تفحيم الخشب نواحي سيدي سليمان.. نحو بديل إيكولوجي ينهي تلوثا بيئيا يخنق الساكنة


إعداد: مجموعة تلاميذ بثانوية القصيبية التابعة لمديرية سيدي سليمان (خديجة حنين، فاطمة الزهراء داويني، منتصر المهداني، خولة الدريدي، حنان افريقيش، سلمى الحسيني)، تحت إشراف الأستاذة جهان وريع (منسقة نادي التنمية الذاتية بالمؤسسة).

 

ويندرج هذا الربورتاج في إطار مشاركتهم في برنامج “الصحافيين الشباب من أجل البيئة” في دورته الـ21 والذي أطلقته وزارة التربية الوطنية بشراكة مع مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة.

 

بوجه شاحب يكسوه السواد وثياب رثة، يقف “محمد” في ناحية من غابة شاسعة تمتد على طول جماعة القصيبية القروية وهو يَرُصُّ قطعا خشبية على أرض مستوية على شكل “هرم”، قبل أن يشرع في إشعال النار فيها لتنبعث سحابة سوداء يمكن رؤيتها بمجرد الانعطاف من مدينة “سيدي يحيى” على الطريق الجهوية رقم R411 المؤدية إلى “دار الكداري”، والتي تعتبر علامة على انطلاق عملية “تفحيم” تهدد البيئة والصحة العامة.

 

بالنسبة لساكنة هذه الجماعة التابعة لإقليم سيدي سليمان، فإن “تفحيم الخشب” هو وسيلتهم لكسب لقمة العيش، خاصة في فترات الجفاف كما هو الشأن هذه السنة، لكن المدافعين عن البيئة يرونه تهديدا للثروة الغابوية التي تزخر بها المنطقة وأحد مظاهر التلوث البيئي.

 

فما هي أسباب “تفحيم الخشب” بالمنطقة؟ وكيف يساهم في تلوث الهواء؟ وهل هناك بديل إيكولوجي؟

التفحيم” رغم الألم !

يَعتبر “محمد” (اسم مستعار) وهو رجل أربعيني يقطن بأحد دواوير الجماعة أن تفحيم الخشب إرث عائلي حان دوره ليحمله. هو لا يعرف تاريخ مولده بدقة، لكنه يتذكر لحظة تقلده مِشعل هذه “المهمة الصعبة” -كما يصفها – قبل نحو عشرين عاما، إذ ما زال يقطن بيتا يُطِلُّ على الغابة التي تعتبر مورد رزقه من خلال إنتاج الفحم من أخشابها على مدار السنة، ملقيا باللوم على من يمتهنون نفس حرفته موسميا، إذ يعتبرهم متطفلين لا يقدرون على إنتاج أجود أنواع فحم “الأوكاليبتوس” كما يفعل.

 

خارج بيته المتواضع، ينخرط “محمد” في تكسير الخشب الذي يقطعه من الاشجار ولا يجمعه من الأرض، حرصا على جودة الفحم، إلى قطعٍ متساويةٍ بطول يتراوح بين متر ومتر ونصف ووضع بعضها فوق بعض على شكل “هَرَمٍ”، قبل أن يعمد إلى وضع عصا في الوسط طولها حوالي المترين مباشرة بعد انتهاء عملية ترتيب الأخشاب حولها. وفي المرحلة الثانية، يقوم بجمع أوراق شجر جافة عليها لكي تحترق بسرعة، ثم يشرع في تغطية “الهرم” بالرمال مع ترك فتحة لإشعال النار منها، لينتقل في المرحلة الأخيرة إلى إدخال قطعة قماش مبللة بالبنزين في الفتحة لإشعال “الهرم الخشبي” من الداخل، وبمجرد تصاعد ألسنة اللهب يغلق الفجوة لمنع تسرب الهواء إلى داخل الهرم حتى تتم عملية الاحتراق البطيء.

 

يستغرق الأمر أزيد من عشرة أيام، يقول “محمد”، قبل أن تتحول الأعواد وقِطَعُ الخشب إلى فحمٍ يستخرجه باستعمال آلة تسمى “المدرة”، قبل أن يشرع في تعبئته بعد أن يبرد في أكياس كانت غالبا تخزن الدقيق في السابق، في انتظار بيعه لأحد زبائنه المعتادين أو إرساله لأحد مطاعم الشواء التي يتعامل معها، في حين يختار مع اقتراب عيد الأضحى بيعه للعابرين على جنبات الطريق.

 

تتجاوز عملية تفحيم الخشب الإرث العائلي إلى رغبة جماعية في الحصول على “الذهب الأسود” رغم أضراره بالبيئة. كحال “سعيدة” (اسم مستعار) ابنة الدوار التي تشق طريقها مع زوجها بشكل شبه يومي نحو الغابة وبحوزتهما فأس وحِبال لاستعمالها في جمع فروع الأشجار والخشب الجاف من الأرض وتقطيعها إلى قطع متساوية، وهي مهمة غير يسيرة، كونهما سيحتاجان ـ حسب خبرة “محمد” – إلى ما يعادل خمسة كيلوغرامات من خشب الأوكاليبتوس الممتاز للحصول على كيلوغرام واحد من الفحم الخشبي !!

 

ورغم الآلام التي تشعر بها في عظام رقبتها ومفاصلها وتقوس ظهرها جراء كومات الخشب الثقيلة التي تحملها من الغابة، تُصِرُّ “سعيدة” على تفحيم الخشب رفقة زوجها لتأمين مدخول قار، إذ ترى أن التوقف عن إشعال النيران في خشب أشجار الغابة سيجعلها عاجزة عن إخماد نيران الجوع التي تحرق بطون أطفالها الثلاثة.

أضرار بيئية وصحية

في ظل عدم المبالاة بأضراره على البيئة والإنسان، أصبح “تفحيم الخشب” نهجا لعدد من ساكنة الدوار، وهو ما ينطبق على “الحسن” (اسم مستعار) الرجل الخمسيني الذي يقصد الغابة كل صباح، من أجل جمع أكوام الحطب ومراقبة “الكوشة” لكي لا يتحول الخشب إلى رماد، وذلك رغم معاناته من آلام مستمرة في صدره تتفاقم مع استنشاقه الدخان المتصاعد في الهواء عند كل عملية تفحيم، دون أن يخفي خشيته من الإصابة بسرطان بالرئة، كما حدث مع صديق مقرب منه شاركه نفس العمل حتى انتهت حياته قبل مدة.

 

في هذا الصدد، يعتبر مصطفى إكن طبيب اختصاصي في الأشعة في تصريح خاص، أن “الغازات المنبعثة من تفحيم الخشب فضلا عن أضرارها البيئية، فإنها تتسبب في إبطاء نشاط الجهاز المناعي، وإتلاف الخلايا الالتهابية التي تحمي المسالك الهوائية”، مضيفا أن “الملوثات الناتجة عن دخان الخشب لا تؤثر على الأطفال والمسنين فقط، بل تمتد إلى الأشخاص الأصحاء الذين لم يسبق لهم المعاناة من مرض مزمن سواء على مستوى الجهاز التنفسي أو القلب”.

 

ومن الأمثلة عن الضرر الذي يلحق الأفراد جراء تفحيم الخشب، ما يعانيه الطفل “أحمد” ذو السنوات الخمس من حساسية مفرطة بسبب قرب منزل والديه من أحد المفاحم بالغابة، حيث تقول أمه في غضب: “الجميع يعتقد أن هواء القرية أنظف من هواء المدينة، ولكن ما نعانيه نحن وأبناؤنا مأساة حقيقية”.

 

ليس الطفل “أحمد” الوحيد الذي يشتكي من ضيق في التنفس بسبب تلوث الهواء الناتج عن تفحيم الخشب، فقد عبر عدد من تلاميذ مدرستين ابتدائيتين وثانوية يقطنون بمحاذاة الغابة في أجوبة متفرقة، عن إصابتهم بأمراض تنفسية كالحساسية والربو، بسبب الدخان الكثيف الناتج عن عمليات تفحيم الخشب.

نحو بديل إيكولوجي

هل هناك حل للتلوث البيئي الناتج عن عمليات تفحيم الخشب “غير الآمنة”؟ سؤال تجنب الرد عليه بعض ممتهني هذا العمل بالدوار الذين يرون الفحم “ماسا” يوفر لهم لقمة العيش الصعبة، لكن المتضررين دعوا في تصريحات متفرقة إلى ضرورة إيجاد بدائل إيكولوجية، على غرار ساكنة جماعة “دار بلعامري” القروية القريبة، التي وقعت السنة الماضية عريضة احتجاجية، من أجل “رفع الضرر الذي تحدثه محطات صناعة الفحم، وإبعاد ممتهني عملية تفحيم الخشب عن محيط التجمعات السكنية”، حسب ما جاء في نصها.

 

ويبقى الحل بنظر الحسين المسحت، عضو السكرتارية الوطنية للائتلاف المدني من أجل الجبل، في تصريح خاص، في “تظافر الجهود لخلق مدن وقرى ومجتمعات مستدامة تضمن للأجيال القادمة صحة جيدة وتحافظ على جودة الهواء”، إضافة إلى “التربية والتحسيس بالتنمية المستدامة التي تعتبر المهمة الأساسية لمؤسسة محمد السادس لحماية البيئة منذ إحداثها في شهر يونيو 2001″، داعيا إلى “البحث عن بديل إيكولوجي من خلال تثمين النفايات النباتية”.

 

وتتقاطع دعوة المسحت مع موضوع دورة تكوينية نظمت بأكادير في مارس الماضي، من طرف المديرية الجهوية للمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، كما جاء في بلاغها، انتهت إلى ضرورة الوصول إلى “الفحم الأخضر” عن طريق إنتاج محروقات تحافظ على البيئة والمناخ.

 

تاريخ الخبر: 2023-04-08 18:20:08
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 74%
الأهمية: 84%

آخر الأخبار حول العالم

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:12
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:30
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية