الأبرياء المجرمون في الحكومة الإلكترونية
الأبرياء المجرمون في الحكومة الإلكترونية
مع كل صباح جديد يخرج الناس لأعمالهم, وقضاء حوائجهم, وإنهاء إجراءات تتعلق بمصالحهم في أروقة المكاتب الحكومية, التي صارت تعتمد النهج الإلكتروني في إتمام معظم الإجراءات, لكن بدلا من أن يصير التحول الإلكتروني راحة ورفاة للمواطنين, صار سببا في معاناة الناس, ففي كل يوم نصطدم بأخطاء تلك المنظومة.
بداية من صرخة الموظفة السيستم واقع, ويعدي يوم واتنين وأسبوع والسيستم لا تنتصب له هامة, نهاية بوحدات المرور لاستخراج تراخيص وتجديد رخصة القيادة, والجملة الصاعقة: عليك حكم مافيش رخصة لغاية ما تنفذه أو تثبت أن أنت مش أنت. هذه الجملة التي يقع ضحاياها من الشعب إما بجلطة أو ذبحة صدرية فور إخبارهم أنهم مطلوبون لتنفيذ عدد من الأحكام, بالرغم من أنهم ماشيين جوه الحيط مش جنب الحيط بس.
أعرف شخصا قريبا لي. ذهب لتجديد رخصة القيادة الخاصة به, أخبروه أنه محكوم عليه بستة أشهر حبس, لإخفاء مسروقات وآخر ذهب بالوساطة لإحدي وحدات المرور لتجديد رخصة موتوسيكل, وبدلا من إكرامه والاهتمام به فوجئ بإبلاغه أنه مطلوب في سبع قضايا وعليه أن ينفذ سبعة أحكام.
أصيب بالإغماء فور سماعه الخبر, وبعد ساعة من محاولات إفاقته قال له المسئول: إحنا آسفين دي غلطة إللي بيكشف لأنه كتب حرف غلط في الاسم!! حياة الناس رخيصة, رهن ضغطة زر بالخطأ, وهو ما يدفعنا للصراخ وليس الاستفهام:
كيف تعمل منظومة الحكومة الإلكترونية بدون قوي عاملة مدربة تدريبا عاليا يحفظ للناس كرامتهم ويصون حقوق المواطنة, لماذا نتعجل كل تطور, ونقفز لاستخدام أفضل أجهزة وأفضل شبكات, دون أن نهتم بأفضل مشغلين لهذه المنظومة, لماذا يلاحقنا الجهل؟
فالحكومة الإلكترونية التي لا تفعل دور البشر المدربين تحول البريء إلي مجرم, والمجرم إلي بريء بقدرة قادر. ومن يفلت من الجلطة يتعطل عن ممارسة حياته اليومية لحين التيقن واللف في المحاكم ليثبت البريء أنه ليس هو الشخص المقصود!.
يبدو أن العمل الحكومي الذي يفتقر لروح المبادرة والإبداع, وتتراجع فيه الكفاءة بسبب روح الرتابة والبيروقراطية, انتقل بنفس رتابته وجموده للحكومة الإلكترونية, يبدو أنها روح لا تموت, ما دامت عملية التحول تتجاهل مصلحة المواطن وهو المحور الأول في أي تطور, وليس مجرد استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تقديم الخدمات الحكومية, وذلك وفقا لتعريف دكتور منير محمد الخطيب الخبير المعلوماتي في الحكومة الإلكترونية.
لكن وكما قال الخطيب منذ ما يقرب من 15 عاما في مقال نشر له في مجلة آراء الخليجية, أن هناك أخطاء شائعة في الحكومة الإلكترونية في دول العالم الثالث, ومضت السنون ولم تزل الأخطاء جاثمة علي صدور الناس, لأن التغيير كان في الشكل وليس الجوهر المؤسسي المحتوي والمعلومات, العمليات والإجراءات, الناس والثقافة المؤسسية. تم تجاهل الناس والثقافة, بل تم تجاهل التدريب الذي أنتج عدم الدقة في التعامل مع الأرقام والمعلومات, فتتم معالجة مدخلات خاطئة لتؤدي إلي مخرجات خاطئة.
كما يحدث عند الكشف عن هوية شخص فيظهر السيستم بالخطأ أنه هارب من تنفيذ حكم. ليجني المواطن الغلبان خطأ الموظف الغلبان الذي لم يتم تدريبه بشكل جيد, ويجلس ليتمم عمله بشكل أسوأ من العمل الدفتري الورقي في زمن فوت علينا بكرة. فيظل إهمال تدريب البشر وغياب السعي نحو إنضاج قدرتهم علي الاستيعاب وهضم المعلومات هو أحد معوقات الاستفادة من خدمات الحكومة الإلكترونية.
وإذا استمر الوضع علي ما هو عليه سيحصد التحول الإلكتروني فشلا قد تصعب إزالة آثاره. ولأن كل الأشياء خلقت لخدمة الإنسان, وكل تطور تحظي به البشرية يتم تسخيره لراحة ورفاهية البشر وليس التضييق عليهم أو وضعهم في حالة من التوتر والتوجس مع كل ضغطة زر.