هل نقول وداعا لهيمنة الغرب؟


الأحداث تتلاحق في العالم ومن العسر تقديم توقعات صائبة لما يمكن أن يقع. فكيف لنا أن نقرأ الدنيا التي حولنا؟ أظن أفضل قراءة تكمن في استنباط الدروس من عاقبة الأمور أو الأحداث وليس توقعاتنا عما تؤول إليه. والأمور في الغالب في عواقبها، أي ما تتركه من أثر مباشر في حياة الناس وسير الأحداث.

فإن كان للأمر مآل حسن يبشر بالخير للناس وينقلهم من الوضع الذي هم فيه إلى حال أفضل، فالعاقبة حميدة ويثنى عليها. وإن كان للأمر مآل سيئ لا يبشر بالخير ولا ينقل الناس من الوضع الذي هم فيه إلى حال أسوأ، فالعاقبة غير حميدة. والأحداث والأمور لم تعد تجري بما تشتهيه سفن الغرب، وعواقبها لم تعد مرضية، وصارت تؤثر سلبا في الناس مثيرة كثيرا من التذمر والتشكي.

مادة اعلانية

من كان يتصور أن دولا مثل السويد، المعروفة برخائها وثرائها الفاحش، تضطر إلى تقديم معونات "أو بالأحرى سلالا من المعونات" لتمكين الناس من دفع فواتيرهم مثلا.

دول الرخاء الغربية مثل السويد كانت دائما لها سلال معونات، ولكن هذه كانت محصورة لدعم العاطلين عن العمل والمستضعفين من الناس. وهؤلاء كانوا يمثلون شريحة صغيرة جدا.

اليوم الأمر مختلف. عاقبة الأحداث فرضت على السويد تقديم دعم مادي للناس أجمعين، لأن الكل تقريبا يرى أنه صار في خانة المستضعفين. إذا كان هذا حال السويد، فكيف يا ترى يكون وضع دول غربية أخرى؟ المعاناة كبيرة وهي عاقبة الأحداث الجارية في أوروبا، وعلى الخصوص الدول الغربية فيها.

قد يرى البعض أن السويد مثال لا يقبل التعميم. لا ضير. ولكن ماذا عن تأثير الدول الغربية في العالم؟ أليست هناك محاولة حثيثة من دول عديدة ومؤثرة للخروج من إطار الهيمنة شبه المطلقة للغرب على العالم التي صار لها ما يقارب من 100 عام؟

لنأخذ مثالا آخر، ونحاول سبر أغوار عاقبة الأمور والأحداث.

من كان يتصور أن الدول المصدرة للنفط، بقيادة المملكة، ستنجح في مسعاها لتشكيل منظمة أوسع من "أوبك" تضم كبار منتجي الطاقة في العالم، تصدر قرارات مستقلة تضع مصالح شعوبها في الحسبان غير مكترثة لأي ضغط إن من الغرب أو غيره؟ قرارات منظمة "أوبك +" الأخيرة هي عاقبة الأحداث التي تمر بها الدول الغربية وعلى الخصوص عواقب الحرب المدمرة في أوكرانيا التي وضع الغرب فيها كل ثقله المالي والعسكري.

لا يخرج الغرب حاليا من حفرة إلا ويقع في أخرى، ولهذا كثرت الأسئلة والفرضيات وغابت الأجوبة، وكثرت الأزمات والمشكلات وغابت الحلول. ومن ثم كل خطوة يتخذها الغرب تقريبا لها الآن ردود أفعال سلبية وقوية تفرغها من محتواها أو ترتد سلبا عليه.

وضعوا خططا لاحتواء الصين وإذا بها ترتد وبالا. الصين اليوم المستفيد الأول من سياسات الحصار الاقتصادي التي يتخذها الغرب أداة سياسية لتحقيق مآربه النفعية.

أمنت الصين اليوم الحصول على طاقة مناسبة السعر ومستدامة التدفق من روسيا بعد أن فرض الغرب على الأخيرة سلالا عديدة من القيود الاقتصادية ما لم ربما يشهده العالم في التاريخ. واليوان، العملة الصينية، دخل معترك التجارة الروسية ـ الصينية المتنامية.

وكذلك الهند التي لا تحصل على طاقة مناسبة السعر من روسيا بل تكرر واردات النفط التي تحصل عليها من موسكو وتعيد تصديرها إلى الغرب بأسعار مغرية، مجنبة بذلك آثار التضخم، الذي يعاني منه الغرب الأمرين، في اقتصادها. الهند تدفع ثمن الكميات الكبيرة من النفط التي تستوردها من روسيا بالروبية، عملتها المحلية، وتبيع المواد المكررة بالعملة الصعبة للغرب.

وعاقبة أكثر سلاح اقتصادي فتكا ـ وهو الدولار ـ لم تكن حميدة للغرب. لم تستخدم عملة أو سلعة أداة للضغط السياسي على دول أخرى مثل الورقة الخضراء.

ولم يكن في يد أي دولة في التاريخ سلاح اقتصادي فتاك مثل سلاح الدولار. لكن الطبيعة البشرية مبنية أو مخلوقة على أساس درء الخطر إن كان بيئيا، أم بايولوجيا، أم اقتصاديا، أم عسكريا، أم غيره.

واحد من أهم عواقب الأحداث الأخيرة هي ردة فعل كثير من الدول على سلاح الدولار، حيث صارت دول عديدة تفكر مليا ـ لا بل إن بعضها اتخذ خطوات جدية ـ للتخلي عن الدولار في التجارة، وبناء مؤسسات للمقاصة بالعملات المحلية. وأتى الخبر اليقين من البرازيل، أقوى اقتصاد في أمريكا الجنوبية الذي يحتل المرتبة السابعة في العالم، حيث اتفقت مع الصين، ثاني أقوى اقتصاد في العالم، على التخلص من الدولار واستخدام عملتيهما المحليتين في التبادل التجاري. لا أقول وداعا للغرب، وربما نحن الذين بلغنا من العمر عتيا لن نشهد أفول نجمه، لكن لا يخفى أن هناك حملة عالمية للإطاحة بهيمنته المطلقة.

* نقلا عن صحيفة "الاقتصادية"

تاريخ الخبر: 2023-04-08 15:19:29
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 81%
الأهمية: 87%

آخر الأخبار حول العالم

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:27
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية