دفعت الانتقادات اللاذعة أو ما تم قراءته سياسيا، بتوبيخ القصر الملكي الذي رفض الابتزاز والاستغلال الانتخابي للقضية الفسلطينية، من طرف حزب العدالة والتنمية، في بلاغ له الذي هاجم فيه وزير الخارجية ناصر بوريطة بسبب ما وصفه بالدفاع عن الشراكة مع إسرائيل في مختلف الملتقيات، وما اعتبره “رفضا للتطبيع ودعما للمقاومة الفسليطينة”.
قيادة “البيجيدي” اعتبرت في بلاغ أعقب بلاغ الديوان الملكي، أنها “لا تجد أي حرج في تقبل ما يصدر عن جلالته من الملاحظات والتنبيهات، انطلاقا من المعطيات المتوفرة لديه، وباعتباره رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها”، لكن انتقادها لتصريحات وزير الخارجية جاء باعتباره عضوا في الحكومة، يخضع كباقي زملائه في الحكومة للنقد والمراقبة على أساس البرنامج الحكومي.
وبين البلاغات الثلاث، طُرحت مسألة الاختصاص الدستوري في السياسية الخارجية بين الملك والحكومة والبرلمان ومن لدن الأحزاب. نقتفي في هذه المقالة أثر الجواب واستنطقاء لبنود وروح دستور المملكة لسنة 2011.
صلاحيات الملك في الدستور
تفاعلا مع الموضوع، يقول عبدالهادي خلوقي الباحث في القانون الدستوري، أن الفصل 42 من الدستور قد نظم وحدد صلاحيات واختصاصات الملك في علاقتها بالسياسة الخارجية بصفته رئيس الدولة، وهي على الشكل التالي: الممثل الأسمى للدولة، رمز وحدة الأمة، ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة.. وهذه من ضمن المهام التي يمارسها بمقتضى ظهائر من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور..
وأضاف في حديثه لـ”الأيم 24″ أنه انطلاقا من منطوق الفصل 48 من الدستور الذي يعطي للملك اختصاص ترأس المجلس الوزاري، فإنه وبمقتضى الفصل 49 من الدستور للمجلس أن يتداول في قضايا ذات الصلة بالعلاقات الخارجية، وعلى رأسها التوجهات الاستراتيجية التي تحوز السياسة الخارجية، ومنها إعلان الحصار، وإشهار الحرب.. وكذا تعيين السفراء.
واعتبر المحلل السياسي أن الفصل 49 من الدستور واضح في بنوده ، إذ يعطي للملك صلاحية اعتماد السفراء كشكل من أشكال السياسة الخارجية التي تعتمد على العمل الدبلوماسي.. وينص الفصل 55، على منح للملك صلاحية التوقيع على المعاهدات ويصادق عليها، إلا أن الفصل نفسه قيد هذه المصادقة بالموافقة من طرف البرلمان، عندما يتعلق الأمر بمعاهدة السلم والاتحاد ورسم الحدود، ومعاهدات التجارة.. إلا أن الفصل ذاته أجاز للملك إمكانية العرض على البرلمان أي معاهدة أو اتفاقية أخرى قبل المصادقة عليها ..
اختصاصات الحكومة
وأشار الباحث في القانون الدستوري أن الحكومة ترتبط بصفتها سلطة تنفيذية، بالسياسة الخارجية بالعديد من الفصول الدستورية.فالحكومة التي تتألف من رئيسها والوزراء، فإن وزير الخارجية هو عضو فيها ويعمل بمقتضى الدستور تحت رئيسها طيقا لمقتضيات الفصل 87. ووفق منطوق الفصل 88 فإن الحكومة ملزمة بتضمين برنامجها المعروض على المناقشة والتصويت أمام البرلمان شق متعلق بالسياسة الخارجية.. وهذا ما أكده الفصل 93 من الدستور الذي نص على أن الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي.
واستقراء لمنطوق الستور، يرى المحلل السياسي أن السياسية الخارجية في علاقة مع مختلفة المؤسسات الدستورية، سواء الملك أو البرلمان أوالحكومة، كل من موقعه وتخصصه وصلاحياته، وفق ما وصفها بـ” القوة الدستورية”.
تمرين سياسي
في المقابل، يرى محمد طلحة أستاذ القانون العام، أن ما جرى أثناء من تبادل للبلاغات، أشبه بالحوار بين مؤسسة دستورية ممثلة في الملكية، وحزب سياسي، واصفا إياه بالتمرين السياسي المطلوب للدفع بعجلة الديمقراطية بالمغرب”، مشيرا إلى أن السياق السياسي في البلاد محتاج إلى هذا النوع من الحوار الذي يبعث النقاش السياسي من رماده باعتباره آلية مهمة في شرايين الحياة بالنسبة للدولة والمؤسسات والمجتمع.
لكنه اعتبر في حديثه لـ”الأيام 24″ أن بلاغ الديوان الملكي هو جاء في سياق تذكير موجه للفرقاء السياسيين، عبر تمسية مقصودة لحزب العدالة والتنمية، ومنه تؤكد المؤسسة الملكية أن هذا الموقف من العلاقات مع إسرائيل يجب أن يفهم في سياقه، موضحا أن اللاغ قد يكون كذلك رداً على جهات خارجية.
وأشار المتحدث أن بلاغ الديوان الملكي خاطب الفرقاء السياسيين كافة، بمضومن الفترة التي يمر بها المغرب على مستوى العلاقات الدولية المعقدة، وأنه يصعب على أي مكون سياسي لا يمتلك المعلومات الكافية، والمعطيات المتغيرة، أن يخوض فيها، أو أن يكون له رأي يدعي فيه أنه يخدم مصلحة الوطن، وأن الملك قائم على هذا الشأن، ويتخذ مواقف بناءً على قراءة لمجمل التطورات ضمن هذه الوضعية المعقدة.
فصدام حزب العدالة والتنمية، والخارجية ليس بجديد، إذ سبق للحزب أن انتقد بشدة بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، عندما استدعت قيادة البيجيدي ف بلاغها مفردات تصعيدية على غرار ” بلاغ لا يليق بالمغرب وموقفه، وحديث عن أدوار لجنة القدس، ومساواة البلاغ بين المحتل الإسرائيلي والضحية الفلسطيني”..إلى غيره من المفردات التي تؤكد، وفق المحلل السياسي بوضوح أن الحزب يبحث محاولة النفخ في خطابه السياسي الذي تراجع بشكل ملحوظ واتخاذ القدرة على خلق النقاش المضاد للسياسة الرسمية.
ويعمل الحزب وفق الباحث في العلاقات الدولية، على بحث إعادة التموقع السياسي اعتمادا على مآلات السياق الحالي، وذلك استحضارا للخطوة التي ربما رمت بالحزب إلى الهامش بعد انتخابات 8 شتنبر، خاصة تلك المرتبطة بتوقيع مذكرة التطبيع مع إسرائيل، بناء على أن الحزب هو قائد الحكومة وقتها، دون إغفال أن ابن كيران دافع وبشراسة عن الخطوة المغربية، كونها استراتيجية دبلوماسية تتجاوز رقعة الأديولوجيا والسياسة.
