د. محمد الباز يكتب: إمام التفكير.. «إشارة التسامح» دفن مسيحى فى مقبرة عائلة نصر أبوزيد المسلمة

- فى طفولته اقترب نصر من أصدقاء والده، كانوا يجتمعون أمام دكان البقالة، استعانوا بالطفل الصغير ليقرأ لهم الصحف

- عرف نصر كذلك بالتجربة حقيقة ما عليه المختلف معه دينيًا فليس معنى أنك تعتنق دينًا آخر غير دينه أنه دون أخلاق أو أنه لا يراعى الله فيما يفعل

لا نصبح متسامحين بفضل القراءة والمعرفة والبحث.. نصبح كذلك لأن تجاربنا تقودنا إلى ذلك. 

كان مدهشًا بالنسبة لى أن أقابل نصر أبوزيد الإنسان المتسامح إلى أقصى درجات التسامح، وأن أجده فى الوقت نفسه باحثًا بعيدًا بدرجة كبيرة عن مساحات التسامح. 

المعرفة النظرية شىء.. والتجربة الإنسانية شىء آخر تمامًا. 

وبالتجربة كان طبيعيًا أن يكون نصر أبوزيد أحد أنصار الإنسانية الكبار، الذين يسخّرون كل ما لديهم لخدمة الإنسان والتخفيف من آلامه وأوهامه. 

قبل أن يصبح نصر باحثًا فى الدراسات الإسلامية، وهى الدراسات التى قادته إلى المنفى والاتهام بالتكفير، كان قد عبر تجارب إنسانية جعلته يحدد هدفه بوضوح من كل ما يقوم به. 

يعترف نصر بذلك بوضوح: لم يأتِ شغفى للبحث عن العدالة الاجتماعية من فراغ، لقد كنت أبحث عن إجابات لأسئلة، أسئلة نبعت بالأساس من الصعوبات التى واجهتها فى مشوار رعايتى لعائلتى، فى البداية كان اهتمامى مُنصبًا على عائلتى لا يتعدى حدودها، ثم تمدد هذا الاهتمام بالتدريج ليشمل مصر ثم العالم العربى والإسلامى، وكلما انغمست فى الدراسة والبحث والقراءة امتد اهتمامى للعالم كله، وكيف لا يمتد؟ العالم كله «بشر، حيوانات، نباتات.. والأرض نفسها» يعانى من الظلم حين يستشرى بمجتمع، كلنا فى النهاية مترابطون بشكل ما. 

ابن الأرض هو.. وابن الإنسان أيضًا. 

ولذلك لم يكن نصر بعيدًا عن أزمات الأرض والإنسان، تسامح مع الآخرين سواء كانوا من دائرته أو من خارجها، ولم يتسامح أبدًا مع مَن تورطوا فى ظلمه وفى ظلم الإنسان. 

هذه كانت رسالته، البحث عن العدل ومواجهة الظلم.

التعرف على مواطن ضعف الإنسان لدعمه وليس للضغط عليه. 

عندما بدأ رحلته فى البحث كانت حياته الصعبة التى عاشها قد عرفته على الناس، ومَن يعرف الناس يدرك ما يحتاجونه، ومَن يدرك احتياجهم يبارك ما ينجزونه، ويلتمس لهم العذر فيما يتعثرون فيه. 

فى طفولته اقترب نصر من أصدقاء والده، كانوا يجتمعون أمام دكان البقالة، استعانوا بالطفل الصغير ليقرأ لهم الصحف، وجذبه وعى رفاق والده الذين كانوا يتناقشون حول ما يقرؤه نصر دون أن يفهمه، لم يكن هذا وحده ما توقف عنده الطفل الصغير، فقد دخل إلى عالم الكبار مبكرًا. 

يقول نصر: تعرفت من أصدقاء والدى على أحاديث الأمور الخاصة، لقد كان هؤلاء الرجال يتحدثون بكود سرى لدى مناقشة الأمور الجنسية، حين كانوا يتحدثون سويًا عن الجنس كان الواحد منهم يقول: إذن لقد كنت مسافرًا البارحة.. صحيح؟ إذا نشر رجل بعض العطر على نفسه، فهو دون شك استحم قبلها، وإذا استحم شخص فى قحافة فهو قطعًا تمتع بعلاقة جنسية مع زوجته، وبما أن قريتنا لم يكن بها مياه جارية، فكان الناس يستحمون فى أطشات نحاسية، عرفت أيضًا لو أن امرأة تخلصت من مياه لها رائحة جميلة من طشتها النحاسى فى الشارع فهى علامة على أن علاقة جنسية وقعت، وكانت هذه الأمور لطفل فى العاشرة من عمره مثيرة للاهتمام. 

ولأن المعرفة مزعجة دائمًا، فقد حدث ما وضع الطفل نصر أبوزيد فى دائرة العقاب. 

صباح أحد الأيام ونصر واقف فى محل أبيه مرت زوجة أحد أصدقاء والده، والتى كان رآها باكرًا تلقى بماء الاستحمام فى الشارع، فقال لها: أعتقد أن عمى محمد- زوجها- كان مسافرًا البارحة. 

وجهت المرأة تجاهه نظرة متساءلة: سافر؟ وأكملت: لا أعرف لست متأكدة. 

يحكى نصر: كنت أعبث معها، وحين أتذكر تلك القصة أشعر بالخجل من نفسى، لاحقًا عرفت أن عمى محمد وصل إلى منزله بعد العمل، وسألته زوجته: هل كنت مسافرًا البارحة؟ سألها: مَن قال لك هذا؟ أخبرته: ابن حامد أبوزيد، فأدرك عمى محمد فورًا أننى كنت أستمع إليهم، بل والأسوأ فهمت أحاديثهم أمام الدكان، أخبر والدى بالأمر. 

لم يعرف والد نصر ما الذى يجب أن يفعله مع ابنه، لكنه فى النهاية فعل الشىء الوحيد الذى يعرفه، عاقب ابنه، ضربه ضربًا مبرحًا، لأنه تجاوز حدوده، لكن حدث ما أثار دهشة نصر. 

يقول: شعرت بأنه كان فخورًا بتطور معرفتى بالأمور الجنسية، كنت أسترق السمع خلف باب غرفة والدى لاحقًا فى هذا اليوم، حتى سمعته يخبر والدتى: هل تتصورين ماذا فعل هذا الولد الغبى؟ ومع سرده قصة السفر لم ينم صوته عن نبرة غاضبة، بل عن فخر، ورأيته فى مخيلتى مبتسمًا. 

كان نصر يفرح بالمعرفة، وأعتقد أن هذا ما دفعه إلى أن يكون باحثًا طوال الوقت. 

لم يكن الأب مصدر هذا الكشف الذى توافر لنصر مبكرًا فقط، ولكنه وضعه أمام مواقف جعلته يستوعب أنه ليس فى الحياة وحده. 

يصف نصر مصر التى يتذكرها كطفل، بأنها البلد الذى امتزج فيه المسلمون والمسيحيون وقلة من اليهود، ولم يكن هذا إحساسًا نظريًا أيضًا، يقول نصر: منذ عدة سنوات استضافت عائلتى شخصًا قبطيًا مسنًا غريبًا جاء من صعيد مصر لقحافة بحثًا عن عمل، كان نجارًا، يعرف جيدًا كيف يلقى الحكايات. 

ما حدث مع القبطى المجهول كان غريبًا. 

كان نصر يناديه بـ«عم سلامة»، كان يستمتع بالحكايات الغريبة التى كان يرويها الصعيدى القبطى، والحكاية الوحيدة التى لم يكن يقترب منها هى قصته هو، الغريب أن والد نصر لم يسأل «سلامة» عن قصته، ولم يضغط عليه ليعرف أى معلومات عنه.

لام أصدقاء والد نصر صديقهم وعاتبوه على استضافته رجلًا مسيحيًا مجهولًا، كان حامد أبوزيد يتكهن فقط، فربما يكون سلامة هاربًا من شخص يطلب الثأر منه، وربما أراد أن يبقى غير معروف، وكان يقول لنصر: لماذا أجبره أن يفصح عما يريد أن يبقيه سرًا؟، الرجل ضيفنا.. وليس من اللائق أن يستجوب أحد ضيفه. 

ويضعنا نصر أمام ما لا يتخيله أحد، فحين توفى سلامة، توقف أصدقاء والده أمام ديانته، وحاولوا أن يمنعوا دفنه فى مقابر القرية، لكن حامد أبوزيد تحدى الجميع، تجاهل ديانة ضيفه تمامًا ودفنه فى مقابر العائلة. 

كان هذا هو المناخ الذى نشأ فيه نصر، وأعتقد أن هذا الموقف تحديدًا صاغه على النحو الذى أصبح عليه، ربما بأكثر مما صاغته بحوثه ودراساته وقراءاته، تعلّم نصر أنه يجب أن يكون فى عون المحتاجين له بغض النظر عن دياناتهم. 

عرف نصر كذلك بالتجربة حقيقة ما عليه المختلف معه دينيًا، فليس معنى أنك تعتنق دينًا آخر غير دينه أنه دون أخلاق، أو أنه لا يراعى الله فيما يفعل. 

كانت بدرية، شقيقة نصر الكبرى، قد تزوجت فترة بسيطة من شاب قبل زواجها الثانى من ابن عمه سيد، كانت فتاة ذكية طموحة أرادت أن تكمل تعليمها، لكن لأنها فتاة قرر أبوها أنها يجب أن تتزوج بدلًا من إكمال تعليمها، لكن شاءت الأقدار ألا ينجح زواجها الأول، فقد كان زوجها طفلًا تضايقت أمه من العروس الجديدة التى جاءت لتحيا معهما بالمنزل، وتحصل على اهتمام ولدها بالكامل. 

استمر الزواج لمدة عام، توسلت فيه بدرية لوالدها لإنهائه، لكنه رفض، اقترح على زوجها بدلًا من ذلك أن يبحث عن منزل له وحده، لكنه لم يستطع أن يتخذ تلك الخطوة، بعد أن هددت والدته بالانتحار إذا ما رحل مع زوجته. 

تطورت الأمور من سيئ إلى أسوأ، وبدأ الجيران يسألون حامد أبوزيد: لماذا تترك ابنتك تعانى من هذا العذاب؟ ربما كان زوجها رجلًا جيدًا، لكن والدته لا تُطاق، فوافق أخيرًا على طلاق بدرية. 

بعد أن وقع الطلاق بفترة وجيزة اكتشفت بدرية أنها حامل، وقد أغضب هذا والدها للغاية، ليس لأنه غير مرحب بحفيده، لكن لأن وجود هذا الحفيد يعنى أن العائلتين ستظل بينهما علاقة ما، وقد أراد أن يضع مسألة فشل زواج بدرية خلف ظهره للأبد. 

يروى نصر ما أريد أن أضعه أمامكم لنتعرف أكثر على ما كانه، وعلى ما أصبحه. 

يقول: اصطحب والدى بدرية لطبيب مسيحى، وطلب منه التخلص من الطفل، كان من المستحيل العثور على طبيب مسلم يقوم بالعملية، لذا تصور والدى أن طبيبًا مسيحيًا سيفى بالغرض، وصف الطبيب لبدرية دواءً، وأخبر العائلة بأنه سيتسبب فى إجهاضها، لكنه لم يأت مفعوله. 

حقيقة ما حدث- كما يضيف نصر- أن الطبيب خدع والدى، وبدلًا من أن يصف لبدرية دواءً يساعدها على الإجهاض وصف لها مجموعة من الفيتامينات لتحافظ على صحة الأم والطفل. 

كان نصر يؤمن إيمانًا مطلقًا بأن لكل إنسان الحرية فى أن يختار ويقرر ما يرى أنه يناسب حياته، علق على هذا الموقف بقوله: لم يفكر أحد فى سؤال بدرية، ماذا تريد أن تفعل بشأن الطفل؟ لقد كان قرار والدى بمفرده. 

ليس هذا ما نقصده بالتحديد، فهناك ما هو أهم وأكثر. 

يضيف نصر: فى هذه الأثناء أنجبت بدرية طفلًا معافى، بعد فترة قصيرة من ولادته اصطحبها أبى للطبيب المسيحى، وسأله: ماذا حدث؟ أجاب الطبيب: حامد.. لقد تصورت لأننى طبيب مسيحى فضميرى لن يؤنبنى أن أقتل طفلًا لم يولد بعد، لقد كنت مخطئًا، ليس من حقك قتل الطفل ولا أنا. 

يختم نصر هذه الواقعة بقوله: لم يكن أبى فقط سعيدًا برد الطبيب، بل شعر بالفخر، وأخذ يروى تلك الحادثة على أصدقائه، معقبًا: هذا الطبيب إيمانه بالله أقوى منى. 

أعتقد أنك توقفت قليلًا عند المعنى الذى صاغه والد نصر ببراعة إنسانية.

فالإيمان لا يتوقف عند أصحاب دين ويتجاوز أصحاب دين آخر، صحيح أن نصر عبّر عن هذا الموقف بقوله: هذه الحادثة جعلتنى أرى كيف أن المسيحيين والمسلمين يعيشون سويًا متعاونين مع بعضهم البعض فى سلام، لكن المعنى الذى رسخ فى وجدانه كان أكبر من هذا بكثير، فالإيمان ليس حكرًا على أحد، وأنه ليس معنى أننا مسلمون أننا نحتكر الإيمان وحدنا، فكل مَن يعرف الله يأخذ من روحه ما يجعله يتصالح مع الإنسانية كلها. 

هذه التجارب سندتها ودعمتها معرفة نصر التى حصل عليها بعد ذلك. 

يقول: على الرغم من الظروف الاجتماعية المتواضعة التى صاحبت نشأتى، فإننى أصبحت تدريجيًا واعيًا بتاريخ بلدى الثرى وحضارته القديمة، قبل مجىء الإسلام بفترة طويلة، فمصر كانت وطن الكنيسة الأرثوذكسية، كنيسة لها طابع رهبانى قوى، حينما زحف الرومان لمصر بغرض توسيع رقعة إمبراطوريتهم خلال الجزء الثانى من الألفية الأولى، قاموا باضطهاد الأقباط ثم ذبحهم، حتى بعد أن صدقت الإمبراطورية الرومانية على الوجود الشرعى للديانة المسيحية فى العام ٣٠٠ ميلادية، استمر اضطهاد الأقباط، وفى النهاية انقسمت الكنيسة القبطية بقرار من مجمع خلقدونية فى العام ٤٥١ ميلادية، وأنشأ الأقباط بطرياركيتهم الخاصة فى الإسكندرية، مع العلم بأن الفرعين الشرقى والغربى للمسيحية لم ينفصلا رسميًا حتى عام ١٠٥٤. 

كان نصر يريد أن يقول للجميع إنه على وعى كامل بأن مصر لم تنشأ بعد دخول الإسلام إليها، ولكنها دولة لها عمقها وجذورها وثقافتها وحضارتها، بل كانت لها فضل كبير على الإسلام. 

يقول: كان القديس أنطونيوس الكبير، الراهب المسيحى الأول فى العالم قبطيًا، كذلك كان القديس باخوم الذى أرسى قواعد وقوانين الرهبنة المتبعة حتى يومنا هذا، بالإضافة للعديد من آباء الصحراء المشهورين، ومن بينهم القديس مقاريوس، موسى الأسود ومينا العجائبى، وآخرهم البابا كيرلس السادس وتلميذه الأسقف مينا أبا مينا، وعلى الرغم من اضطهاد الرومان للمسيحيين، فإنه بنهاية القرن الرابع انتشرت مئات الأديرة فى صحراء مصر وبقيت مزدهرة، لذا فأنا أعتقد أن الصوفية تستمد الكثير من مادتها الفكرية من تراث الرهبنة للكنيسة القبطية فى مصر. 

انفتاح نصر واستيعابه للكل جعله قادرًا على التفاعل مع كل المختلف معه، لكن كان هناك ما جعله يقدر المسئولية ولا يهرب من المواجهة، لقد أصبح نصر رب أسرة وهو لا يزال فى الرابعة عشرة من عمره، لم تكن لديه مشكلة أن يعمل وينفق على أشقائه من عمله سواء فى محل البقالة أو فى قسم الشرطة كـ«فنى لاسلكى»، لكن الذى كان مرهقًا حقًا له كان تعامله مع شقيقاته البنات فى فترات مراهقتهن. 

يعبر نصر عن ذلك: أرعبتنى فكرة تحمل مسئولية فتيات مراهقات. 

كانت لديه إشكالية كبيرة أعتقد أنها لم تقتحم كثيرين منا، كان يرى أنه له حظ ونصيب من الأخطاء، وقد تعلم منها بالفعل دروسًا قيمة، فلماذا لا تتاح لشقيقاته الصغيرات نفس الفرصة؟ 

ارتكاب الأخطاء وتعلم الدروس واستكمال الحياة.. هذا هو المعنى الأكبر لحياتنا. 

أعتقد أن نصر كان متفائلًا إلى درجة كبيرة وهو يفكر بهذه الطريقة، لكنه لم يكن مفكرًا نظريًا أو منافقًا، فقد طبق ما فكر فيه على نفسه، وهو ما يتضح لى من موقفين مهمين مر بهما فى حياته. 

الموقف الأول كانت بطلته شقيقته آيات، يقول: 

عندما كانت آيات أختى الصغرى فى الجامعة جاءنى أحد أصدقائى، وأخبرنى فى صوت غاضب: هل تعرف أن آيات تقابل أحدهم؟ 

أجبت: لا.. لكن لماذا أنت غاضب هكذا؟ 

سألنى: ألست خائفًا مما قد يحدث؟ 

أجبت: لا، ولو كنت خائفًا لما سمحت لها من البداية أن تذهب للجامعة، حيث يختلط الأولاد والبنات بصورة حرة، ماذا فيها إذا كانت تقابل أحدهم؟ 

بدا صديقى مذهولًا من رد فعلى اللامبالى، وأضاف: إذن فهى ترى أحد تلاميذك؟ هل ستخبرنى بأنك ستتغاضى عن الأمر وتنظر للجهة الأخرى؟ 

قلت له: أنا أخبرك بأننى أحاول تربية أختى بطريقة مناسبة. 

فقال لى: هب أنها ارتكبت خطأ، وسمحت لهذا الشاب بأن يمارس معها علاقة جنسية، ماذا ستفعل حينها؟

رد نصر: لن أكون سعيدًا بقرارها بالطبع.. قطعًا أرى أنها ستكون قد ارتكبت خطأ كبيرًا لو أقامت معه علاقة ما، لكننى لا أعتقد أنها إن فعلت- وهى لن تفعل- أنى سأقتلها.

وأضاف ما يجعلنا نعرف كيف كان يفكر وكيف كان يدير أمور حياته: لكن هل حقًا تعتقد أن شرف الفتاة يتلخص فى تلك القطعة من الجلد.. غشاء البكارة؟ 

جاءه بعد ذلك الشاب الذى تقابله آيات، وكان من تلاميذه المفضلين، طلب منه التحدث على انفراد، بادره قائلًا: أنا أحب أختك؟ 

فرد نصر باقتضاب: ثم؟ 

اندهش الشاب من رد فعل نصر، كان يتوقع أن يلومه أو يعاتبه أو يعنفه أو يرفض مقابلته من الأساس، كان منتظرًا منه أن يسأله عن أى شىء، لكنه انتقل به إلى ما يجب أن يفعله، ولذلك قال له: أليس لديك ما تسألنى عنه؟ 

رد نصر: لا، إذا أردت أن تتزوج آيات حينها سيكون عندى ما أقوله، لكنك تخبرنى بأنك تحبها، أنا لا أعرف إذا كانت تبادلك نفس الشعور، هذه معلومة ليس مطلوبًا منى أن أتخذ قرارًا بشأنها، أنت فى حاجة لأن تخبر آيات بهذا وليس أنا. 

هل كان نصر أبوزيد متسقًا مع نفسه كل هذا الاتساق، أم أنه وهو يتحدث عن نفسه كان يحاول أن يتجمل، فقد أفصح- عبر حوارات صحفية كثيرة- عن حياته بعد قضيته الشهيرة، وبعد أن أصبح هو مشهورًا، وكان طبيعيًا أن يرسم لنفسه صورة براقة، حتى لو خالفت بعض فصول حياته كما جرت فى الواقع.

واقع الحال يقول إن نصر لم يتجمل من أجل أحد، لو كان يجيد التجمل ما انتهت به الحياة إلى ما لاقاه من نفى وتهديد وتشريد وإبعاد وحصار، أسمعه وهو يتحدث عما جرى معه فى الموقف الثانى. 

بطلة الموقف هذه المرة هى أخته كريمة. 

يقول نصر: لقد آمنت حقًا بما كنت أقوله، على الناس أن يشعروا بحرية التجربة والتعامل مع حيواتهم، هكذا نتعلم، على الرغم من أننى كنت على دراية بصواب هذا التفكير، فإن رد فعلى الأول تجاه اكتشاف خطابات الحب الخاصة بكريمة «شقيقتى» كان الغضب، كان من الممكن أن أضربها، أو أعزلها عن العالم الخارجى، أمنعها من الذهاب إلى المدرسة، وكان هذا سيعد فعلًا مناسبًا من قِبل أب أو وصى، قياسًا على عادات المجتمع المصرى، لكنه بالتأكيد فعل غبى، لم أكن لأفعله من ناحيتى، لقد أردت لشقيقتى، كما لبقية إخوتى، أن يتمتعوا بحرية الاختيار واتخاذ قراراتهم الخاصة، كيف يمكن أن يتسنى لهم التعلم من التجربة، وأنا أقرر بالنيابة عنهم؟ بالطبع حاولت أن أثبطها من ناحية تلك العلاقة: سيكون لديكِ الوقت الكافى فى المستقبل لمثل هذه الأمور، أما الآن كل ما يجب أن تركزى عليه هو دراستك. 

نصر هنا ابن بيئته وثقافته وتجربته، لم يكن يستسلم بسهولة للأفكار السائدة ولا التصورات الرائجة ولا الصورة الذهنية الثابتة، لا عن البشر ولا عن العلاقات الإنسانية، وهو ما منحه رحابة ومتسعًا من العقل والقلب، تعامل بها مع دراساته وأبحاثه ومعاركه أيضًا. 

قد تكونوا عرفتم الآن كيف كان نصر أبوزيد متسامحًا على المستوى الإنسانى.

لكن لماذا قلت إنه لم يكن متسامحًا بنفس القدر مع خصومه ونقاده ومَن وقفوا فى طريقه، فهذه حكاية طويلة، تقتضى أن يكون بيننا بداية جديدة.

غدًا.. ماذا جرى لنصر أبوزيد فى مدرجات آداب القاهرة؟ 

تاريخ الخبر: 2023-04-05 21:21:30
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

عن جولات بيتكوفيتش الأخيرة: التزامات دورة «كاف برو» سبب غياب نغيز

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:42
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 65%

دورة مدريد لكرة المضرب.. البولندية شفيونتيك تتوج باللقب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:25:19
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

بطولة الرابطة الثانية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:49
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 56%

بينهم 4 من قسم الهواة: استفادة 20 ناديا من ورشة تكوينية للكاف

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:44
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

قيبوع مهدد بعقوبة: مدرب السنافر يطلب تجهيز خالدي

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 03:24:46
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 51%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية