فرض المصريون طقوسهم الحياتية والتفاعلية مع رمضان لتتحول إلى عرف، فالبداية مع “الفوانيس” التى  تعلق أمام المحال التجارية والدوواين والبيوت والدكاكين وصولا  لبلكونات لشقق، تتبعها الزينة  بالخيامية، وصولا إلى “موائد الرحمن” التي لا تخلو حارة ولا شارع منها.

وفي ظل ذلك الزخم الذي يُثريه الشهر الكريم، يقدم “الدستور” مجموعة حلقات حول شهادات المبدعين المسيحيين عن طقوسهم الإبداعية وكيف يتشاركون الاحتفال بشهر يحمل خصوصية دينية لكن لم تمنع المصريين أن يصنعوا ما يجاور تلك الخصوصية المتعلقة برمضان كشعيرة دينية بخصوصية إبداعية واجتماعية .

يقول الكاتب والمترجم إسحاق بندري: "عادةً ما أبدأ يومي مبكرًا، قبل الفجر، لمباشرة نشاط الكتابة والترجمة في هذه الفترة، لا يتغير هذا الطقس بالنسبة لي إلا في حال استراحة قصيرة من الكتابة أو الترجمة. 

وتابع: “يختلف إيقاع اليوم أثناء شهر رمضان المبارك وقد تتغير مواعيد العمل والأنشطة اليومية في مختلف المجالات والمصالح، فالزينات الرمضانية في الشوارع وعلى البيوت هي حالة مصرية صافية، لا أعرف على وجه التحديد إن كانت موجودة في بلاد أخرى أم لا، الأكيد في الأمر أنها مبهجة ورقيقة، والمناسبات السنوية مثل الأصوام والأعياد تخبرنا بكثير من التفاصيل عن الهوية والمكان وارتباط الإنسان بكل ذلك، وهناك أفكار وتأملات لابد وأن تخطر على الذهن”. 

وعندما يتناول الأدب الاحتفالات فهو يُضفي عليها ما لا يفارق ذهن القارئ من انطباعات وجماليات. صَوَّرَ الأديب العالمي نجيب محفوظ في رواياته هذه الأجواء الرمضانية؛ ولعل روايته «خان الخليلي» هي خير دليل على ذلك، إذ تتزامن أحداث انتقال عائلة أحمد عاكف للسكن في حي الحسين العريق ذي الطابع التاريخي والديني مع فترة شهر رمضان. رواية إحسان عبد القدوس «في بيتنا رجل» ذات ارتباط وثيق بشهر رمضان، إذ تدور أحداثها الرئيسة خلاله وتتشابك الطقوس الاحتفالية للمصريين مع القضية الوطنية واختلاف وجهات النظر حولها.

وبتابع "قرأت الروايتين في مرحلة مبكرة، ومع مرور الوقت اكتشفتُ أن تأثير التناول الأدبي لا يقل في روعته وحضوره عن المعايشة اليومية لأجواء شهر رمضان.. بالطبع لا تخفى الملاحظة أن ما صورته الروايتان يتناول الطبقة المتوسطة المصرية في فترة أربعينيات القرن الماضي، وقت أن كانت الحياة أبسط كثيرًا مما هي عليه الآن. 

وأشار “بندري”: "ما أتصوره بشكل شخصي الآن يستحضر بشكل ما ذكريات الماضي، في تلك الفترة التي كان يتشكل فيها العقل والوجدان على مهل، ما بين ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فترة ما قبل انتشار القنوات الفضائية وبعدها الإنترنت. ليس فقط لمجرد ما قدمته وسائل الإعلام من مواد متنوعة في هذه الفترة، ولكن للفرق في المحتوى ومدى جودته ومجال تأثيره وبقائه.

وتابع: "ربما يصبح الأمر نوعًا من الحنين والنوستالچا، ولكنه في رأيي دلالة عن اختلاف مرحلة التكوين التي مررنا بها وشَكَّلَتْ ذائقتنا عما هو موجود الآن. على سبيل المثال علينا أن نتأمل عددًا هائلًا من مقطوعات الموسيقى التصويرية المحفورة في عقلنا الجمعي حتى الآن لارتباطها بشهر رمضان الكريم، وفي المقابل هل علقتْ في الأذهان أية مقطوعات من الموسيقى التصويرية للدراما الحالية رغم كثرتها وإفراطها؟ 

وأشار “بنداري” إلى ان  "أجدني بشكل غير واعٍ جزئيًّا أبحث عن القديم من موسيقى ودراما، بالطبع ليس من الممكن استرجاع ذات الأيام وذات الأحداث، ولكن الممكن هو استعادة حالة ذهنية كانت أصفى وأنقى وأهدأ وسط إيقاع سريع لاهث أصابنا جميعًا. 

ومع إعادة قراءة أو مشاهدة أعمال ارتبطنا بها وجدانيًّا، نندفع نحو عقد المقارنات وتكوين رؤى جديدة، هل حقًّا كنا على صواب في تقديرنا وانبهارنا؟ مؤكد أن زاوية الرؤية مع مرور السنين توفر منظورًا نقديًّا جديدًا نُقَيِّمُ به الأمور، ومع ذلك يبقى للذكريات طعمها المحبب الذي لا يُنْسَى. 

وتابع بنداري "تعذر استعادة الماضي واستحالة إيقاف حركة الزمن نحو المستقبل يسيران متجاورين، وربما يتعلق جوهر التساؤل الذي يجب أن يوجهه كل واحد لنفسه في اللحظة الحاضرة بمقدار ما استفاده من المناسبات الروحية بكل طقوسها واحتفالاتها الجليلتين، لأن المسألة تتجاوز الروتينية والاعتياد، والأصح أنها تمتد بصدق نحو المراجعات الذاتية والاجتماعية.