«فم مفتوح يمتلئ باللعاب.. يكشّر عن أنيابه إذا اقترب أحد من مكانه وعيونه تبدأ في الاحمرار، طليق يفتك بمن حوله دون رقابة عليه، ويستمتع صاحبه بما يشاهده فهو السبب في تحوله إلى وحش كاسر».. سيناريو ليس بعيدًا عن الواقع وإنما ظاهرة باتت تنتشر بين مربي الكلاب حيث يلجأون إلى تشريسها اعتقادا منهم أنه بذلك يحمي نفسه وأسرته.

تحول الأمر من مجرد تدريب لأنواع الكلاب على طاعة أوامر صاحبها إلى بيزنس يسمى «تشريس الكلاب».

«الدستور» اخترقت هذا العالم ووجدنا أن هناك مجموعة من الشباب يديرون هذا العمل في مزارع خاصة بهم، وآخرون في شقق سكنية وهبوها لهذا الغرض، وينتج عن فعلهم حوادث تؤدي إلى الوفاة في عدد من الحالات، في ظل غياب الرقابة من الهيئة العامة للخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة.

مؤخراً أثارت قضية كلب الإعلامية أميرة شنب جدلا على السوشيال ميديا، بعد أن هاجم كلبها أحد جيرانها الذي تم نقله إلى المستشفى في حالة حرجة، وتوقف قلبه ودخل في غيبوبة تامة. 

وأكدت زوجة الضحية بحسب ما قالت في تصريحات تلفزيونية أنّ الكلب من نوعية «بيتبول» المحظور استيراده دولياً، وأنه كان دائم الإزعاج، منوهة بأنّ نجلها أسرع لإيقاظ ابن الإعلامية أميرة شنب، الذي تمكن في النهاية من تخليص الضحية من هجوم الكلب وذهب إلى المستشفى لكنه دخل في غيبوبة بعد توقف قلبه لـ 30 دقيقة كاملة، «أصبح فصله عن أجهزة التنفس الصناعي أمرا مستحيلا ما يصعب نقله من المستشفى».

«محمد» ضحية كلاب «قاض»

في 24 فبراير 2019 «محمد» طفل صغير يجول في شوارع «مدينتي» بالقرب من منزله، ليُفاجأ بهجوم كلبين عليه أثناء سيره في الشارع، أصابا جسده الصغير بإصابات بالغة، بعدما نهش الكلبان جسده، إلى أن ظن والده أن الطفل انتقل إلى رحمة الله، ولكن يشاء القدر أن سيدتين تمكنتا من إنقاذ الطفل في اللحظات الأخيرة.

إيهاب سماحة، والد الطفل، يروي أن الكلبين تعود ملكيتهما إلى مستشار قاضٍ، وحاول في البداية ترضية الأب ببعض الحلوى، إلا أن الأب رفض ذلك، لأن الكلبين ليست الواقعة الأولى لهما في نفس الحي، ورغم إجراء محاضر وقضايا ضد تواجد هذين الكلبين في الحي الراقي، لكن النهاية واحدة وهي التصالح، والسبب منصب القاضي الذي يُنهي من خلاله أي مشكلة تواجهه.

بحسب أحدث إحصائيات وزارة الصحة والسكان عام 2018، تم تسجيل أكثر من 482 ألف حالة عقر للمواطنين، ويوجد 300 مركز فقط لعلاج عقر الكلاب في جميع المحافظات المصرية، وبحسب الموقع الرسمي للهيئة العامة للخدمات البيطرية، فإنها قامت بترخيص 30 ألف كلب، لا تزال مصر فيها أكثر من 6 ملايين كلب من السلالات الأجنبية، بحسب إحدى جمعيات الرفق بالحيوان.

مغامرة «الدستور» مع أحد مدربي الكلاب المشرسة: خصصت 3 غرف لها

في مغامرة لـ«الدستور» مع بعض القائمين على بيزنس تشريس الكلاب، كشفنا فيها أماكن تلك التدريبات وأسعارها، حيث (م. ف) أحد المدربين يقطن في منطقة شبرا، قال إنه يقوم بتربية أشرس أنواع الكلاب في العالم لدرجة أن كلبين فقط من هذا النوع يستطيعان أن يفتكا «بأسد» وهو نوع الـ«Rottweiler»، كاشفًا أنه قام بتخصيص 3 غرف في مسكنه لتربيتها.

وعن الآليات المستخدمة في هذه العملية، قال: «التشريس يتمثل في 4 أساليب خطيرة، وتشمل حبس الكلب في قفص حديد أو ربطه بسلسلة داخل الجزء المخصص له في المنزل، وعدم إطعامه لفترات طويلة، وضرب الكلب بشكل متكرر ومؤذٍ، إضافة إلى حرمانه من اللهو مع صاحبه أو من يحيطون به من بشر وحيوانات أخرى؛ أيضاً هناك دروس في الطاعة يتم تدريب الحيوانات عليها لطاعة صاحبها، وبهذه الطريقة يهجم الكلب على من يقترب منه، ولا يمتثل لأي أوامر سوى الهجوم على من اقترب منه».

وأوضح أن سعر الكورس سواء طاعة أو تشريس يبلغ 2500 جنيه أو أكثر حسب النوع ومدة التدريب التي يحتاجها الكلب ونسبه ذكائه.

طبيب بيطري: التشريس يصيب الكلب بأمراض نفسية وجسدية

وعن الأضرار التي يتسبب فيها ذلك التشريس، حدثنا الدكتور مصطفى رمضان، طبيب بيطري، قائلا إن هذا النوع من التدريب يصيب الكلاب بمرض نفسي تجعل صاحبها يفقد السيطرة عليها، وأيضًا يصيب الكلب أمراض عضوية منها مشاكل المفاصل، والغدد، والصرع، أو مشاكل في الجهاز العصبي، لذا في حالة تحول الكلب فجأة إلى هذا الشكل من الشراسة يجب استدعاء الطبيب فورًا.

«محاولات التشريس نقمة على صاحبه»، بتلك الجملة أوضح «رمضان» خلال حديثه لـ«الدستور» أن الاتجاه إلى تشريس الكلب بدعوى حماية صاحبة من أي اعتداءات عليه باطلة، لأن استخدام أساليب التشريس تؤدي إلى تعريض صاحب الكلب نفسه للأذى، لأنه يصبح لديه تحفز دائم للهجوم على أي شخص حتى لو صاحبه، ضاربًا المثل بـ عندما يكون الكلب ممسكًا بشىء في فمه كلعبة مثلًا ويقترب صاحبه منه، فإن الكلب يخرج عن سيطرة صاحبه، ولا يمكن منعه.

وتابع أنه هذا النوع من التشريس يجعل الكلب يمر بمشكلات صحية ونفسية كبيرة قد تصل إلى موته، أما تشريس الكلب مع خبراء التدريب يضمن تعليم الكلب الشراسة دون مشكلات، حيث يتم تدريبه وفق خطط تناسب الكلب، ويتعلم طاعة صاحبه والمهاجمة لكن بشكل غير مؤذِ أو يتسبب في عاهات مستديمة للمعتدى عليه.

مزرعة كلاب مشرسة بالقاهرة تفتك بسيدة

محمود جودة، شاهد عيان على إحدى مشرسي الكلاب، يقطن بأحد أحياء القاهرة، في خلفية منزله تقع مزرعة كاملة من الكلاب من نوعية «Rottweiler» وهي من أشرس أنواع الكلاب، يقوم صاحب المزرعة بتشريس تلك الكلاب، يصفها بـ«المشهد المأسوي»، حيث تظل الكلاب حبيسة لفترة طويلة لا تأكل ولا تلعب مع صاحبها، فقط ضرب متكرر له، والنتيجة أن أصبح أي كلب منها قادر على فتك أي شخص يراه أمامه.

ويروي «جودة» أن كلبا نجح في التحرر من محبسه وهاجم سيدة، واصفًا المشهد: «لقى ست في وشه حرفيًا فصص لحمها قدامنا»، وحاول رجال من المنطقة تخليصها منه بالضرب، فما زاده ذلك إلا شراسة، واضطر صاحب المزرعة في النهاية إلى ضربه بالنار.

ووجه رسالة في النهاية قائلًا: «تشريس الكلاب جريمة يجب أن يكون له عقوبة قانونية، لأن منفذها يتسبب في تشويه نفسية كائن حي بالشكل الذي يجعله عدوانيًا يهجم على أي أحد دون سبب».

طبقا لاشتراطات الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، بشأن تحصين الكلاب والتراخيص المستخرجة للكلاب، تتولى مديرية الطب البيطري في كل محافظة منح رخصة الكلاب، من خلال حلقة معدنية صغيرة تعلق في الطوق الخاص بالكلب، تعفي صاحبه من المساءلة القانونية التي يمكن التعرض لها في حالة اعتداء الكلب على آخرين، بالإضافة إلى المطالبة بتعويض في حالة قتل الكلب من قبل أي شخص بما في ذلك الدوريات الشرطية، وتلك الإجراءات لا تلتزم بها أصحاب الكلاب رغم كونها شرسة.

نهى: جارتي قفز عليها كلب واحتار الأطباء في علاجها

في مارس من العام الماضي، وقعت حادثة جديدة في إحدى المناطق الراقية هي Uptown Cairo، ترويها نهى الشيتي، حيث تعرضت جارة لها أثناء مشيها مع ابنها وحفيدها إلى هجوم من كلب من نوعية «Rottweiler»، واصفة المشهد: «جارتي اتعرضت للالتهام مش للعض بس».

بداية المشهد كانت عند مشي الجارة وابنها وحفيدها في «الكومبوند» فإذا بكلب «Rottweiler» يقفز من سور منزل ارتفاعه يسمح بالقفز، مهرولًا نحوهم وأوضعها والتهم رجلها، وأثناء دفاع ابنها عنها كُسرت يده ويحتاج الآن لعمليات جراحية لعلاجها، أما الجارة فتم نقلها للمستشفى واحتار الأطباء في علاجها، واصفين وضعها بـ«الكارثي» لذا تم إرسالها للمنزل لعدم استطاعتهم إجراء عملية الآن لها لسوء الوضع ووجوب انتظار تكوين أنسجة جديدة.

وبنبرة غضب واستنكار، تحدثت «نهى» أنه رغم التقدم ببلاغ ضد الكلب وصاحبه لم يحدث أي رد فعل يرد لتلك السيدة وابنها حقهم، فكانت المفاجأة أنه بعد القبض على صاحب الكلب خرج بكفالة!

لم ينص القانون على مادة تتعلق بتربية الكلاب الشرسة، ولا يفرض عقوبة على امتلاك حيوان غير مرخص إلا في حالة ارتكابه جريمة.

محام: اقتناء كلب بلا ترخيص قد يعرض صاحبه للإعدام

ومن الناحية القانونية، كان لنا حديث مع أشرف عادل المحامي، الذي أوضح أن اقتناء كلب دون ترخيص يعرض صاحبه للاتهام بجنحة إهمال وإذا أضر الكلب أي شخص فإنه صاحبه يعاقب بالحبس وتعويض المتضرر بما تسبب له في أضرار، كذلك يمكن اتهامه بإرهاب الناس وسيعاقب جنائيا بالحبس لمدة قد تصل إلى 3 سنوات والغرامة بالإضافة إلى التعويض، ويمكن توجيه له اتهام بالشروع في القتل أو إحداث عاهة أو غيره، وهنا تصل العقوبة إلى الإعدام إذا قام صاحب الكلب بإطلاق كلبه على أحد فقتله، لأنه في هذه الحالة استخدم الكلب كأداة قتل بالتالي يعد قتل عمد.

وأوضح «عادل» في حديثه لـ«الدستور» أن القانون رقم ‏60‏ لسنة ‏1948‏ المتعلق بمراقبة الحيوان الشرس أعطى الحق لجمعية الرفق بالحيوان في ضبط أي حيوان تقر بضرره على الآخرين، وإيداعه في مصحة للحيوانات‏‏ أو لدى صاحبه‏‏ أو تعدمه إذا تعثر علاجه بأي شكل، ولا تعويض يُقدم لصاحبه عن ذلك إذا ثبت أنه ضار بالغير‏.‏

ناشطة بحقوق الحيوان: الكلاب لا حيلة لها

في الجزء الثاني من سطور تحقيقنا انتقلنا إلى الجهات المسئولة عن مراقبة تلك الأوضاع، كانت بدايتها مع نشطاء حقوق الحيوان، والتي حدثتنا فيه ناشطة حنان دعبس، صاحبة ملجأ لحماية ورعاية كلاب وقطط الشوارع، فقالت إن تشريس الكلاب تحول لبيزنس لدى بعض المدربين ورغبة من بعض الشباب في فرض سيطرتها على آخرين؛ فهناك متابعة لحالات تشريس الكلاب أو الحوادث الناتجة عنها في ظل عدم وجود قانون يحمي هذه الحيوانات من قسوة الإنسان.

وبنبرة أسى، تابعت «دعبس» حديثها لـ«الدستور»: «صاحب الكلب يجيز له القانون استخدام كلبه كيفما يشاء، فهو بمثابة الكرسي لا حيلة له ولا قوة؛ مؤكدة أننا شعب ليس لدينا ثقافة حب الحيوانات؛ وخير دليل على ذلك ما يحدث في سوق السيدة عائشة من مراهنات ومصارعة للكلاب بشكل وحشي».

وتحدثت عن حالة الكلاب التي تستقبلهم في الشلتر الخاص بها أنها شبه ميتة وأحياناً تنزف من شدة وضراوة الصراع؛ وترى أن الإنسان القادر على أذية حيوان وقتله قادر على أذية إنسان وقتله بلا رحمة لأنه سيكون مجرم في طور الإنشاء.

عضو نقابة البيطريين: هناك أنواع قاتلة تدخل إلى مصر دون رقابة

وانتقلنا في الحديث بعدها إلى الدكتورة شيرين زكي، عضو مجلس نقابة البيطريين، التي أكدت أن حوادث عقر الكلاب المشرسة موجودة ومتكررة من حولنا، لكنها ستظل قائمة بسبب غياب الرقابة، مشيرة إلى أنه يتم الترويج للمزارع الخاصة بتربية الكلاب من السلالات الشرسة بأسعار ضخمة، وسلالات تلك الكلاب الشرسة مثل كلب الكوكيجن القاتل، حيث يدخل إلى مصر في غياب تام للرقابة، مطالبة بمنع استيرادها تمامًا، مستنكرة عدم وجود الضبطية القضائية لديهم لمهاجمة المنازل التي تقتنى تلك الحيوانات الشرسة.

«الكلاب بطبيعتها حيوانات أليفة ومطيعة»، بتلك الكلمات تابعت «زكي» حديثها بنبرة غاضبة، لأن تلك الحيوانات الأليفة تتحول إلى وحوش كاسرة تهاجم الناس بلا سبب، لأن مربيها من مدومي الضمير يقومون بتشريسها من خلال عقابها وحبسها لفترات طويلة وتدريبها على الشراسة ومهاجمة أي حد.

وأوضحت أن القانون ينص على ضرورة أن يتحرك أي شخص بصحبة كلبه أن يكون مربوطا بسلسلة ومقنعًا بواقي الفم، وأن تكون رخصة الكلب معلقة في رقبته، مشيرة إلى أنه في حالة عض الكلب شخص دون أن يقتله ستكون النتيجة عاهة مستديمة وأمراض نفسية لا حصر لها بسبب رهبة الوضع أثناء هجوم الكلب.

مدير هيئة الطب البيطري: تشريس الكلاب يصيبهم بأمراض صحية ونفسية

محطتنا الأخيرة كانت مع الدكتور إبراهيم محروس، مدير هيئة الطب البيطري، أكد أن معظم من يقوم بتشريس حيواناتهم يكون بغرض الحراسة ولكن ذلك ليس مبرر للتشريس، لأن الكلاب بطبيعتها النباح على الأغراب، ولكن هناك تدريبات لأنواع معينة من الكلاب لزيادة مهاجمته للأغراب وزيادة قوة عقره.

وكشف في حديثه مع «الدستور» أن نقابة البيطرين تم الزج بها مؤخرًا في محاربة الكلاب الشرسة والضالة دون التطرق للمهمة الأساسية وهي معالجة الكلاب المريضة، مؤكدًا أنه لا بد للدولة أن تسن قانون لحماية الحيوان من هذه الأفعال الخاطئة التي قد تصيب الحيوان بأمراض نفسية وصحية جسيمة نتيجة التشريس الخاطئ الذي قد يعتمد على التجويع أو الضرب أو الحبس في غرفة مظلمة.

طبقا للهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، بلغت الأعداد المحصنة خلال العام 2019 قرابة 3271 كلبًا، وتقدر الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة عدد الكلاب المرخصة بـ35 ألف كلب على مستوى الجمهورية.