أحمد مجاهد: تدريس الأدب مختلف عن فن النقد والتعليم أهم أسباب تراجع القراءة

الإعلام هو الأداة الأولى لاستعادة الاهتمام بالأدب والمسابقات التى لا تنشر الأعمال الفائزة فيها لا جدوى لها 

تواصل الدستور حواراتها حول أزمة النقد فى مصر وكيف يمكن أن يستعيد دوره فى اكتشاف المواهب والارتقاء بذائقة الجمهور.. فى هذا العدد تستضيف الدستور الناقد الدكتور أحمد مجاهد رئيس قسم الدراما والنقد بآداب عين شمس للحوار حول هذا الموضوع العام.. حيث يرى أحمد مجاهد أن أساتذة الجامعات المشتغلين بالنقد أحد أوجه الأزمة.. حيث يفتقر بعضهم للموهبة والثقافة اللازمتين لتكوين الناقد.. يُلقى مجاهد أيضًا باللائمة على المقطوعات الأدبية المقررة للتدريس على طلاب المدارس المختلفة، حيث تفتقر فى كثير منها للقيمة الأدبية وتعتمد على المجاملات والذائقة التقليدية ويتم استبعاد إنتاج كبار الشعراء والأدباء لحساب إنتاج بعض العاملين فى التربية والتعليم.. يرى مجاهد أيضًا أن الانفجار فى عالم النشر عبر وسائل التواصل ودور النشر الخاصة قد أدى لإرباك النقد وعجزه عن فرز الغث من السمين فى هذا الإنتاج الغزير.. فضلًا عن أن غياب السرديات الكبرى أدى لعدم وجود «مازورة» نقدية يقيس عليها النقاد الأعمال الأدبية، كما كان الحال فى زمن تسيد اتجاه أدبى واحد مثل الرومانسية ثم الواقعية بمختلف تجلياتها.. وعلى مستوى فن الشعر الذى تخصص فيه يرى مجاهد أن تحرير سيناء بعد حرب أكتوبر أنهى فكرة القضية العامة التى يتجمع حولها الشعراء ودفعهم للانكفاء على الذات وتقليد الشعر الأوروبى والتأثر غير الصحى بشعراء الغرب، ما أدى لاغتراب الشعر عن الواقع وتقلص جمهوره.. وهو يرى أن ثمة انتعاشًا فى القصيدة العامية حاليًا نتيجة سهولة فهمها وذيوعها عبر الفيديو المصور ووسائل التواصل.. يعتبر مجاهد أن الإعلام والتعليم هما الوسيلة الأساسية للارتفاع بالذائقة الأدبية ويرى أن الفن الذى سيصعد بقوة فى قادم الأيام هو فن المسرح بعد سنوات طويلة سيطر فيها فن الرواية..

■ يواجه النقد أزمة حاليًا فى النواحى المختلفة.. سواء النقد الأدبى أو السينمائى وغير ذلك من مجالات.. ما أسباب تلك الأزمة من وجهة نظرك؟

- الأسباب كثيرة جدًا، وأحد هذه الأسباب أن النقد موهبة وليس دراسة فقط.. وأكبر أزمة كانت تواكب النقد فى العصر الحديث هو أساتذة الجامعة، واعتقاد الجميع بأن كل أستاذ جامعى فى الأدب يصلح ناقدًا كبيرًا.. الجامعة تخرّج باحثًا أدبيًا ولا تخرّج ناقدًا. وبين الاثنين فارق كبير، عندما يخرج ناقد من بين أساتذة الجامعة فلأنه موهوب ولأنه ناقد بالفطرة، وليس لأنه أستاذ جامعى.. أستاذ الأدب قد يكون دارسًا وباحثًا أدبيًا عظيمًا.. ولكنه ليس ناقدًا بالضرورة.. وتاريخيًا كان هناك نقاد عظماء لم يكونوا أكاديميين مثل الناقد الكبير إبراهيم فتحى الذى كتب أهم كتاب عن نجيب محفوظ على حد شهادة الأستاذ نجيب نفسه، وهناك أمثلة أخرى كثيرة تؤكد أن النقد موهبة.. وليس دراسة فقط وتؤكد أن أعظم النقاد ليس بالضرورة أن يكونوا خريجى جامعة أو أعضاء هيئة تدريس فى كليات الآداب بمعنى أصح.

■ ما الأسباب الأخرى لتراجع النقد؟

- ثانى الأسباب أن المساحات النقدية المتاحة، تراجعت.. المساحة المسموح بها للنقد فى المجلات والإعلام بشكل عام حجمها ضئيل، والمساحة غير موجودة تقريبًا، وبالتالى هذا لا يشجع النقد، كنوع من أنواع الكتابة والمقابل المادى للمقالات النقدية ضعيف وكثير من المجلات النقدية المتخصصة لا تدفع مقابلًا للنقاد على الرغم من أن الذين يكتبون فيها من النقاد الكبار.

وكما قلنا من قبل، فقد تم تحويل الباحثين ودارسى الأدب إلى نقاد أدب وهذه ليست حقيقة، فالنقد الأدبى شىء والدارس الأكاديمى شىء آخر، وإن كان ممكنًا أن يجمع شخص بين الاثنين، فهناك نماذج مثل د. جابر عصفور ود. صلاح فضل وغيرهما من الموهوبين، وحتى لو الناقد موهوب وأكاديمى فهذا لا يغنيه عن أن يكون مثقفًا، وعندما نتحدث عن السينما مثلًا نجد أسماء كبيرة مثل سمير فريد وعلى أبوشادى وكمال رمزى، فهم ليسوا أكاديميين ولكن نقاد كبار وعندهم ثقافة عميقة لأن النقد موهبة وثقافة.

■ ما الأسباب الأخرى؟

- السبب الثالث مشكلة فى النقد ذاته كفن وعلم، لأن النقد لا بد أن يكون له منهج عام يتحرك فى إطاره، وعبر التاريخ وفى ظل الدورات الحضارية التى مر بها العالم نجد مثلًا أن المنهج الاجتماعى تصدر التيار العام الأدب والنقد فى فترة.. ثم ظهر مفهوم الالتزام السياسى على يد النقد الماركسى، ثم عاد فى مصر مع صعود القومية العربية والاشتراكية العربية، وصعد أكثر مع اشتعال الحرب ومعركة التحرر الوطنى، ويستمر هذا التيار النقدى مع ظهور الشعر الواقعى والنقد المواكب له، والمعنى أنه كان هناك دائمًا تيار عام شامل يحكم حركتى الإبداع والنقد مثل الرومانسية ثم الواقعية ثم أدب المعركة ونحن الآن نفتقد هذا، ونفتقد التيارات العامة الواحدة فى العالم كله وليس فى مصر فقط، وهذا من ضمن الأسباب التى جعلت النقد فى حالة ارتباك أنه لم يعد هناك تيار عام يمكن أن يزن الناقد العمل الأدبى عليه ويقول هل هو ملتزم بخصائصه أم لا.

■ ما الأسباب الأخرى لتراجع النقد؟

- هناك حالة تشظٍ وانفجار إبداعى.. مع الفيسبوك أصبح الجميع مبدعين، فى الماضى كانت منابر النشر محدودة وتنحصر فى مجموعة من الوسائل الرسمية مثل بعض دور النشر الحكومية، والخاصة المحدودة، فكان الإنتاج قليلًا يستطيع النقاد متابعته، الآن هناك ألف دار نشر جديدة تبدأ نشاطها كل عام وحجم ما يُنشر الآن فى ظل السماوات المفتوحة أكبر بكثير من أن يتابعه أحد، فحدثت حالة من الانفجار ولكنه انفجار فى النشر وليس فى الإبداع، فليس كل ما ينشر إبداعًا.. وهناك ظاهرة سلبية جدًا أحدثها الإنترنت فى مجال البحوث الجامعية.

فمعظم المعلومات الموجودة عليه عن مشاهير الأدباء مغلوطة، وعندما يأتى بها الطلاب ويضعونها داخل الأبحاث الجامعية نقول لهم إنها مغلوطة، ونلزمهم بالرجوع للمصادر الأصلية بعيدًا عن الإنترنت.

فأكثر الشعر المنسوب إلى صلاح عبدالصبور مثلًا على فيسبوك ليس شعره، ولكنه شعر منتحل، وهذا يحدث مع شعراء وأدباء كثيرين، فهذه المعلومات المغلوطة على الإنترنت تؤثر على الذائقة الأدبية وعلى تذوق الأجيال القادمة.

■ هل المسابقات وسيلة لاكتشاف المواهب الأدبية؟

- الإبداع شىء والمسابقات شىء آخر، والفارق أن بعض المبدعين الراسخين فى الإبداع يرون أن لهم قيمة كبيرة، وبالتالى لا يتقدمون لمسابقات الإبداع حتى وهم شباب فى بداية الطريق وإن كانت المسابقات أحيانًا تخرج مبدعين وأحيانًا تكون نافذة لاكتشاف الموهوبين. ولكن المسابقات فى الجامعات تقدم جائزة مادية فقط وهذا خطأ فلا يجب أن أقول للمبدع أنت مبدع جيد وخذ هذه الجائزة فقط، فجائزة المبدع أن أصل به للناس، فهناك طلبة موهوبون يحصلون على جوائز ثم يعودون إلى فصولهم وانتهت القصة، فى حين أن جائزة المبدع الحقيقى هى النشر، ولذلك لو أردنا شكلًا مثاليًا للمسابقات فلنقترح مسابقات تنظمها دور النشر الخاصة إذا استطاعت.. وكذلك دور النشر الحكومية وتكون الجائزة هى نشر العمل الفائز وهذه أعظم جائزة للمبدع.

■ هل هناك أسباب فكرية أو فلسفية لتراجع النقد مثل تراجع قيمة الجمال أو الذوق العام فى حياتنا أو عدم اهتمام الناس بفرز الجيد من غير الجيد أم أن هذه القضايا ليست لها علاقة مباشرة بأزمة النقد؟

- هى أساس أزمة النقد، لأن الناقد خارج من المجتمع، ويتأثر بحالته وذوق النقاد الشباب نفسه قد تجده الآن مشوشًا فى كثير من الأحيان، فالمعيار لم يعد جماليًا فقط، كما كان فى الماضى وأصبحت لدينا ظاهرة الشاعر التجارى الذى يقيم حفلات شعرية بتذاكر وليست أمسيات شعرية وأصبحت المسألة تعتمد على جماهيرية فيسبوك والقدرة على الإلقاء بغض النظر عن جماليات الشعر نفسه.

■ ما جذور هذه الأزمة؟

- أظن أن مناهج التعليم لدينا فيها مشكلة كبيرة لأن النماذج الشعرية والأدبية التى تدرس للطلاب فى مادة اللغة العربية من الابتدائى حتى الثانوى كفيلة بأن تجعل الطالب يكره الشعر والأدب العربى، لأن نسبة كبيرة من القصائد التى يدرسها الطلاب لموجهى لغة عربية ألفوا قصائد وقرروا على الطلاب دراستها، فى حين يغيب كبار الشعراء فى العصر الحديث فلا توجد قصيدة واحدة لأمل دنقل أو أحمد عبدالمعطى حجازى مثلًا، وكل شعراء العامية العظام مثل جاهين والأبنودى وحداد لا يوجد لهم نص واحد ولا يوجد نص شعرى واحد من تأليف امرأة، ولا يوجد حديث عن شاعرة ولا روائية واحدة فى كل المناهج، حتى الخنساء الشاعرة الجاهلية حذفوها من المناهج، ولا يتم تدريس نص واحد لأى أديب من جيل الستينيات ولا نص واحد لنجيب محفوظ إلا القليل جدًا، على سبيل ذر الرماد فى العيون.

■ ما أسباب تراجع الشعر لدينا حاليًا؟

- هناك أسباب متعددة، منها أن الشعر لم يعد ديوان العرب الآن بل الرواية، أنا شخصيًا أفضل الشعر عن الرواية كمتذوق للأدب، ولكن الواقع الآن أن الرواية تسبق الشعر، فقد أعددت دراسة لمعهد الشعر عن حال نشر الشعر فى مصر اكتشفت فيها بالأرقام أن أكبر دار نشر فى مصر لم يصدر فيها ولا ديوان شعرى واحد منذ سنوات طويلة، والمتعارف عليه حاليًا بين الناشرين أن الشعر أصبح لا يباع مطبوعًا فى شكل كتاب أو ديوان، فهذه نافذة انتشار أغلقت على الشعراء لأن لا أحد يطبع للشاعر أعماله.

■ هل التقصير من القارئ.. أم السبب عدم جودة المنتج الشعرى الراهن؟

- هناك أكثر من سبب لهذا التراجع، منها أن الشعر من بعد عام ١٩٧٣ دخل فى مرحلة أخرى مختلفة عما قبل الحرب، فقبل الحرب كان عندنا هم قومى مشترك يجذب إليه القصيدة جذبًا وبعد أن انتهى هذا الهم المشترك الذى هو تحرير الأرض، بدأ الشاعر المصرى ينغلق على ذاته ويعبر عن هموم ذاتية وليست همومًا جماعية تهم كل الناس، والإبداع الشعرى بطبيعته فيه قدر كبير من الذاتية ولكن بدأت بعض التيارات الشعرية ترسخ لفكرة أن تكون القصيدة مغلقة وفيها نوع من الغموض المقصود ولعلنا نتذكر الآن بعض المقولات التى بالغت فى عدم الاهتمام بالقارئ ومنها مثلًا مقولة «المتلقى حيوان»!!!

وهى عبارة قالها بعض شعراء السبعينيات تشرح لنا إلى أين وصل عدم الاهتمام بالمتلقى والعداء له، وكان الشاعر فى بعض الأوقات يفخر بأنه ليس له جمهور لأنه يعتقد أنه بقدر ما سيكون له جمهور سيكون شعره سوقيًا أو مبتذلًا حتى يفهمه الناس وهذا غير حقيقى بالطبع فالمبدع الكبير هو من يصل للكبير والصغير، ويخترق حاجز الثقافة واللغة ويصل مباشرة للقلب والعقل، فنقطة من النقاط التى أسهمت فى إقصاء الشعر من الساحة أن الشعراء ابتعدوا عن الناس فرد الفعل الطبيعى من الجمهور الكبير هو الانصراف عن الشعر.

■ وما سبب لجوء الشعر فى السبعينيات إلى الانعزال والاغتراب؟

- كان هناك سبب فنى يتعلق بالانبهار بالنموذج الغربى فى الشعر، والتأثر بترجمات الشعر الغربى حتى إن بعض الشعراء قلدوا بناء الجملة الأوروبية، والتركيبات الأجنبية للجمل بدأت تغزو الكتابة الشعرية العربية ويصبح هذا هو أسلوب الشعر العربى وساد نوع من أنواع التكلف والتقليد والتأثر بالشاعر الكبير أدونيس الذى كان النموذج المبدع المبهر الذى سار الناس على نهجه فى هذا التوقيت، ومؤخرًا قرأت له عبارة فى حديث له يقول فيه «يبدو أننا قد أخطأنا حين انبهرنا بالحداثة الغربية ونموذجها الغربى ولم نلتفت ولم نهتم كما ينبغى بتراثنا»، بمعنى أنه تراجع وشعر بالندم على عدم استيحاء التراث العربى فى الشعر.. علمًا بأن أدونيس وهو واحد من أكبر المثقفين العرب إلمامًا بالتراث وله كتاب فيه مختارات من الشعر العربى القديم تكشف عن إلمام هائل بتراث الشعر العربى، وله أيضًا كتاب مهم جدًا فى التراث هو «الثابت والمتحول» فهو عبقرى بكل تأكيد، لكن الذين قلدوه من الشعراء المصريين لم يكونوا عباقرة مثله ولكن صور باهتة، لذلك تراجع الشعر ولم يصل للناس.

■ هل تعتبر ظهور هذا التيار المغترب فى الشعر نتيجة للنكسة؟

- هذا التيار ظهر كنتيجة لعدم وجود صراع قومى أو هدف قومى مشترك نبحث عنه جميعًا بعد نصر أكتوبر بعد ما انتصرت ورجعت الأرض، كما أنه ظهرت أوضاع سياسية لم يكن شعراء السبعينيات راضين عنها، وهذان العاملان هما ما أثرا على شعراء السبعينيات الذين عبروا عن أنفسهم فى جماعات أدبية أشهرها «إضاءة ٧٧» وأصدروا «مانفيستو» أو ميثاقًا فكريًا أهم ما جاءت فيه جملة تقول إن أهم شىء فى الشعر هو «توارى المضمون الثورى خلف التشكيل الجمالى»، وضمت الجماعة أهم شعراء السبعينيات مثل حلمى سالم ورفعت سلام ومحمود نسيم وحسن طلب، والحقيقة أن كلهم لم يبتعدوا عن العمل السياسى والقصيدة السياسية كما أعلنوا فى بيانهم التأسيسى، ولذلك الحركة لم تكتمل لأن أساسها النظرى غير واضح وغير شامل على الرغم من المبدعين الكبار بها، وكل واحد فيهم شق لنفسه طريقًا بمعرفته.

هؤلاء مثلًا كانوا شعراء جماهيريين رغم عضويتهم فى الجماعة ومنهم.. حسن طلب وحلمى سالم، وكان فيهم ناس غير جماهيرية مثل أمجد ريان وجمال القصاص، وكان بعضهم غير مهتم بالجماهيرية من الأساس.

■ منذ التسعينيات ظهرت لدينا قصيدة النثر التى لا تلتزم بالموسيقى الخارجية للشعر.. إلى اين تراها وصلت؟

- لدينا نماذج فذة وعبقرية من شعراء النثر فى الشعر العربى وأيضًا فى مصر، ولكن شاعر النثر العظيم هو الشاعر المتمكن من العَروض والشكل التقليدى ويختار الخروج عليه لأن هذا اختياره ومشكلة قصيدة النثر أنها فى البداية التحق بها عدد كبير جدًا من غير الموهوبين الذين لم يكن لديهم أى ملمح شعرى ولا كان عندهم إيقاع ولا صورة شعرية ولا وزن.. هؤلاء أساءوا لقصيدة النثر، بالإضافة إلى أنه كان هناك عدم اعتراف من الجهات الرسمية والشعراء الكبار بقصيدة النثر حتى فترة قريبة، فالأستاذ أحمد عبدالمعطى حجازى كان لا يعترف بها ويرفض نشرها فى المنابر التى يشرف عليها، وظل على موقفه حتى وقت قليل جدًا، حيث قال: «لقد بدأت أتذوق الإيقاع فى بعض قصائد النثر»، وهذا اعتراف بعد إنكار طويل.

وعندما تكون السلطة التى تتولى اللجان والمجلات الثقافية غير معترفة بنوع من الشعر فهذا يؤثر على الحركة بكل تأكيد.

■ هل هذا انعكس على التراجع الإبداعى؟

- لم تتراجع قصيدة النثر وخرجت نماذج كبيرة، منهم عماد أبوصالح الشاعر الكبير والصحفى فى جريدة الوفد والشاعر أحمد يمانى المهاجر إلى إسبانيا وأستاذ الأدب العربى هناك، وهناك نماذج مصرية كبيرة ومبدعة فى قصيدة النثر، وأكبر شعراء قصيدة النثر هم أبناء جيل التسعينيات الذين ما زالوا يكتبون حتى الآن.

■ ما القصيدة التى سيطرت على الشعراء من مبدعى الألفية والجيل «زد»؟

- فى هذا الجيل نجد قصائد عامية مهمة وعندما نرى الأجيال الشعرية من فترة نجد أنها مرتبطة بشكل ما بالموجات الأدبية، فشعراء السبعينيات كتبوا قصيدة التفعيلة، وشعراء الثمانينيات والتسعينيات كتبوا قصيدة نثر ومعهم شعراء عامية، أما الجدد فتسيطر عليهم العامية، السواد الغالب من الموهوبين شعراء عامية.

ولا بد أن نعترف أن شعراء قصيدة النثر الكبار فى مصر لم يأخذوا حقهم ولا يوجد تواصل بينهم وبين الجمهور، ولا توجد لهم قصائد تنشر إلا نادرًا وهم لا يعنيهم هذا.

■ كيف فى رأيك يمكن الارتقاء بذائقة الجمهور العام؟ وكيف يحب الناس الشعر؟

- كانت لى مقالة اسمها «نشر فى مثل هذا اليوم»، وبالصدفة وأنا أبحث وجدت الصفحة الأدبية فى الأهرام التى كان يشرف عليها د. لويس عوض، وجدت أنه نشر أعمالًا أدبية لكبار المبدعين، فكتبت عنه مقالًا، من إعجابى بهم، ولا بد أن نعترف أن أسرع وسيلتين فى الوصول للناس الآن هما الإنترنت والتليفزيون، ولو أنك تعمل خارجهما فأنت خارج العالم بنسبة ما، فأين برامجك الثقافية؟

■ ما الطريقة التى نستطيع أن نعيد بها دور النقد؟ وهل المؤتمرات عن الرواية والشعر أفادت الحركة النقدية؟

- هناك خطان لا يحب أحدهما الآخر، خط المؤتمرات الأدبية والرواية والشعر هذا خط مهم لأننا نتحاور فيه مع كبار النقاد فى الوطن العربى والعالم وتدرس خريطة كل ما هو جديد ويحدث نوع من أنواع التلقيح الثقافى لكل ذلك، وتأتى بأصحاب الكتب تناقشهم وهى مهمة للغاية ولا يمكن الاستغناء عنها بشرط أن تنفذ بنزاهة كاملة ويكون المدعوون ممن يستحقون الدعوة وهو شىء فى غاية الأهمية، والمؤتمرات أحدثت طفرة مهمة لصناع النقد والأدب فى مصر لأنهم احتكوا بنقاد مهمين من الخارج.

والخط الثانى هو التعليم ثم التعليم ثم التعليم، فكتاب طه حسين «مستقبل الثقافة فى مصر» لم يتحدث فيه عن الثقافة بل عن التعليم لأنه يدرك أن التعليم هو أساس الثقافة ولا بد من اختيار مجموعة من كبار النقاد والأدباء يكونون هم المسئولين عن اختيار النصوص الشعرية والنثرية فى مناهج التربية والتعليم.

■ هل توجد نظريات نقدية مسيطرة على النقد العالمى الآن؟

- لا توجد الآن تيارات عامة مسيطرة مثل التيار الرومانسى والتيار الواقعى فى الماضى مثلًا.. والأكثر ذيوعًا وانتشارًا الآن نظرية النقد الثقافى، فهناك نظريات كانت تركز أكثر على المبدع مثل المنهج الاجتماعى والنفسى، ونظريات تركز أكثر على النص، ونظريات أخرى تركز على المتلقى، وهناك اهتمام خاص أيضًا بالهويات المتنوعة، فالهويات الثقافية تتلاقى فى أجزاء وتتقاطع فى أجزاء، وهذا ليس معناه صراعًا وإنما أطلق عليه اليونسكو التنوع البشرى الخلاق.

■ برأيك.. هل الطفرة فى شعر العامية حاليًا يمكن أن تقود لحالة شبيهة بفترة الخمسينيات التى ظهر فيها مبدعو العامية العظام حداد وجاهين والأبنودى وحجاب؟

- سبب انتشار شعر العامية فى الماضى كان حماس الشعراء للدفاع عن القومية العربية ونشر الفكر القومى الاشتراكى والعروبى ما بعد ثورة ١٩٥٢، ولكن فقط كانوا عارفين إنهم عندهم ٤٠٪ أمية، والفصحى لا تصل للناس، وكان صلاح جاهين يقول: «ودورت على ألفاظ كما سير المكن تدور تروس وتقول دروس ببيان»، فكان هدفهم قوميًا سياسيًا على عكس ما شاع أن الفصحى ضد العامية.

لكن الموضوع مختلف الآن هم يلجأون للعامية لأنها أقرب وصولًا للناس ولأنها صاحبة الطريق المفتوح فهى مثلًا ممكن أن تصبح أغنية يسمعها الملايين وهم كشعراء يدركون أنه لا يوجد جمهور فصحى الآن، لذلك يكتبون بالعامية والأمر مختلف عن دوافع شعراء العامية القدامى والآباء.

■ وهل تراجع الشعر فى مصر فقط أم فى العالم كله؟

- الحديث عن تراجع الشعر موجود منذ التسعينيات، فالناقد العراقى محسن جاسم كتب كتابه المهم «عصر الرواية» فى عام ١٩٨٤ ونشر فى مصر والعراق، وقتها.. ثم أعاد جابر عصفور طرح الفكرة فى كتاب «زمن الرواية» بعد محسن جاسم بعدة سنوات، فالمسألة من قبل التسعينيات، بفترة والمد الروائى كان موجودًا فى العالم كله.

وأريد أن أقول أمرين هنا: فلم يكن الاهتمام فى العالم بالشعر يكافئ الاهتمام العربى والمصرى بالشعر، فكان اهتمامنا نحن أكبر بحكم دور الشعر فى الثقافة العربية، منذ الجاهلية ثم العصور الإسلامية المختلفة لأننا نعتبر الشعر ديوان العرب ولم يكن التراجع الشعرى لدينا مكافئًا لتراجع الشعر فى العالم الغربى، فالشعر عندما تراجع عندنا تراجع جدًا.

وفى الغرب لم يتراجع للغاية، ولكن الآن على مستوى العالم كله لن تجد شعراء نجومًا فلا نجد فيديريكو غارثيا لوركا، ولا شارل بودلير، فلا يوجد الآن شعراء نجوم الآن، فموجة الرواية هى السائدة.

وهناك جملة أحبها للعقاد تقول: «العبقرى هو الذى يعطى البيئة ما تطلب» فلا تخترع وأعط البيئة ما تطلب وسر معها.

كل زمن له متطلباته، ومن الواضح أن كل الظروف العالمية والإنسانية قادت العالم إلى الاهتمام بالرواية وكنا نحن جزءًا من هذا على حساب الشعر وأرى أنها طفرة أدبية.

■ وما آخر صيحة فى الرواية؟

- آخر طفرة فى العالم فى الرواية هى رواية «المذاكرت» والسير الشخصية والسبب أنها أكثر تحديدًا وربما لها مصداقية أكبر وتنقل تجربة حياة محددة.

■ كيف ترى حال المسرح الآن؟

- فى رأيى أن المستقبل لفن المسرح وأنه هو الذى سيصعد ليسرق الاهتمام من الرواية.. من وجهة نظرى فإن الفنون تسير من الانغلاق على الذات إلى الانفتاح، الشعر أكثر انغلاقًا على الذات وأضيق فى مساحة تعبيره عن الآخرين، لذلك تراجع وظهرت الرواية التى وصلت لأقصى مداها فى البوح والفضفضة، والترجمة الذاتية.. المسألة أشبه بالدورات ودورة الصعود القادمة ستكون من نصيب المسرح، لأن المسرح قادر على تخطى حاجز اللغة بين البشر، لأننا يمكن أن نقدم عروضًا صامتة والمسرح أكثر إبهارًا وجذبًا للناس، والذى كان يعطله فى الماضى اشتراطات وجود المكان والديكور والتكلفة المادية لكن بدأ الآن انتعاش وإعادة إحياء مسرح الشارع مثلًا أو مسرح الجرن أو كسر الحائط الرابع وبدأ المسرحيون يقتربون أكثر من الناس، ولكن هذا يتعلق بالمسرح كفن وإخراج وليس كنص مسرحى، لأن فى هذه العروض الجديدة يتقلص دور المؤلف.

■ هل هناك أمل بمزيد من انتعاش الشعر كفن وعودة دوره مرة أخرى؟

- سيظل الشعر هو الفن الأكثر إنسانية على الإطلاق لأن فيه إنسانًا يعبر عن مكنون ذاته، بصدق وجمال ويحكى أوجاعه للآخرين.

تاريخ الخبر: 2023-03-15 21:21:19
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

هل يعيد الحوثي اليمن إلى مربع الحرب ؟ - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-17 03:23:57
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 64%

السعودية والأمريكية - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-17 03:23:59
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 52%

أكادير.. افتتاح الدورة الخامسة لأيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-17 03:25:06
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 68%

أبناء جنوب لبنان: لا نريد الحرب.. «حزب الله» ورّطنا - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-17 03:23:58
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

ملاحقة خطابات الكراهية والشر - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-17 03:23:55
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية