النساء‏.. ‏المنتصرات‏ ‏رغم‏ ‏الهزائم


حواء‏ ‏التي‏ ‏نكتب‏ ‏عنها‏ ‏في‏ ‏شهر‏ ‏مارس‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏عام‏ ‏احتفالا‏ ‏بانتصاراتها‏, ‏هي‏ ‏ذاتها‏ ‏حواء‏ ‏المطحونة‏ ‏المقهورة‏ ‏بين‏ ‏شقي‏ ‏رحي‏ ‏العمل‏ ‏والأسرة‏,‏النجاح‏ ‏العام‏ ‏والفشل‏ ‏الخاص‏, ‏التحقق‏ ‏والإنكار‏,‏أراها‏ ‏مهزومة‏ ‏رغم‏ ‏جولات‏ ‏الانتصار‏, ‏مناضلة‏ ‏تصارع‏ ‏الانكسار‏, ‏فمنذ‏ ‏أيام‏ ‏احتفل‏ ‏العالم‏ ‏في‏ ‏الثامن‏ ‏من‏ ‏مارس‏ ‏بانتصار‏ ‏النساء‏ ‏في‏ ‏سنة‏ 1856 ‏حينما‏ ‏خرج‏ ‏الآلاف‏ ‏منهن‏ ‏للاحتجاج‏ ‏في‏ ‏شوارع‏ ‏نيويورك‏ ‏علي‏ ‏الظروف‏ ‏إللا‏ ‏إنسانية‏ ‏التي‏ ‏كن‏ ‏يجبرن‏ ‏علي‏ ‏العمل‏ ‏تحتها‏, ‏وفي‏ ‏نفس‏ ‏اليوم‏ ‏من‏ ‏عام‏ 1908‏م‏ ‏عادت‏ ‏الآلاف‏ ‏من‏ ‏عاملات‏ ‏النسيج‏ ‏للتظاهر‏ ‏من‏ ‏عديد‏ ‏في‏ ‏شوارع‏ ‏مدينة‏ ‏نيويورك‏ ‏حاملات‏ ‏الخبز‏ ‏اليابس‏ ‏وباقات‏ ‏الورود‏, ‏مطالبات‏ ‏بتخفيض‏ ‏ساعات‏ ‏العمل‏ ‏ووقف‏ ‏تشغيل‏ ‏الأطفال‏ ‏ومنح‏ ‏النساء‏ ‏حق‏ ‏الاقتراع‏,‏استمر‏ ‏النضال‏ ‏حتي‏ ‏أصدرت‏ ‏منظمة‏ ‏الأمم‏ ‏المتحدة‏ ‏سنة‏1977 ‏قرارا‏ ‏يدعو‏ ‏دول‏ ‏العالم
‏ ‏إلي‏ ‏اعتماد‏ ‏أي‏ ‏يوم‏ ‏من‏ ‏السنة‏ ‏يختارونه‏ ‏للاحتفال‏ ‏بالمرأة‏, ‏فقررت‏ ‏الدول‏ ‏اختيار‏ ‏الثامن‏ ‏من‏ ‏مارس‏ ‏ليتحول‏ ‏إلي‏ ‏رمز‏ ‏لنضال‏ ‏المرأة‏.‏
وفي‏ ‏السادس‏ ‏عشر‏ ‏من‏ ‏نفس‏ ‏الشهر‏ ‏يأتينا‏ ‏انتصار‏ ‏المرأة‏ ‏المصرية‏, ‏تخليدا‏ ‏لدورهاضد‏ ‏الاستعمار‏ ‏البريطاني‏ ‏خلال‏ ‏ثورة‏ 1919, ‏حيث‏ ‏تظاهر‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ 300 ‏سيدة‏ ‏بقيادة‏ ‏المناضلة‏ ‏المصرية‏ ‏هدي‏ ‏شعراوي‏,‏ضد‏ ‏جنود‏ ‏الاحتلال‏ ‏البريطاني‏ ‏الذين‏ ‏أطلقوا‏ ‏الرصاص‏ ‏عليهن‏, ‏مما‏ ‏أسفر‏ ‏عن‏ ‏سقوط‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏الشهيدات‏,‏وبعد‏ ‏هذه‏ ‏الملحمة‏ ‏التاريحية‏,‏تم‏ ‏الإعلان‏ ‏عن‏ ‏تأسيس‏ ‏أول‏ ‏اتحاد‏ ‏نسائي‏ ‏في‏ ‏مصر‏, ‏بقيادة‏ ‏هدي‏ ‏شعراوي‏ ‏في‏ ‏يوم‏ ‏المرأة‏ ‏المصرية‏ 16 ‏مارس‏ 1923, ‏واستمرت‏ ‏مسيرة‏ ‏النضال‏, ‏لكنها‏ ‏لم‏ ‏تسفر‏ ‏عن‏ ‏تغيير‏ ‏في‏ ‏الذهنية‏ ‏التي‏ ‏تتعامل‏ ‏مع‏ ‏المرأة‏ ‏باعتبارها‏ ‏كائنا‏ ‏تحت‏ ‏الوصاية‏ ‏علي‏ ‏عدة‏ ‏مستويات‏ ‏أهمها‏ ‏الشخصي‏ ‏والتشريعي‏.‏
هذه‏ ‏الانتصارات‏ ‏رغم‏ ‏مرورنا‏ ‏علي‏ ‏عتبات‏ ‏الألفية‏ ‏الثالثة‏ ‏مازالت‏ ‏منقوصة‏,‏فبعض‏ ‏الأوضاع‏ ‏تشير‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏المرأة‏ ‏لم‏ ‏تحصل‏ ‏علي‏ ‏المساواة‏ ‏بعد‏, ‏بل‏ ‏أنها‏ ‏لم‏ ‏تحصد‏ ‏من‏ ‏نضالها‏ ‏سوي‏ ‏مزيد‏ ‏من‏ ‏المسئوليات‏ ‏تحت‏ ‏لافتة‏ ‏الإنصاف‏,‏ذلك‏ ‏الإنصاف‏ ‏الغائب‏ ‏عن‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏التشريعات‏ ‏التي‏ ‏تتجاهل‏ ‏حقوق‏ ‏المرأة‏,‏خاصة‏ ‏المتعلق‏ ‏منها‏ ‏بالأحوال‏ ‏الشخصية‏, ‏فكيف‏ ‏للمرأة‏ ‏أن‏ ‏تنتصر‏ ‏في‏ ‏معارك‏ ‏سياسية‏ ‏وهي‏ ‏مهزومة‏ ‏في‏ ‏معركتها‏ ‏الشخصية؟‏! ‏فطبقا‏ ‏لاتفاقية‏ ‏القضاء‏ ‏علي‏ ‏جميع‏ ‏أشكال‏ ‏التمييز‏ ‏ضد‏ ‏المرأة‏, ‏التابعة‏ ‏للأمم‏ ‏المتحدة‏,‏لاتزال‏ ‏الأطر‏ ‏القانونية‏- ‏لعدد‏ ‏من‏ ‏الدول‏ ‏الأطراف‏ ‏في‏ ‏اتفاقية‏ ‏مناهضة‏ ‏التمييز‏ ‏ضد‏ ‏المرأة‏ ‏تنص‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏قوانين‏ ‏الأحوال‏ ‏الشخصيةالمتصلة‏ ‏بالزواج‏ ‏والطلاق‏ ‏وتوزيع‏ ‏ممتلكات‏ ‏الزوجية‏ ‏والميراث‏ ‏والوصاية‏ ‏والتبني‏ ‏وما‏ ‏إلي‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏أمور‏ ‏مستثناة‏ ‏من‏ ‏الخضوع‏ ‏للأحكام‏ ‏الدستورية‏ ‏التي‏ ‏تحظر‏ ‏التمييز‏,‏أو‏ ‏تجعل‏ ‏مسائل‏ ‏الأحوال‏ ‏الشخصية‏ ‏من‏ ‏اختصاص‏ ‏الطوائف‏ ‏العرقية‏ ‏والدينية‏ ‏داخل‏ ‏الدولة‏ ‏الطرف‏ ‏كي‏ ‏تقررها‏,‏وفي‏ ‏هذه‏ ‏الحالات‏ ‏لاتتواجد‏ ‏الأحكام‏ ‏الدستورية‏ ‏المتعلقة‏ ‏بتوفير‏ ‏الحماية‏ ‏علي‏ ‏قدم‏ ‏المساواة‏ ‏ومكافحة‏ ‏التمييز‏ ‏الحماية‏ ‏للمرأة‏ ‏من‏ ‏الآثار‏ ‏التمييزية‏ ‏للزواج‏ ‏في‏ ‏ظل‏ ‏الممارسات‏ ‏العرفية‏ ‏والشرائع‏ ‏الدينية‏, ‏واعتمدت‏ ‏بعض‏ ‏الدول‏ ‏الأطراف‏ ‏دساتير‏ ‏تتضمن‏ ‏أحكاما‏ ‏لتوفير‏ ‏الحماية‏ ‏علي‏ ‏قدم‏ ‏المساواة‏ ‏وعدم‏ ‏التمييز‏ ‏ولكنها‏ ‏لم‏ ‏تنقح‏ ‏أو‏ ‏تعتمد‏ ‏من‏ ‏التشريعات‏ ‏ما‏ ‏يزيل‏ ‏الجوانب‏ ‏التمييزية‏ ‏لنظمها‏ ‏القانونية‏ ‏المتعلقة‏ ‏بالأسرة‏, ‏وهي‏ ‏الأمور‏ ‏التي‏ ‏تؤثر‏ ‏علي‏ ‏الزواج‏ ‏وكل‏ ‏ما‏ ‏يتبعه‏ ‏من‏ ‏نتائج‏ ‏مثل‏ ‏الطلاق‏ ‏ثم‏ ‏الحق‏ ‏في‏ ‏الحضانة‏ ‏وفي‏ ‏الميراث‏ ‏وما‏ ‏إلي‏ ‏ذلك‏, ‏وكنتيجة‏ ‏للاعتماد‏ ‏علي‏ ‏الشرائع‏ ‏الدينية‏ ‏في‏ ‏مسائل‏ ‏الأحوال‏ ‏الشخصية‏,‏فإننا‏ ‏نلاحظ‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏القوانين‏ ‏تكرس‏ ‏التمييز‏ ‏بين‏ ‏المواطنين‏ ‏والمواطنات‏ ‏في‏ ‏الحقوق‏.‏
الأمر‏ ‏الذي‏ ‏دعا‏ ‏مؤسسة‏ ‏قضايا‏ ‏المرأة‏ ‏لوضع‏ ‏مشروع‏ ‏قانون‏ ‏للأحوال‏ ‏الشخصية‏ ‏تراه‏ ‏منصفا‏ ‏للجميع‏, ‏إذ‏ ‏يراعي‏ ‏تفاصيل‏ ‏الأحوال‏ ‏الشخصية‏ ‏من‏ ‏الطلاق‏ ‏والنفقة‏ ‏والخلع‏ ‏والرؤية‏ ‏للأطفال‏, ‏والتفريق‏ ‏عند‏ ‏الطوائف‏ ‏متحدي‏ ‏الملة‏, ‏وحضانة‏ ‏الأم‏ ‏التي‏ ‏تحول‏ ‏زوجها‏ ‏من‏ ‏المسيحية‏ ‏إلي‏ ‏الإسلام‏, ‏لكن‏ ‏المقترح‏ ‏مازال‏ ‏حبيسا‏ ‏بسبب‏ ‏ما‏ ‏تشبع‏ ‏به‏ ‏المجتمع‏ ‏من‏ ‏ثقافة‏ ‏ذكورية‏ ‏كرست‏ ‏علي‏ ‏مدار‏ ‏عقود‏ ‏للصورة‏ ‏النمطية‏ ‏للعلاقة‏ ‏بين‏ ‏المرأة‏ ‏والرجل‏ ‏في‏ ‏مسائل‏ ‏الأحوال‏ ‏الشخصبة‏, ‏بكل‏ ‏ما‏ ‏يشويها‏ ‏من‏ ‏اختلال‏ ‏في‏ ‏الحقوق‏ ‏والواجبات‏, ‏ووضعت‏ ‏المرأة‏ ‏في‏ ‏موضع‏ ‏الهزيمة‏ ‏في‏ ‏معاركها‏ ‏الخاصة‏ ‏رغم‏ ‏انتصاراتها‏ ‏في‏ ‏ساحات‏ ‏العمل‏ ‏العام‏, ‏الأمر‏ ‏الذي‏ ‏ما‏ ‏عادت‏ ‏معه‏ ‏أساليب‏ ‏التأييد‏ ‏والاستمالة‏ ‏تصلح‏ ‏بلا‏ ‏تشريعات‏ ‏منصفة‏,‏تمثل‏ ‏الضمانة‏ ‏لتحقيق‏ ‏الإنصاف‏ ‏المستحق‏ ‏للمرأة‏ ‏في‏ ‏أدق‏ ‏تفاصيل‏ ‏حياتها‏ ‏الشخصية‏.‏

تاريخ الخبر: 2023-03-15 09:22:29
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

معركة بالأكياس بين الطلاب الأميركيين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:17
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 99%

مسؤول أمريكي: التوغل الحالي في رفح لا يمثل عملية عسكرية كبر

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:22:14
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

استراتيجية بايدن المتهورة قد تؤدي لحرب خطرة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:16
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 96%

عن مشروع اتفاق كباشي والحلو – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:23:05
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 70%

"سنحرق البلاد".. عائلات الأسرى يهددون نتنياهو ويطالبون بوق

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:22:09
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 66%

"لن يوجد يهودي آمن حتى يصبح الجميع آمنا"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 06:07:15
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 95%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية