الألــحـان الــقـبـطــيـة حَفِظَتْ موسيقانا الفرعونية (١٦)


عزيزي القارئ، حدثتك في المقال السابق عن القدرة الموسيقية التعبيرية لألحان الكنيسة القبطية مستكملين معا البعد الموسيقي الذي بدأناه في عدة مقالات سابقة. والأن سأستكمل معك في هذا المقال هذه القدرة التعبيرية للميليسما والتي غابت عن الجميع سنينا طويلة.

c. فالميليسما أيضاً تعبر عن الفكر والمفهوم الروحى الذي تعيشه الكنيسة أثناء أداء اللحن لترسم بذلك صورة روحية بالنغمات وليس بالكلمات، حتي أنه أحيانا تصمت الكلمات تماما لتبدأ النغمات وحدها فى تحمل مسئولية أن تشرح الفكر الروحى الذى تعيشه الكنيسة، مستعينةً بالطقس ذاته فى عملية الشرح هذه. لأن الطقس أيضا فى الكنيسة القبطية ليس أصماً، لكنه نابضٌ بالحياةِ حاملاً فكر الكنيسة بين ثناياه.
فمثلا لحن “أللى القربان” وهو لحن قديم عريق – يؤكد قدمه الإشارة التى وردت عنه فى القانون رقم 40 للبابا أثناسيوس الرسولى- وهو يقال بعد صلاة المزامير وقبل دورة الحمل، هذا اللحن يشارك الطقس فيه بالشرح مع النغمات. فعندما يضع الكاهن الحمل على يده اليسرى، ويبل أطراف أصابعه اليمنى بالماء ويمسح بها على الحمل إشارة الى العماد الطاهر للسيد المسيح فى نهر الاردن، هنا تبدأ أصوات الشمامسة تنطلق بلحن “اللي القربان” بالتنغيم على حرف الـ “ألفا”A وهو الحرف اللفظي المتحرك الأول من كلمة الليلويا، فى أداء جماعى بدون مصاحبة الناقوس أو المثلث ليبدأ اللحن والطقس في رسم رحلة السيد المسيح من لحظة عماده فى نهر الأردن حتى قيامته المقدسة التى عندها يرنم الشعب كله ” All3loia fai pe pi`ehoov “، هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ولنتهلل فيه.

فانسياب النغمات من أفواه الشمامسة فى مطلع لحن “أللى القربان” متئدة رزينة بإيقاعها الثلاثى المتمهل الذى يشير الى خطوات السيد المسيح المباركة وهى تتحرك من الجليل إلى الأردن، والماء الذى بلل به الكاهن أصابعه اليمنى ليمسح الحمل الذى استقر على يده اليسرى ليجسد العماد المقدس كل ذلك -من نغمات وطقوس وضعتها الكنيسة لتُعبّر عن هذا الفكر وتلك المعانى رغم عدم وجود كلمات بالمرة- جعل مسئولية شرح المعنى وتجسيد الفكر هى مسئولية نغمية طقسية بحتة، وبدون الميليسما، لم يكن ممكنا تحقيقها على الإطلاق.

ومما سبق يمكن استخلاص أن الميليسما هى اختراع فرعونى لا غش فيه، انتقل الى الموسيقى القبطية -كأسلوب وليس كألحان- من أجل الوصول الى تسبيح ملائكى ممتد لا يفتر على الدوام، وقد طورته الكنيسة ووظفته ووضعته فى الأشكال والقوالب والصيغ التى تخدم المفاهيم الروحية واستخدمته للتعبير عن الحالة التي تعيشها ولتفسير الكلمات، ولتصفية وتنقية الذهن من تشويشات العالم الخارجى، ولإتاحة فرصة للتأمل، كما استعوضت به الآلة الموسيقية التى منعت استخدامها فى الليتورجيا المقدسة.وهذا الأسلوب الميليسماتى انتقل بعد ذلك الى الموسيقى العربية فى القالب الموسيقى الغنائى الشهير المسمى بـ “الدور”، ثم انتقلت منه الى الأغانى القديمة، حتى وصلت الميليسما الى الأغانى الخفيفة المعاصرة.

تاريخ الخبر: 2023-04-04 09:23:30
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:05
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:01
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية