بلاغ الخطايا البنكيرانية ينازع الملك في صلاحياته ويطعن في أولوية القضية الوطنية


البلاغ الصادر عن الديوان الملكي حول موقف حزب العدالة والتنمية المنتقد لعمل وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، واتهامه بالدفاع عن إسرائيل في القارة الإفريقية، يضع الأصبع على الداء، ويصف سلوكات حزب بنكيران بما يلزم من التوصيف الدقيق: “مزايدة سياسوية وحملة انتخابية ضيقة وابتزاز وأجندة حزبية داخلية”. فَالحزب الذي يعيش مرحلة السقوط الحر منذ النكسة التي عاشها في انتخابات 2021 التشريعية أدخلته في مرحلة صدمة طويلة، لا يزال يعيش تداعياتها إلى يومنا هذا. لكن أهم ما انتبه إليه بلاغ الديوان الملكي في هذا الرد القوي هو التذكير الضروري واللازم بأن “السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص جلالة الملك، نصره الله، بحكم الدستور، ويدبره بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية”.

منازعة الملك في صلاحياته التي تعاقدت عليها الأمة، وعرفت منذ استقلال المغرب تدافعا أفضى في النهاية إلى توافق بين مختلف الهيئات الحزبية والمؤسسة الملكية، هو صلب هذا الموقف الذي صدر عن حزب العدالة والتنمية في بلاغه الأخير حول علاقات المغرب الخارجية، وبالضبط حول ملف التطبيع مع إسرائيل. هذا البلاغ الصادر عن أمانة بنكيران هو نموذج حي للانفصام والخطاب المزدوج الذي يتقنه هذا الحزب، والذي يدعي أمينه العام باستمرار في خرجاته الإعلامية دفاعه المستميت عن الصلاحيات الملكية، وعن إيمانه بملك يحكم ويسود، بينما يحاول بين الفينة والأخرى من خلال هذه البلاغات المسمومة الطعن في المقتضيات الدستورية والعرفية والتاريخية التي تضع ملف تدبير الشؤون الخارجية في نطاق السيادة الملكية الخالصة.

في هذا السياق كان لا بد أن يوضح الديوان الملكي في رده الحازم أن “السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص جلالة الملك، نصره الله، بحكم الدستور، ويدبره بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية”. وبغض النظر عن التوضيحات التي تضمنها البلاغ عن السياق التاريخي والدبلوماسي الذي جاء فيه الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، تبدو هذه المسألة الخاصة بتطفل حزب العدالة والتنمية على الصلاحيات الخاصة بالمؤسسة الملكية أمرا غاية في الخطورة، لأنها تعيد المشهد السياسي لبلادنا إلى نقطة تجاوزها منذ أكثر من عقدين من الزمن، عندما تحققت المصالحة التاريخية بين الملك والمعارضة، ودخلت بلادنا في مرحلة من التغيير والدمقرطة الهادئة والعميقة.

هذا يعني أن عبد الإله بنكيران الذي “يكوي ويبخّ” كما يقول المثل المغربي، لم يكن بالضرورة يقصد من خلال هذا البلاغ ومن خلال خرجاته الإعلامية الأخيرة انتقاد وزير الشؤون الخارجية، وإنما توجيه النقد للدائرة الملكية، لأنه أول من يعلم أن ناصر بوريطة يتصرف انطلاقا من التوجيهات الملكية المباشرة ووفقا للنهج الملكي القائم على توازن دقيق بين المصلحة الوطنية والالتزامات القومية والإسلامية لبلادنا. قيادة حزب العدالة والتنمية، الذي دخل مرحلة الانقراض التدريجي منذ صدمة انتخابات 2021، تعلم أن القضية الوطنية هي أولى الأولويات ولا يوجد قبلها أي ملف بما في ذلك القضية الفلسطينية، التي تحظى بمكانة اعتبارية سامية لدى جلالة الملك باعتباره رئيسا للجنة القدس.

ومن مظاهر الانفصام، أو حتى النفاق السياسي، الذي يعبّر عنه عبد الإله بنكيران وحزبه في هذا الموقف الجديد تجاهل مسؤولية الحزب وأمينه العام السابق سعد الدين العثماني عن إنجاح مبادرة استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل في اللقاء التاريخي الذي تم خلاله توقيع الاتفاقية في 10 دجنبر 2020. لقد كان توقيع سعد الدين العثماني على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل إلى جانب كل من مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، ومئير بن شبات، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أكبر دليل على المسؤولية السياسية والتاريخية لحزب العدالة والتنمية عن المساهمة في عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية إلى طبيعتها. لماذا لم يمتنع حزب العدالة والتنمية في شخص أمينه العام السابق حينها عن المشاركة في هذا التطور الدبلوماسي الهام؟

بلاغ حزب العدالة والتنمية ضد قرارات ومواقف وزير الشؤون الخارجية إذاً يمكن أن يوصف بأنه بلاغ الخطايا التي لا حصر لها. منازعة صريحة للملك في نطاق سيادته الدستورية والتاريخية على تدبير الشؤون الخارجية، وطعن في أولوية قضية الوحدة الترابية للمغرب باعتبارها القضية الأولى لا قضية قبلها، ونفاق سياسي خالص يتنصل فيه الحزب من مساهماته والتزاماته السابقة التي كان فاعلا أساسيا فيها وشاهدا فعليا عليها. وما دامت هذه الخطايا قد تحوّلت إلى سلوك ممنهج منذ خروج الحزب من نطاق التدبير والسلطة إلى هامش المعارضة الكاريكاتورية، فقد كان لا بد أن يصدر الديوان الملكي بلاغا بهذا الحزم وتلك الصرامة لوضع حزب العدالة والتنمية في حجمه الحقيقي وأمام مسؤولياته التاريخية من جديد.

تاريخ الخبر: 2023-03-13 21:25:52
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

الدار البيضاء تستعد لتنظيم "أيام التراث" في نسختها 13

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 12:25:46
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 67%

واشنطن تعلّق إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل بسبب "مخاوف" بشأن رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 12:26:11
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 62%

الدار البيضاء تستعد لتنظيم "أيام التراث" في نسختها 13

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 12:25:52
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

واشنطن تعلّق إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل بسبب "مخاوف" بشأن رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 12:26:05
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية