المتعرّون في وسائل التواصل


علينا عدم السماح لكل مزاج هوائي وشيطاني أن يهزم عقولنا وقلوبنا، وعلينا أن نستر أخلاقنا من هذا العري التافه بارتداء ثياب العقل والحكمة والأدب ومراجعة كل محتوى يتم نقله ووضعه على منصة المحاسبة الإلهية قبل كل شيء، ثم محاسبة النفس ومعرفة مآلات هذا المشهد المزعج..

وسائل التواصل متاحة، مستباحة لكل من يرغب الانتساب إليها بلا ضابط، ولا عمر، ولا جنس، ولا صفة مقيدة، ولا تفريق.. مساحات متوفرة بحروف محددة. يكتبها كل منتمٍ لهذا العالم الافتراضي.. شبكات اجتماعية تفرّق فيها الوصف، والهدف، والهوى.

مادة اعلانية

تلك الوسائل (أمّية) لا تعرف من الذي يكتب، ولا تستطيع أن يتعرف عليها، ولا تفهم ما يكتب فيها أ خير هو أم شر؟ أمقبول هو أم مرفوض، أشرعي هو أم محظور؟ من هنا انطلقت رواحل الفوضى النصية، والتغريدات، والسنابات، والتسجيلات الصوتية والمرئية وغيرها فحطت ركابها في مراعي وسائل التواصل الشاسعة، فاقتات الكثير من كل غث وثمين، فيه، وامتلأت بطونهم بتخمة المحتوى المختلط، وتشربت عقول الكثير من سوائل المواد المختلفة.

هكذا بدت متنفسا للمكتومين، ومنفسا للمهووسين بالإثارة الفارغة.. هكذا ظهر الكثير بلا رقيب، ولا ضمير، ولا إحساس حين تكاثر صانعو التفاهة ومنتجوها.. فأصبح الاختلال يحيط بما حولنا فتاهت الحقيقة في مفازات الخيال، وضاع الحق في غياهب الباطل، واختلط اليقين بالشك، والبرهان بالبهتان.

تتعجب وتصدم لذلك نكرر هذا الموضوع.. حين ترى أحدهم يفتعل مقلبا لوالده أو زميله أو أخيه ويلهث لينشره بسرعة أو يتقمص دورا، أو يحرج ويروّع أحدا أو يتجنى ويكذب ليسجّل مقطعا يرمي به في حسابه ليتفرج عليه الناس، ومثله ذاك الذي لا يترك شيئا يمر عليه إلا صوّره ونقله حيا على الهواء أو تسجيلا لاحقا وتكرارا ليستقطب مزيدا من المتابعين..

هذه أو هذا يصور نفسه قبل عملية جراحية أو يصور والده أو ابنه، وذلك يلتقط تسجيلا لحادث تعرضت له سيارته، والآخر ينقل وصفا دقيقا لمعاناة خاصة أسرية مع زوجته.. ابنته.. ابنه وهو يضحك أنه فعل كذا وقال وقالوا كذلك. وغيرهم لم يترك مطعما ولا مقهى ولا وجبة ولا طعاما إلا وصوّره ونقله مباشرة وكأن البشر تنتظر مقذوفه المرئي بشغف، وآخر يسجل لحظة مضايقته لقط، وغيره يصوّر لحظات تسوقه في بقالة وكلامه مع البقال، وغيرهم يحوّل حسابه إلى إعلانات مشروعة أو غير مشروعة، والآخر يمرر رسائل التسول والمناشدات فيصور والدته المريضة أو والده المعوق وتتابع صور المشاهد وأنواعها وقد نحدث بحرج.

كل ذلك يعطيك شاهدا أن هناك حالة استلاب عقلي، وحموضة نفسية ألغت سمت ومقام البعض فجعلته مستعدا لكسر خصوصيته وتنازله عن أي قيمة ذاتي ومعنوية واجتماعية وأسرية لكي يكسب ما يعتقد أنه مكسب..

ويشعرك المزاج العام لمثل هؤلاء أن هناك انزلاقا أخلاقيا هائلا وتآكلا في الوازع الديني لدى المبتذلين المتعرين في تلك الوسائل فلم يبالِ أكثرهم بما هو صالح ومعاب.. لأنهم انغمسوا في افتتنان كبير وتأثر عميق سحبهم نحو السقوط بكل حالاته.

المزعج أن ما يحدث عند البعض عمل لهم برمجة مختلة جعلتهم لا يفرقون بين الصح والخطأ فطمست تلك البرمجة قدرتهم على الفرز والتفكير بما هو صالح وطالح فتلاشى الوعي لديهم وجعلهم أدوات تواصلية ناقلة بغير حس وإدراك.

ويبقى القول: وسائل التواصل أوعية يمكن أن يكون فيها الخير أكثر.. ويمكن أن تصبح وسائل وقنوات وأدوات مساعدة لنقل الجميل من الأخبار والمعلومات وصناعة المحتوى الطيب، ويمكن أن يمسي معينا على الفضائل والفهم القويم.. لذا علينا أن نبتعد عن هذا الكسر المقيت للخصوصية، وطمس العقل، وسد الوعي، وعدم السماح لكل مزاج هوائي وشيطاني أن يهزم عقولنا وقلوبنا.. وعلينا أن نستر أخلاقنا من هذا العري التافه بارتداء ثياب العقل والحكمة والأدب ومراجعة كل محتوى يتم نقله ووضعه على منصة المحاسبة الإلهية قبل كل شيء ثم محاسبة النفس ومعرفة مآلات هذا المشهد المزعج.

نقلاً عن "الرياض"

تاريخ الخبر: 2023-04-04 03:21:05
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 91%
الأهمية: 87%

آخر الأخبار حول العالم

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:13
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية