الدار/ تحليل
الصحراء الشرقية التي اقتطعتها فرنسا الاستعمارية من أراضي المملكة المغربية لتضمّها ظلما وعدوانا إلى أراضي الجمهورية الجزائرية المستحدثة حق لن يضيع أبدا ما دام وراءه مُطالب. والمغاربة كانوا ولا يزالون دائما متشبثين بهذا المطلب على الرغم من إكراهات الظرفية السياسية الدولية والتذبذب الذي تعرفه العلاقات المغربية الجزائرية، وكذا ترتيب الأولويات بالنسبة للدبلوماسية المغربية. فالجزائر كما هو معروف صنيعة فرنسية خالصة أنتجتها العقلية الاستعمارية من أجل إضعاف الإمبراطورية المغربية واختلاق كيان جديد يسهل التحكم فيه واستغلال ثرواته وعلى رأسها النفط والغاز.
لا يجب أن ننسى أن النفط والغاز الموجود في الجزائر الحالية هو اكتشاف فرنسي قبل إعلان استقلال هذه الأرض التي كانت تعتبرها فرنسا إلى حدود بداية الستينيات مقاطعة فرنسية. ولعلّ هذا الاكتشاف هو الذي كان السبب الرئيسي وراء الخطة الشيطانية الفرنسية باقتطاع أراضٍ مغربية تاريخيا وجغرافيا وثقافيا لأجل إلحاقها بهذا الكيان الجديد الذي سيكون لا محالة تحت السيطرة بشكل يسهّل على الشركات الفرنسية الاستمرار في استغلال ثرواته وتحويل مواردها إلى الجمهورية الفرنسية. فرنسا تعلم جيدا أنه لو ظلّت الصحراء الشرقية تحت نفوذ المملكة المغربية بتاريخها وعائلتها الملكية العريقة لكان من الصعب عليها أن تساوم أو تبتز بلادنا وتحصل على ما تشاء من هذه الثروات.
هناك سبب آخر كان وراء هذه الجريمة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي باجتزاء جزء مهم من أراضي المغرب ألا وهو المشروع النووي الفرنسي. لقد كانت فرنسا تبحث عن تنفيذ تجاربها النووية الإجرامية في مناطق نائية وغير مأهولة في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات. وقد هيأت لذلك الظروف الملائمة عبر توسيع دائرة التراب الجزائري باتجاه الغرب والسيطرة على مساحات صحراوية شاسعة حتى تبقى تجارب منطقة رقان النووية التي تم تنفيذ أولاها في فبراير سنة 1960 بعيدة تماما عن تسليط الضوء أو النقد من طرف جهة رسمية أو شعبية. والدليل على هذا الارتباط هو أن المغرب حصل على استقلاله رسميا في سنة 1956 وابتداء من يناير 1957 ستشرع السلطات الاستعمارية الفرنسية في تهيئة الأراضي والمناطق المرشحة لتنفيذ هذه التجارب بمحاذاة الحدود الغربية لصحرائنا الشرقية.
إضافة إلى هذين السببين فإن السبب الأكثر وجاهة بالنسبة لقوتين استعماريتين مثل فرنسا وإسبانيا هو تحجيم الإمبراطورية المغربية الشريفة التي كانت حدودها تصل إلى نهر السينغال وعلى مشارف تمبوكتو في مالي وتمتد شرقا حتى تقترب من وسط الجزائر الحالية. تاريخيا تعد الإمبراطورية المغربية ندّا يُحسب له ألف حساب في أوربا. وقد كان من أسباب احتلال المغرب أصلا هذه الرغبة في تقليص نفوذه الإفريقي والعربي من جهة، وكذا للحد من أي احتمال لعودة المملكة المغربية إلى بسط نفوذها على أقاليم الأندلس في جنوب إسبانيا، والتي خضعت لقرون طويلة للحكم المغربي سواء المرابطي أو الموحّدي أو المريني.
ما حدث للإمبراطورية المغربية هو نفسه ما حدث لإمبراطوريات تاريخية كبرى كالدولة العثمانية أو مملكة بروسيا في وسط أوربا التي تعرّضت في لحظة من لحظات التاريخ إلى تكالب الأعداء من أجل تقاسم أراضيها وتحجيم نفوذها وقدراتها. والمؤسف فيما جرى لأراضينا في الصحراء الشرقية أننا ساهمنا بحسن نية في حدوث هذه الجريمة التاريخية. لقد كان المغرب يرفض التفاوض مع السلطات الاستعمارية الفرنسية فيما يتعلق بترسيم الحدود الشرقية مع الجزائر وكان السلطان محمد الخامس متفائلا جدا بإمكانية نسج علاقات جيدة مع القيادات الجزائرية التي ستتولى المسؤولية بعد جلاء المستعمر الفرنسي ومن ثمة فتح مجال للتفاوض الودي والأخوي معها من أجل استرجاع الحقوق المغربية.
لكن هذا الرهان كان خاسرا. لقد تحوّل قياديو جبهة التحرير الوطني الجزائرية إلى ذئاب بمجرد أن تولّوا السلطة في البلاد. وبدؤوا في الاقتتال الداخلي وتصفية بعضهم البعض، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى تبني مشروع عدائي رسمي طويل الأمد ضد المغرب. وبدلا من أن نتفاوض مع هؤلاء على حقوقنا التاريخية في الصحراء الشرقية يختلق نظام العصابة العسكرية في الجزائر بتواطؤ مع النظام الليبي ومع قوى الاستعمار كإسبانيا وفرنسا قضية الانفصال في الصحراء المغربية، لندخل في صراع طويل يلهينا عن المطالب والحقوق المشروعة في الصحراء الشرقية. لكن ما لا يعرفه الكابرانات وأسلافهم الذين دبّروا هذه المؤامرة أن المغرب والمغاربة لن يتوانوا لحظة واحدة عن الكفاح من أجل استرجاع هذه الأراضي طال الزمن أو قصُر.
