المخرج الكبير سمير العصفورى يحكى ذكرياته لـ«الدستور»: أنا من عائلة مسرحية.. وأديت دور النبى يوسف فى عرض وعمرى 7 سنوات

المخرج المسرحى الكبير سمير العصفورى، صاحب «الدرس، وزيارة السيدة العجوز، ومأساة الحلاج، والعسل عسل والبصل بصل، والست هدى، وهبط الملاك فى بابل، والعيال كبرت، وحزمنى يا، وألابندا» هو تلك الخلطة بين الشعبى والمتفرد، مخرج له بصمة فى تاريخ المسرح المصرى، أعماله المسرحية كان لها أثرها الكبير فى حركة المسرح المصرى من ناحية، وفتحت بابًا للتفكير والتجريب ومفارقة السائد وأثرت شعبيًا فى الجمهور من ناحية أخرى.

استطاع «العصفورى» تحقيق معادلة صعبة فى معظم عروضه، حين جمع بين التفرد ومفارقة الكلاسيكى والمسرح الشعبى الجاذب للجمهور، بمختلف مستوياته الفكرية، والمسرح الذى يقدم كل عناصر الجذب الفنى، بداية من موضوعاته التى تتماس مع الواقع، وحتى شكله الفنى وتضمينه الاستعراض والكوميديا.

«العصفورى» الذى يتم اليوم عامه الـ٨٦، لم يتعطل عن الإبداع المسرحى منذ بدأ وحتى مسرحيته الأخيرة التى قُدمت على المسرح القومى من قرابة العام، ولم يتوقف عن العطاء لحظة عبر مسيرته، وكان آخر إنجازاته «مدرسة العصفورى» التى دشنها المخرج خالد جلال، رئيس البيت الفنى للمسرح، لتكون مسارًا لنقل الخبرات بين سمير العصفورى، بخبراته ومعارفه الواسعة والمفارقة لكل ما هو تقليدى، وأجيال من شباب المخرجين الموهوبين، التى عقدت أول لقاءاتها بحضور «العصفورى» قبل أيام. 

اليوم تحتفل «الدستور» بعيد ميلاد سمير العصفورى بحوار مطول يُنشر على جزأين. الأول يتناول بداياته وحتى فترة عودته من بعثته لدراسة المسرح بفرنسا، والثانى يتناول عمله. 

■ كيف بدأت علاقتك بالمسرح؟ 

- بدأت علاقتى بالمسرح عبر الأسرة التى تضم ٩ إخوة أنا أصغرهم.. بدأت بعدوى حب المسرح، وكنا نمتلك مدرسة فى بورسعيد وكانت المدرسة تنظم حفلات سنوية وفى أثناء ذلك تضمنت الحفلات تجربة كنت طرفًا فيها وأنا فى عمر السابعة.. عرض مسرحى عن النبى يوسف وفترة حكمه لمصر.. كان قد أخرجها أخى وكتبها أخى الثانى ومثلت دور النبى يوسف. 

وأثناء المرحلة الثانوية ببورسعيد كونت فرقة مسرحية كان ضمنها سيد طليب ومحمود يس وعباس أحمد، وقدمنا سلسلة عروض مسرحية فازت بجوائز. وهذا أثار انتباهنا لاحتياجنا إلى التربية المسرحية وإدراكًا لأهميتها.. ثم اتجه بعدها الزملاء إلى نادى العمال وقدموا أنشطة عمالية، ثم انضممت إلى فرقة جمعية الكتاب المقدس، وكنت أنا المسلم الوحيد فيها، وكان معى بالفرقة مراد منير، ووجدت وقتها أننى أستطيع أن أحقق على المسرح خيالات وأساطير الفكر الموجود فى الإنجيل، وكان الجمهور يستقبل تلك العروض بتبجيل شديد وهو ما كرس داخلى قدسية المسرح.

ولأنى فى نفس الوقت كنت شخصية مرحة، كنت أقدم عروضًا لهذا الطابع فى قصر ثقافة بورسعيد، وفى ١٩٥٦ انتقلت بهذا الهم المسرحى تاركًا بورسعيد وتاركًا فرقتين، واحدة فى قصر الثقافة وأخرى بنادى العمال، والتحقت بكلية الآداب جامعة عين شمس قسم اللغة العربية، لكن الحقيقة أننى كنت قد التحقت بكافتيريا كلية الآداب ولم أعنِ وقتها بالمحاضرات قدر عنايتى بالمسرح.

وقفزنا إلى منتخب الجامعات بصحبة الفنان كرم مطاوع والفنان جمال إسماعيل والفنانة إنعام سالوسة، وكثير من الزملاء الذين التقيتهم فى تلك الفترة فى المسرح الجامعى، كما التقيت فنانين كبارًا، وكان لا يُسمح إلا لكبار الفنانين والأساتذة بالإخراج فى مسرح الجامعة، مثل جورج أبيض أو يوسف وهبى بجامعة القاهرة، وعبدالرحيم الزرقانى وحمدى غيث وكرم مطاوع وغيرهم من كبار المخرجين.. كان المسرح الجامعى بالنسبة لنا بمثابة معهد علمى فنى وأكاديمى محترم.

وكانت علاقتنا بالمخرجين مستمرة حتى خارج الجامعة، كنا نذهب للتدرب معهم والمشاركة فى أعمالهم أثناء الموسم المسرحى خارج الجامعة أيضًا. عقب الجامعة اكتفى البعض بذلك.. لكننى ذهبت إلى معهد فنون مسرحية لاستكمال الدراسة الأكاديمية المتاحة وقتها مع أساتذتى الذين كانوا معنا فى مسرح الجامعة.. وأنهيت دراستى هناك فى ١٩٦٤.

■ فى فترات مثل العدوان الثلاثى أو النكسة.. هل توقف المسرح أو اختلف شكله؟

- لم يتوقف المسرح أبدًا فى ١٩٥٦ وقت العدوان الثلاثى، أوقفوا الدراسة بالجامعة وقتها، وكان يتم إطفاء النور وإيقاف النشاط عند الغروب، لكن كانت مسارح الدولة تقدم حفلات نهارية.. ويحتشد بها الناس لكى يشاهدوا الأعمال الثورية التى تواجه أزمة الحرب والعدوان التى كنا نتعرض لها وقتها.

كان هناك ٥٠ أو ٦٠ عرضًا مسرحيًا تُقدم فى القاهرة من مختلف أنواع المسرح، وعاشق المسرح والمولع به من الشباب سيجد ما يريد، فقد كان الشباب فى تلك الفترة محاطين بدائرة ثقافية كبيرة من مسرح وأدب وكتب متوافرة ورخيصة تُباع عبر سور الأزبكية. كانت دار الأوبرا مجاورة للمسرح القومى وكانت العروض تُقدم ليلًا ونهارًا، وكان الناس يتسابقون لدخول المسرح والشرطة تنظمهم.. ولا أنسى ذات مرة أننى أخذت عصا غليظة بسبب التسابق على دخول المسرح.. كنا نقيم عروضًا عن المقاومة الشعبية مستلهمة من تاريخ الجبرتى.. و«إيزيس» كانت تُقدم أيضًا فى ذلك الوقت. 

أما فى عام ١٩٦٧ فقد أُصيبنا بالنكسة والصمت، لدرجة أن نجيب محفوظ حينها كتب: «لقد أُصبت بالخرس.. لا أستطيع أن أكتب». 

لكن المسرح لم يصمت ولم يسكت.. وكتب صلاح عبدالصبور وقتها رائعته «مأساة الحلاج» وأخرجتها، وأدى دور الحلاج الممثل العظيم محمد السبع، وستعجبين أن مأساة الحلاج وقتها نجحت نجاحًا جماهيريًا، وإذا بحشود من البشر يأتون إلى المسرح لمشاهدة تحفة صلاح عبدالصبور.. وكان يتم وقتها دفع الثقافة إلى الفئات الشعبية، فذهبنا بالعرض إلى الحسين بوكالة الغورى، حتى صلاح عبدالصبور لم يكن مصدقًا هذا الحضور.

■ ما أهم الأشياء التى أثرت فى مسيرتك كمخرج عقب الجامعة؟ 

- فى أوائل الستينيات كان لمسرح التليفزيون حضور كبير، ورأت الدولة أن المسرح والتليفزيون أخطر أدوات يمكنها أن تشارك وقتها فى بناء الوعى، فشارك وقتها العديد من الفنانين فى عشر فرق مسرحية، وتضمنت هذه الفرق فرقة المسرح العالمى ومديرها حمدى غيث، وفرقة المسرح التجريبى بإدارة محمود مرسى، وفرقة المسرح الكوميدى بإدارة عبدالمنعم مدبولى، ودعانى حمدى غيث لتقديم المسرحية التى تخرجت بها وقُدت عرض «الأستاذ» لـ«يونسكو» مع إنعام سالوسة وزوزو ماضى الحكيم، وتصورنا فى البداية أن مسرح التليفزيون سينتج مسرحيات لتصويرها، ولكن الجمهور وإقباله، حوله إلى موسم مسرحى حقيقى، فانضم إلينا كبار الفنانين وقتها، مثل سميحة أيوب وسناء جميل وحتى حسين رياض.

■ هل بدأت ملامح منهجك كمخرج محترف تتشكل فى مسرح التليفزيون؟

- كان وقتها التحديد المنهجى لكل فرقة لا يمكن اختراقه على الإطلاق.. فلا يمكن مثلًا أن تخط منهجًا خارج إطار منهج الفرقة، وكنت فى تلك الفترة واقفًا فى منتصف الطريق، أقدم مسرح العبث لـ«يونسكو»، ثم أهدانا وقتها أنيس منصور تحفة من تحف دورنيمات مسرحية «زيارة السيدة العجوز»، فوجدتنى أنفذ مسرحًا يرقص فى منطقة واسعة جدًا.. دخولى منطقة المخرج المحترف كان عقب عودتى من بعثة لدراسة المسرح بباريس ١٩٦٨. 

■ كيف حصلت على تلك البعثة فى هذا التوقيت؟

- قدمت «مأساة الحلاج» وقتما كان محمود أمين العالم رئيس قطاعى المسرح والسينما قبل أن ينفصلا، وجاء وزير الثقافة وقتها ثروت عكاشة وسألنى عقب حضوره العرض: «إيه اللى إنت نيلته ده؟.. فقلت: ما نيلتش حاجة». فقال لى: صلاح عبدالصبور بيقول «لا يُعرض بقول لأمير أو لغفير أو لولى، مقالش وزير، مين اللى حشر وزير فى النص.. أنا عملتلك حاجة؟» فقلت له: هو لازم حضرتك تبقى الوزير بالدولة العباسية؟ فقال لى امشى يا واد»، ثم التقيته فى مسرح الجمهورية وقت أن ضمت فرقة المسرح العالمى، وأسندت إدارتها لسميحة أيوب وكنت أنا نائبها.. فسألنى: أين درست؟ فقلت له: بالمعهد، فسألنى: هل سافرت إلى الخارج لدراسة المسرح أنت أو أى من زملائك الذين قدموا عروضًا جيدة هذا الموسم؟.. فقلت له: لا.. فاستدعانى لمكتبه مع زملائى، وصدر قرار وزارى فى عدة ساعات بسفرى لباريس وسفر زملائى إلى روما. 

ظننت أنها منحة دكتوراه فى البداية كما قِيل لنا، وكنت متخوفًا، «فأنا عامل مسرح ناجح: ٦ أعمال نجحت وحظيت باهتمام النقاد وسأسافر وأترك هذا النجاح عشان أعمل دكتوراه التى لم تكن هدفى»، وحين سافرت اكتشفت أنها دورة تدريبية لمدة سنتين وليست أكاديمية وكنت قبل السفر معى عدد من العناوين أعطاها لى محمود مرسى وحمدى غيث والدكتورة هدى وصفى، منها عنوان جان لوى بارو الذى كنت أتطلع للقائه.. ولكن اندلعت وقتها ثورة الشباب فى باريس فى ١٩٦٨ وكانت باريس لا تنام، الثورة طالت كل شىء وتخللت كل شىء، ثورة ضد كل ما هو تقليدى حتى «الكوميدى فرانسيز».. وهلت على باريس تيارات مسرحية جديدة ومختلفة مثل مسرح الخبز والعرائس، وهو مسرح أمريكى يصنع عرائس كبيرة تحكى قصصًا سياسية ساخرة، وكانوا قد احتلوا شوارع باريس ومسارحها، وكانت أهم العروض فى هذه الفترة هى عروض مسرح اللامعقول ومسرح الشارع، ومعظم المسارح اختطفها التجريديون ولم يكونوا فقط الفرنسيين القادمين من مختلف أنحاء فرنسا، ولكن كان ضمنهم من أتى من دول أخرى كأمريكا اللاتينية وغيرها.

وبحثت عن جان لوى بارو فقالوا: لقد غادر المكان وأخذ ملعبًا رياضيًا يجرى فيه تجاربه، وقد قدم هناك عرضًا مسرحيًا كبيرًا فيه سباق خيل «وهو ليس سباق خيل حقيقيًا ولكنهم ممثلون يؤدون أدوار الخيل»، ومراكب تعبر البحر فى مكان غير مهيأ على الإطلاق.. كل ذلك فى حلبة مصارعة.

وتعجبت جدًا من هذا الانقلاب المسرحى الكبير الذى دمر كثيرًا من جماليات المسرح التى اعتدناها، لم يصبح الدخول بالملابس الرسمية بل الحضور بالشورت وأى ملابس.. الاستقرار وأرستقراطية المسارح وجمالها انتهى.. وكنت فى البداية متفاجئًا من هذا الانتقال الفكرى. حيث أصبح الرأى السائد نجم هذه الفتنة «جروتوفسكى» مؤسس المسرح الفقير، وكان له مكان فى شارع سان ميشيل، وهو شارع الأندرجراوند، وكنا جميعًا نسعى لالتقاط الصور معه فى تلك الفترة.. هذا الانقلاب المسرحى لم يغير معالم الحركة المسرحية فى باريس فقط بل فى العالم كله.. وحتى فى الجامعة التى كنت أتدرب بها، التى كان يحاضر فيها أهم الشخصيات من كل أنحاء العالم، انقلب الميزان رأسًا على عقب، فلا عاد المسرح الكلاسيكى الفرنسى ولا عاد «موليير» ولا المسرح الذى كنت أعرفه.. ودخلنا على مسرح آرابال ويونسكو وبيكيت، والكل قد أجمع أن العالم تغير والمسرح تغير والكلاسيكية ماتت، والمسرح الوقور انتهى، ونحن نقدم الآن مسرحًا حديثًا أو ما بعد الحداثة.. وكان هذا هو المتغير الفكرى الذى واجهته وعانيته وبدأت فى معايشته، مضطرًا فى البداية ثم موافقًا تمامًا أن أكون أحد أفراد هذا التغيير. 

■ ما أنواع التدريبات التى حصلت عليها فى فرنسا؟

- كنت أتلقى تدريبًا على ما يمكن تسميته بالمسرح المضاد.. تطبيقاتنا كلها كانت على هذا المسرح الثورى شديد الغضب، ومن وقتها صرت أحد المتمردين على المسرح التقليدى.. حتى إننى أتذكر أننى نشرت فى جريدة «الجمهورية» رسالة إلى ثروت عكاشة «لقد شاهدت مسرحًا فى دكان»، وتحدثت عن مسرح هوشيت بشارع سان ميشيل الذى يقدم فيه مسرح يونسكو، وهو عبارة عن دكان بسيط، فدعوت لفتح عدد من الدكاكين نقدم بها مسرحًا مختلفًا بتذاكر بسيطة لـ٤٠ أو ٥٠ يأتون لمشاهدة عرض مختلف. 

وحين انتقلت إلى ستراسبورج على الحدود بين فرنسا وألمانيا، وكانت رحلة ممتعة تدربت فى المسرح القومى بستراسبورج تدريبًا جيدًا مع أستاذ اسمه لافيفر، وقد اختارنى لمصاحبته فى محاضراته وكانت تدريباته لتحويل الممثل لباحث شخصى يراها أو لا يراها. ويكتب سيناريو يخص هذه الشخصية ثم يحاول تجسيدها. وانتهت السنتان وعدت إلى القاهرة.

■ هذا الميل إلى التجريب وكسر النمط المسرحى هل كان جديدًا على «العصفورى»؟ 

- لديك حق، كان لدىّ من قبل بذور لذلك وأتذكر حين قدمت «مأساة الحلاج»، أطلق عليها بهاء طاهر وكان قد أخرجها للإذاعة فسماها «مهزلة الحلاج»، وبرر ذلك بأننى حولت المأساة لمهزلة.. وقد وافقته الرأى فأنا أجد رجلًا يقول أشياء لا يراها ولا يسمعها ويظنها الناس خزعبلات، لأن روحه الصوفية مستترة، هو فقط الذى يشعر بها.. وخروجه للشارع كان أشبه بأن الرجل كان يحيا فى إطار من العبث الكامل، لذا رأيتها أقرب ما تكون لمسرحية هزلية رغم اقتناعى جزئيًا واقتناع الممثل محمد السبع بكلام الحلاج ووحدة الحلاج.. وكان صلاح عبدالصبور يتحفظ على أن يبدى رأيًا فى العرض ذاته، وحين سألته عن رأيه قال لى: أنت حر تعمل فيه اللى انت عايزه.. ده بالضبط صلاح عبدالصبور الكاتب العظيم والشاعر الفحل.. إذن هذه الحرية التى كنت أتمتع بها لم تكن وليدة الرحلة ولكنها كانت نذورًا للرحلة.. شكلًا من أشكال التمرد المسرحى.

تاريخ الخبر: 2023-02-27 21:22:31
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية