قال الدكتور أشرف الصباغ، المحلل السياسي والمختص في الشأن الروسي، إن الحرب الروسية- الأوكرانية منذ اليوم الأول من عامها الثاني دخلت إلى مستوى نوعي جديد تماما، وهو ما توقعه الكثير من المراقبين المدركين لأبعاد هذه الحرب الطويلة والمعقدة.

وحول الهجوم الأوكراني على بريانسك الروسية، قال الصباغ: للأسف الشديد لا تتوافر الكثير من المعلومات والتفاصيل الموثوقة حول هذه الهجمة الأوكرانية النوعية التي جرت في مقاطعة بريانسك على الأراضي الروسية، مشيرا إلى أن هناك الكثير من المعلومات المتضاربة والمتناقضة، وكل طرف يصفها بطريقته ووفق نظرته لهذه الحرب، فالأوكرانيون يرون أنها هجمة ضمن هجمات كثيرة في سياق الحرب، بينما تراها موسكو "عملية إرهابية" وتحاول وضعها في سياق الاعتداء على المباني والبنى التحتية والمدنيين، ومع ذلك، فلا معلومات موثوقة بعد، لكن ردود أفعال الكرملين والمؤسسات الروسية حادة، ما يعكس أبعاد الهجوم وخطورته وتطور أداء القوات الأوكرانية.

وأضاف الصباغ، فى تصريحات خاصة لـ«الدستور»، أن الهجمة الأوكرانية على بلدة كليموفسك في مقاطعة بريانسك الروسية لم تكن الوحيدة منذ 25 فبراير الماضي، وإنما جرت في سياق عدد من العمليات النوعية الأخرى، مثل هجمات بطائرات مسيّرة على مقاطعة بيلجورود الروسية المحاذية للحدود الأوكرانية، وعلى "كراسنودار" و"أوديجيا" في جنوب روسيا، وعلى شبه جزيرة القرم، أي أننا أمام تحولات نوعية موجعة للجانب الروسي، لكن الخطير أن نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروس، دميتري ميدفيديف، اتهم الولايات المتحدة وحلف الناتو والدول الأوروبية ليس فقط بدعم هجوم بريانسك، بل واتهمها بالمشاركة المباشرة.

وأشار الصباغ إلى أن مثل هذه التصريحات لا تصدر اعتباطا ولا تصدر من غير معرفة مركز القرار، وهو ما يثير المخاوف، لأن موسكو تسعى إلى تأكيد سردية مشاركة الغرب المباشرة في الحرب، بحثا عن مبررات قانونية لخطوات وإجراءات عسكرية وأمنية لاحقة، وقد صرح ميدفيديف بأن روسيا تملك الحق في قصف المعدات والأشخاص والأسلحة والقواعد والمعسكرات التي يجري فيها تدريب الأوكرانيين، لكنه لم يتحدث بعد عما إذا كان ذلك في داخل أوكرانيا أم في أراضي دول أخرى، وهو الأمر الذي يعد في غاية الخطورة فيما يتعلق بتوسيع رقعة الحرب وامتدادها إلى أراضي دول أخرى، من بينها دول حلف الناتو.

وتابع الصباغ: "موسكو تقول إنها لم تستخدم بعد كل أسلحتها، والتصريحات الروسية غاضبة للغاية في الأسبوعين الأخيرين، سواء بشأن تزايد وتيرة النشاطات والهجمات الأوكرانية، أو بشأن الدعم الغربي الواسع وإمدادات الأسلحة الضخمة لأوكرانيا، أو بخصوص المواقف الغربية التي تسير قدما إلى الأمام غير آبهة بأي تهديدات أو تصريحات روسية، ولا يمكن استبعاد قيام القوات الروسية بعمليات نوعية واستخدام أسلحة تقليدية لم تستخدمها بعد، ولا شك أن موسكو سترد بقسوة على هجمة بريانسك وكل الهجمات الأخيرة خلال الأسبوعين الأخيرين، وفي المقابل لن تتوقف القوات الأوكرانية عن هجماتها، ولن يتوقف الغرب عن الدعم الواسع لأوكرانيا، كل ذلك يقلص من فرص أي تواصل ومن احتمالات إجراء محادثات ومفاوضات، وبشكل عام فالعلاقات الروسية الغربية تتدهور بوتيرة سريعة، ولم تعد هناك فرص واعدة لأي التقاءات أو مواءمات. 

 الكرملين يبحث عن كل المسوغات والأسباب التى توفر له اتخاذ قرار بتوسيع الحرب

وأكد الصباغ أن الكرملين يبحث عن كل المسوغات والأسباب التي توفر له اتخاذ قرار بتوسيع الحرب، والغرب يحاول التأكيد على أنه لا يشارك بشكل مباشر في الحرب، لكن لا أحد يستبعد وقوع تحولات دراماتيكية تدفع بالحرب إلى مستوى نوعي آخر أو تغيير صفة العمليات العسكرية، الأمور تزداد تعقيدا، وكان من الممكن حسب الأدبيات السياسية أن يثير ذلك بعض التفاؤل، نظرا لأن تعقد الأمور ووصولها إلى الحافة يجلب خلفه احتمالات الجلوس خلف طاولة المفاوضات، ولكن ما يجري على أرض الواقع يشير إلى أن هذه اللحظة بعيدة أو تكاد تكون منعدمة، وكانت موسكو تعول منذ بداية الحرب على أنها ستكون نزهة سريعة تنتهي بالتفاوض، ولكن حدث العكس، هذا على الرغم من أن أي حرب، بما في ذلك الحروب العالمية السابقة، انتهت بالتفاوض، ولكن كان ذلك على أساس الأمر الواقع على الأرض، هذه الحرب أيضا ستنتهي بشكل عام بالتفاوض، لكن على الأمور أن تأخذ مداها على الأرض أولًا، ويبدو أن هذا المدى سيطول كثيرا وسيكون مؤلما للجميع، وعلى رأسهم روسيا التي تواجه عقوبات غير مسبوقة وحرمانا من التقنيات الرفيعة وحالة من الانغلاق والتقوقع، بصرف النظر عن الحملات الإعلامية والأخبار الملتوية وصور المسئولين الروس إلى جانب مسئولي الدول الأخرى والتي يتم استخدامها لإثبات عدم عزلة روسيا، لكن الواقع والمواقف في المحافل الدولية تشير إلى العكس تماما، ومن ضمن ذلك عمليات التصويت على إدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والقرارات الجماعية في مجموعة العشرين على سبيل المثال. 

روسيا تتحدث عن مفاوضات غير مشروطة

وتابع الصباغ: «ما نملكه على الأرض حاليا، هو أن روسيا تتحدث عن مفاوضات غير مشروطة، ولكن بشرط أن تنسى أوكرانيا شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا إلى قوامها، إضافة إلى شروط أخرى من قبيل حياد أوكرانيا ونزع سلاحها تماما وتغيير نظام الحكم فيها، كما أن أوكرانيا تتحدث عن المفاوضات بدون شروط، ولكن بشرط خروج جميع القوات الروسية من جميع الأراضي الأوكرانية، وتعوض أوكرانيا، ومحاكمة الذين أمروا بإشعال الحرب، بينما الغرب يريد إعادة روسيا إلى وضعها كوريثة للاتحاد السوفيتي المهزوم في الحرب الباردة، وليس كدولة تحاول إملاء شروط معينة وكأنها دولة منتصرة في حرب ما، وكذلك ضمان عدم تكرار ما حدث في أوكرانيا».

واختتم الصباغ تصريحاته قائلا: "لدينا ثلاثة مواقف مختلفة، يتوافق فيها اثنان مقابل الموقف الروسي، ما يعني أن الحرب ستطول، ولا يمكن استبعاد أي احتمالات، لكن على المديين القريب والمتوسط لن يكون هناك أي استخدام للأسلحة النووية أو الكيماوية، لأن لا روسيا استخدمت كل أسلحتها التقليدية، ولا الغرب زود أوكرانيا بكل الأسلحة التقليدية القادرة على حفظ توازن القوى واستنزاف روسيا تدريجيا حتى الوصول إلى النقطة التي يمكن التفكير عندها بالجلوس خلف طاولة المفاوضات، وإلى أن يحدث ذلك، ستتطور المستويات والمراحل النوعية للعمليات العسكرية، وستظهر مؤشرات الانتقام على أسس دينية وعرقية، وترويج السرديات والمغالطات التي تخفي أهدافا أخرى تماما، وإغراق وسائل الإعلام بالتزييف والتضليل، ومحاولات إبعاد الأنظار عن المشكلة الحقيقية وغزو روسيا لأوكرانيا، وسيتزايد الكلام عن الحروب النووية والإشعاعية والكيماوية والبيولوجية، سعيا لفرض أمر واقع ومعالجة الأسباب والنتائج وليس الأسباب والدوافع الأساسية.