رغم المنطلقات التي مهدت لما يشهده العالم من إرهاصات أزمة مصرفية تستعر شيئا فشيئا، إلا أن البعض لا يتسبعد نظرية المؤامرة لما حدث من انهيار لبنوك سيليكون فالي وسيغنتشر، وما تبعهم لاحقا كما في "كريدي سوي".
لا أعتقد كثيرا في ما يسميه البعض "نظرية المؤامرة"، خاصة وأن لكل بنك ظروفه الخاصة المختلفة تماما، وربما تاريخ من الإخفاقات كما في بنك "كريدي سويس".
واجه "كريدي سويس" الذي تم تأسيسه منذ أكثر من 167 عاما، سلسلة فضائح خلال السنوات الماضية، كلفته مليارات الدولارات. وتعرض ثاني أكبر بنك في سويسرا لغرامات وعقوبات تتعلق بتهم عدة، أبرزها غسل الأموال والاحتيال الضريبي.
لم ينفع التاريخ الطويل وكل النجاحات السابقة في استمرار "كريدي سويس" بين أكبر 30 بنك على مستوى العالم، فاندثر في لمح البصر مع إخفاق إداراته المتتالية في ضبط ميزانيته ومعالجة أوجه الضعف الجوهرية في الضوابط الداخلية لإعداد التقارير المالية.
كما لعبت الظروف الاقتصادية العالمية دورا في التعجيل بهذا الانهيار مع تسريع وتيرة التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة، وذلك بعد فترة طويلة من ركون "الفيدرالي" الأميركي في "المنقطة المريحة"، ووصفه التضخم بأنه عابرا "inflation Transitory".
كلف خطأ الفيدرالي النظام المالي العالمي الكثير، وربما لا تقف التداعيات عند هذا الحد. فالجميع يترقب اجتماعه هذا الأسبوع وسط عاصفة عالمية وتصاعد مخاوف المستثمرين من حدوث أزمة مصرفية.
وفيما يبدو أن "الفيدرالي" الأميركي سيواصل مراكمة أخطاءه، إذ قام بإقراض البنوك الأميركية 164.8 مليار دولار الأسبوع الماضي على أعقاب انهيار "سيليكون فالي"، عبر برنامج "نافذة الخصم".
خبير الاقتصاد العالمي محمد العريان يرى أن الاحتياطي الفيدرالي يواجه معضلة ثلاثية: كيفية خفض التضخم في نفس الوقت، والحفاظ على الاستقرار المالي، وتقليل الضرر الذي يلحق بالنمو والوظائف. نظرًا لأن مخاوف الاستقرار المالي تتعارض على ما يبدو مع الحاجة إلى تشديد السياسة النقدية لتقليل التضخم المرتفع. وهذا الوضع يعقد كثيرا عملية صنع القرار هذا الأسبوع.
ويواجه "الفيدرالي" الأميركي مزيدا من التعقيد بعد انهيار "كريدي سويس" و"سيليكون فالي". كانت الأسواق تحتسب رفع الفائدة بنحو 50 نقطة أساس، وسرعان ما تبدل الوضع تماما خلال أسبوعين فقط، وصارت الأسواق تحتسب زيادة في سعر الفائدة بواقع 25 نقطة أساس، وهبطت التوقعات النهائية لرفع الفائدة كنسبة، وكذلك زمنيا، بإنهاء دورة التشديد النقدي في وقت أقرب مما كان يعتقد سابقا.
تسارع وتيرة التضخم جعلت الفيدرالي في مأزق شديد، ويسير على خيط رفيع، بين محاربة التضخم المرتفع عند مستويات 6%، أي أعلى بكثير من المستويات المستهدفة عند 2%، فهو إما يحقق مستهدفاته في محاربة التضخم المرتفع عبر مواصلة التشديد النقدي، وهذا سيكون ثمنه "سحق الاقتصاد"، أو يسرع بإنهاء وتيرة رفع الفائدة لدعم الاستقرار المالي.
بعضا من تعقيدات الوضع الاقتصادي كانت قبل الانهيارات المصرفية التي تصاعدت وانتهت بصفقة "يو بي إس" و"كريدي سويس"، والتي أضافت مزيدا من التعقيد على خيارات الفيدرالي، فالأسواق تنتظر تخفيف وتيرة التشديد النقدي.
كل هذه التعقيدات تكشف جانبا من المخاطر التي يتعرض لها النظام المالي. وقد يلجأ "الفيدرالي" إلى الوقوف في المنطقة الرمادية ليبقى السياسات مفتوحة، كما فعل حينما تمسك بـ "التضخم العابر"، وقد يترك أسعار الفائدة دون تغيير، وقد يشير إلى أن هذا التوقف مؤقت، وقد يقوم بزيادة أسعار الفائدة مستقبلا.
وربما لا يكون هذا هو الحل المناسب، خاصة وأن التشديد النقدي سيؤثر على مستويات النمو، كما سيضعف حلقة البنوك في ظل مخاوف المستثمرين المتصاعدة من انهيارات أكبر في القطاع المصرفي.
فيما يبدو أن الأخطاء ستتواصل، بدأت باعتبار التضخم عابرا، وبالتالي تأخر مواجهة التضخم، وبعدها رفع الفائدة بأسرع وتيرة لمواجهة التضخم ما أثر على القطاع المصرفي وكان أحد الأسباب وراء ما نشاهدة من مخاوف انهيارات مصرفية أخرى اليوم، والمخاطر التي تواجه القطاع المالي.
