدبير وتنفيذ الرجل الأول في السلطة لانقلاب 25 أكتوبر 2021.

وأظهر حميدتي عدم الموافقة حميدتي على الانقلاب، ومنعه مشاركة قواته في قمع المواكب الرافضة للانقلاب العسكري، والمستمرة منذ فجر صبيحة الانقلاب، وحتى تاريخ نشر التقرير.

اللواء إسماعيل مجذوب

وفي خطاب حميدتي الأخير، كانت المرة الأولى التي يصف فيها المكون العسكري ما حدث في 25 أكتوبر على أنه “انقلاب” ويؤكد عدم موافقته عليه، وفقاً للخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء أمين إسماعيل مجذوب.

“خطابات الرجلين فيها اخراج للهواء الساخن وننتظر خروج الكثير من الأسرار”.

الاتفاق الإطاري يمثل جوهر الخلافات الحالية، حيث قام حميدتي بمنح موافقة “مبكرة” للتعديلات الدستورية وميلاً للحرية والتغيير المجلس المركزي، وفق مجذوب، فيما يحاول البرهان التملص عبر توسعة المشاركة، وهو ما تصفه الحرية والتغيير بـ”محاولة إغراق للعملية السياسية”.

“التراشق الإعلامي بين الرجلين يصب في مصلحة مستقبلهما السياسي”.

تطور الخلافات

الخلافات بين البرهان وحميدتي وإن كان أساسها انقلاب 25 أكتوبر إلا أنها لم تتوقف عند ذلك الحد! فبعد الانقلاب فتح قائد الجيش الباب على مصراعيه لفلول النظام الذي أسقطته ثورة ديسمبر، وبدأ في إخراجهم من السجون وإعادة أموالهم وفك حساباتهم البنكية المجمدة.

كما تم منح الصفوف الأخيرة من كوادر الحركة الإسلامية فرصة ذهبية لاستلام مفاصل الدولة والوزارات التي لم يبعدوا عنها كثيرا.

اللواء أمين مجذوب: “هذه الخلافات مهما زادت حدتها لا يمكن حلها سياسياً ولن تؤثر على قواعد الجيش والدعم السريع.

وتعد هذه من أكبر الأحداث التي خاطبت “مخاوف” قائد الدعم السريع الذي يناصب العداء السافر لمنسوبي النظام البائد، الأمر الذي جعله يتفق مع قوى الحرية والتغيير على إنهاء الانقلاب بكل ما يتضمنه الاتفاق من دمج لقواته في الجيش واستعداده للمحاسبة.

ووفق مصدر مطلع في الحرية والتغيير قطع حميدتي في لقاءاته الأولى بموافقته التامة على قرار الجيش الواحد لكنه طالب بمهلة تتم فيها تنقية الجيش من منسوبي النظام البائد قبل دمج قواته.

وعلى الرغم من رفض البرهان لمثل هذه الاتهامات؛ إلا أن من المعلوم  للجميع أن النظام السابق عمل بنظام “التمكين” في كافة مؤسسات الدولة والجيش لم يكن استثناء!

ثم جاءت قاصمة الظهر من الخلافات التي تتداخل فيها مصالح الرجلين الإقليمية والدولية، بقضية الحدود بين السودان وإفريقيا الوسطى.

وبدأت الاتهامات مطلع العام الجاري من قائد الدعم السريع الذي خاف من زج قواته في صراع إقليمي مرسلاً التحذيرات المبطنة لدى العامة، المعلومة لدى المتورطين في القضية!

وجاءت رحلة إنجمينا التي تعاقب فيها القائدان العسكريان في السفر إليها لبحث الارتباك الإقليمي.

ووفق مصدر مرموق في الخارجية السودانية طلب البرهان من نائبه عدم السفر إلى تشاد، إلا أن الأخير أصر على رحلته، وتناقلت وسائل الإعلام النبأ بأن للدولة (رأسين).

وهو الأمر الذي أشعل غضب البرهان فسارع إلى تشكيل لجنة من المؤسسة العسكرية برئاسة ضابط في رتبة فريق، لبحث دمج قوات الدعم السريع في الجيش.

فترة السمن والعسل

قبيل انقلاب 25 أكتوبر كانت العلاقات بين برهان وحميدتي في أفضل حالاتها، وكان رئيس مجلس السيادة الانقلابي قد سمح لحميدتي بأن يصبح نائبه، وهو منصب لا وجود له في الوثيقة الدستورية، بل تم استحداثه وفق لوائح داخلية.

مهدي رابح: التراشق بين قائدي الجيش والدعم السريع “مناورة” على هامش العملية السياسية

ثم أصدر البرهان القرار رقم (34) بتاريخ 30 يوليو 2019 والذي قام فيه بالغاء المادة (5) من قانون قوات الدعم السريع لعام 2017 بجميع فقراتها، والتي تقول بـ”الخضوع للأحكام قانون القوات المسلحة”. ووجه بإعادة الترقيم وفق هذا الإلغاء.

ثم قام البرهان بضم قائد قوات الدعم السريع ونائبه “عبد الرحيم” في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو القرار الذي واجه كثير من الاعتراضات من داخل المؤسسة العسكرية نفسها، وصولاً لإنهاء الخدمات التي طالت مسؤولين بارزين في الجيش منهم قائد القوات الجوية، وقالت مصادر مقربة منهم –وقتذاك- إن من طالتهم يد التقاعد هم المنتقدين لتعامل البرهان مع الدعم السريع.

توازن ضعف

ما يحدث من تراشق بين قائديِّ الجيش والدعم السريع وصفه القيادي بالمؤتمر السوداني، مهدي رابح بـ”المناورات” على هامش العملية السياسية وفي سياق توازن ضعف في غاية الخطورة!

وقال رابح لـ«التغيير» إن التحول المدني الديمقراطي لا يصب في مصلحة أياً منهما كهدف نهائي منشود.

مهدي رابح

وأضاف: “الثابت أيضاً أن كليهما بمعية آخرين يسيطرون على قوى حاملة للسلاح ويستغلونها لتحقيق مصالح ضيقة تتقاطع مع الغايات الوطنية وتتناقض معها”.

وقطع رابح بأن مسؤولية المكونات المدنية في الوقت الراهن تتطلب المضي قدما في العملية السياسية التي تمثل أساساً لحل ممكن ومستدام.

مشيرا إلى ضرورة استغلال هامش الحركة المتاح والمعطيات على الأرض للوصول لاتفاق سياسي نهائي محكم.

وتابع رابح بأنّ الحكومة المدنية يجب أن تقوم بإصلاح الجيش وتحويله إلى مؤسسة محترفة ومهنية ملتزمة بدورها الدستوري ولا تتعاطى مع السياسة أو التجارة، والقضاء على ظاهرة تعدد الجيوش والتي يمثل الدعم السريع أعلى واخطر تجلياتها، كل ذلك بمقاربة متدرجة وسلمية َوبأقل كلفة مادية وبشرية ممكنة.

وكشف رابح عن استناد الحرية والتغيير على الإرث المعرفي المرتبط بتجارب عالمية ناجحة في الإصلاح العسكري لتطوير خارطة طريق واضحة المعالم، ستحول إلى بروتوكول ملحق بالاتفاق النهائي وملزم للجميع بضمانات دولية.

اعلان حرب

مطالبة البرهان بدمج قوات الدعم السريع فورا كشرط لتحقيق الاتفاق الإطاري هو بمثابة إعلان حرب من وجهة نظر رابح الذي وصف إلقاء مسؤولية الدمج على المدنيين بالمحاولة غير “المتقنة” للتهرب من التزامات الاتفاق الإطاري.

وأضاف: “هذا خيار من يرى مصلحة شخصية له في الحرب كما يفعل أي أمير حرب عتيد!”.

وأكد القيادي بالمؤتمر السوداني أن إصلاح الجيش ودمج الدعم السريع والحركات المسلحة عمليات متوازية ومتكاملة، وتتداخل معها عمليات صناعة الدستور والسلام والعدالة الانتقالية والصلاح المؤسسي والتشريعي والاقتصادي والاجتماعي.

حرب قيادات

من أكثر السيناريوهات رعباً التي يفكر فيها الساسة والأهالي على حد سواء، هو حدوث مواجهات مسلحة بين الجيش والدعم السريع، وهي حرب مدن ستكون تكلفتها المادية والبشرية عالية جدا وربما تستوجب التدخل الخارجي تحت الفصل السابع وفق رأي الخبير العسكري اللواء أمين مجذوب.

في الوقت الذي يستشعر المدنيون الخطر من مواجهات مباشرة، يقطع ضابط في الجيش برتبة عميد، فضل حجب اسمه، بـ”استحالة” حدوث مثل هذه الاشتباكات، متعللا بأن 50% من العساكر العاملين في قوات الدعم السريع انتموا في بداية خدمتهم العسكرية للجيش.

وأضاف: “الضباط الذين يقودون الدعم السريع 90% منهم هم ضباط جيش”.

ضابط بالجيش: 90% من ضباط الدعم السريع يتبعون للقوات المسلحة

وأكد على أن الصراع الذي يدور الآن هو صراع “قيادات” مؤكدا أن العلاقات بين المنتمين للجيش والدعم السريع أكثر من طيبة.

واتفق مع ضابط الجيش، اللواء إسماعيل مجذوب الذي قال لـ«التغيير»، هذه الخلافات مهما زادت حدتها لا تؤثر على القواعد في الجيش أو الدعم السريع، مشدداً في الوقت ذاته على أن حلها سيتم سياسيا وليس عسكريا.

الا أن الخبير العسكري توقع تأثر الاتفاق الإطاري بخلافات القائدين العسكريين، مشيراً إلى أن الحركات المسلحة ستتعنت في تنفيذ الترتيبات الأمنية وتربطه بدمج قوات الدعم السريع ابتداءً. “هذا ما أخر الترتيبات الأمنية طوال السنوات الأربع الماضية”.

وطالب الخبير العسكري بضرورة وضع معاناة الشعب السوداني في الاعتبار، محذرا في الوقت نفسه من استغلال “الفلول” لحالة الفراغ السياسي الحالي.

 

تاريخ الخبر: 2023-02-21 18:27:31
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:18
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

محامي التازي: موكلي كشف أمام المحكمة أشياء كانت غائبة عنا جميعا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 21:26:14
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية