شيماء مومن
هي مشاعر طبيعية تنتاب الجميع في أوقات مختلفة، لكن في أيام الصيام تكثر هذه الانفعالات المفاجئة تاركة وراءها أسباب كثيرة بل غير معروفة في بعض الأحيان، هذه العصبية الزائدة باتت تشتكي منها العديد البيوت المغربية، فبين عصبية الأزواج تجاه زوجاتهن المبالغ فيها في فترة الصيام، وبين الزوجة والأبناء بسبب مزاجهم السيئ، تنشب الخلافات وتتطور تدريجياً إلى عنف لفظي أو جسدي لأسباب بسيطة في غالب الأحيان.
نقص الغلوكوز في الدم
أشار العديد من الباحثون في علم الأعصاب والدماغ، أن الدماغ يعتمد بشكل تام على الغلوكوز في حصوله على الطاقة على عكس غيره من الأنسجة، ونقصانه سينعكس أولاً على الدماغ، وقد يكون من أسباب العصبية الزائدة.
وفي هذا السياق، قال ياسين يشو، طبيب وباحث في العلوم العصبية والسلوك البيولوجي، أنه ‘‘ أثناء الصيام ينقص الكليكوز أي نسبة السكر في الدم، وبما أن السكر هو مصدر الطاقة عند الإنسان، فالدماغ يستهلك 20٪ من نسبة الطاقة في الدماغ، ورغم أن هذا الأخير يبلغ فقط 1٪ من الوزن الكلي من الجسد بكامله، إلا أنه يستهلك هذه النسبة المهمة من الطاقة التي تستمد من نسبة الكليكوز في الدم ‘‘
وأضاف يشو في حديثه مع “الأيام24″، أن الكليكوز هو النسبة المهمة للنشاط العقلي، وبالتالي فجسم الإنسان أثناء الصيام تنقص منه هذه النسبة في الدم، وهذا النقصان يؤثر على الدماغ من حيث الطاقة الكافية التي تخوله العمل بشكل جيد.
ميكانيزم تطوري
أشار المتحدث ذاته، أن ‘‘هناك بعض المناطق التي لها الأسبقية في الإستفادة من الكليكوز عكس مناطق أخرى، على حسب تقسيمات الدماغ وأولوية بعض المناطق فيه، مضيفا أن هذه المناطق تعد الأكثر أهمية في الدماغ، لاعتبارها المسؤولة على النشاط الحيوي لجسم الإنسان، كما أن بعضها يتحكم بأجهزة أخرى كالقلب والرئة والشرايين‘‘.
وأضاف الباحث في العلوم العصبية، أن ‘‘هناك منطقة بالدماغ مسؤولة عن الوعي والتي تعرف بالناصية أي منطقة الجبهة تسمى بـ” le préfontal”، وهي المنطقة المسؤولة في الدماغ عن التحليل المنطقي و التفكير التحليلي و التمثيل في المستقبل و الذاتية‘‘، مشيرا إلى أن هذا الجزء الصغير من الدماغ الذي يتفرد به الإنسان عن غيره من الكائنات، هو الذي يتحكم في كل ماهو غرائزي وحيواني في الإنسان، مؤكدا على أن هذه المنطقة التي تترجم الوعي المعرفي تعد الأكثر تضررا بنقصان الكليكوز.
تجوي « Amigdala »…سبب الغضب
أوضح المتحدث نفسه، أن لنقص في الكليكوز يعطي الأولوية للأعضاء المهمة في الجسم، وهذا يؤثر سلبا على المنطقة المسؤولة التي توقف كل ماهو حيواني وغريزي في جسم الإنسان تعرف بـ “amigdala”، وهي اللوزة الدماغية المسؤولة عن السلوكيات الغريزية مثل الخوف، العنف و الجنس…
وأكد الطبيب في حديثه عن سبب الغضب والإنفعال في علاقته بهذه المنطقة من الدماغ، أن ‘‘تجويع هذه المنطقة النشيطة والحيوية التي يصل إليها أكبر قدر من الطاقة، والمانعة لكل تصرف غريزي حيواني يتسبب في تعطيل عملها بشكل جيد.
المخدرات والمنبهات أسباب أخرى
يعود ياسين إشو ليبرز أن الدماغ بالنسبة للأشخاص المدمنين على المخدرات أو السجائر أو الكحول، أو المنبهات يكون مبرمج يوميا على أخد جرعة من الدوبامين، الذي هو أحد هرمونات التحفيز والسعادة، مشيرا إلى أن انقطاع الشخص عن هذه المسببات بسبب الصيام ينتج عنه نقصا في الدوبامين، الشيئ الذي يجعل من هؤولاءالأشخاص عنيفين ومندفعين.
البقاء للأقوى
يخلص الدكتور ايشو، أنه ‘‘بالرجوع إلى كل ماهو بيولوجي، فالهدف من الصيام هو القدرة على إرجاع الأولوية للطاقة في الدماغ وإرسالها إلى الجزء المرتبط في الدماغ بكل ماهو معرفي وأخلاقي، وأوضح أن تعذر الإرسال إلى هذا الجانب من الدماغ يتسبب في إرسال الطاقة إلى جانب اخر من الدماغ وهو « les amigdales »سينتج عن ذلك طاقة سلبية عنوانها الإندفاعية والعدوانية‘‘. وأكد في الأخير أن النوبات الغضبية أثناء الصيام مرتبطة بخلل في كيفية عمل المناطق السالفة الذكر بشكل جيد، بحيث يصبح الجانب الغرائزي في الشخص هو أقوى وأولوى من كل ماهو معرفي وأخلاقي.
