92 عامًا مرت على وفاة الأديب اللبناني جبران خليل جبران، الذي رحل في نيويورك وتحديدا يوم 10 أبريل لعام 1931، بعد إصابته بمرض السل وتليف الكبد، ودفن في لبنان بعد عام من وفاته بنقل رفاته بدير مار سركيس، وتحول فيما بعد إلى "متحف جبران"، وخصص للتعريف به، إذ يحتوي على أدواته الحرفية التي كان يستخدمها خلال حياته في نيويورك، وغيرها من رسومات ومخطوطات أصلية خاصة به، حيث يضم المتحف 440 لوحة فنية.

في قرية "بشري" بشمال لبنان؛ حيث ولد جبران خليل جبران؛ لأسرة فقيرة، كانت والدته حينها في الثلاثين من عمرها، ووالده هو زوجها الثالث، الذي كان يعمل راعيا للماشية، إلا أنه فقد عمله بسبب انشغاله بالقمار وشرب الكحول، وكثرة الديوان المتراكمة عليه، كما أن الفيلسوف اللبناني الراحل لم يتلق التعليم الرسمي خلال شبابه في متصرفية جبل لبنان، وهاجر صبيا مع عائلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استقرت العائلة بحي الصينيين.

بدأ جبران خليل جبران حياته فنانا، إلا أنه غلب على شخصيته الأدب، وأصبح أحد أعلام الأدب العربي في العصر الحديث، وأشهر أدباء المهجر، وقطب من أقطاب التجديد، وفي نفس الوقت كان مصرا على الرسم، متأرجحا بين إبداعين تمكنا منه وتمكن منهما، ووصل نتاجه التشكيلي 600 عمل بين لوحة ودراسة ومخطط، فضلا عن خوضه تجربة قصيرة في النحت، رغم أنه منذ البداية اختار الرسم دون النحت في توجهاته التشكيلية، بعد أن نصحه صديقه النحات اللبناني يوسف الحويك بقوله: "الشرق بحاجة إلى نحات، ثم: إنك حتما نحات خير منك رسام.. دونك النحت.. تخصص بالنحت.. في الشرق العربي لا يوجد نحات.. ستكون أول نحات"، ومع ذلك فقد نفذ عددا محدودا من المنحوتات الخشبية.

بدأ جبران تجاربه في الرسم عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، أي في عام 1898، وكان حينها في بوسطن من الولايات المتحدة الأمريكية، وتركزت رسومه على موضوعات الحب والشاعرية السحرية، مع بدايات الاتجاه الرؤيوي النبوي، بالإضافة إلى رسم عدد من الأتوربورتريهات والبورتريهات التي عمل على تصويرها تصويرا واقعيا كلاسيكيا.

ومع بداية المرحلة الباريسية وإطلاعه عن كثب على محترفات الفنانين الفرنسيين في بداية القرن، حيث كانت باريس محط أنظار فناني العالم وعاصمة الفن التشكيلي بلا منازع، تطورت لوحة جبران خليل جبران بشكل ملحوظ وتطورت تقنياته وموضوعاته وقدرته على تكثيف التعبير داخل اللوحة، وبدأت العلاقة تتضح أكثر بين اللون الذي يستخدمه في اللوحة والطبيعة الروحانية التي يريد توكيدها في اللوحة.

هكذا استمر التحول في لوحة جبران خليل جبران بعد عودته إلى بوسطن أيضا، فتحول البورتريه مثلا من نزوعه الواقعي الكلاسيكي إلى اختصار المسافة أكثر بين الشكل وداخله، بين الوجه ونفس صاحبه، بين المرئي المحسوس من جهة والمتخيل أو الروح من جهة ثانية، وفي تلك المرحلة اختبر وجوها كثيرة والتقى شخصيات عظيمة فتفرس وجوههم وحادثهم واختبر انفعالاتهم ليصورهم شكلا ومضمونا وجها وةحا، ليصور الانفعالات والأفكار.

وفي المرحلة الأمريكية الأخيرة والتي استمرت حتى وفاته عام 1931، انطلق جبران خليل جبران متحررا من الأمثلة والأشكال المرئية والوجوه والشخصيات المحددة التي تحبس الفنان عن بوحه الداخلي وتوجهه نحو اختبار الآخر، فصور الوجوه بأشكال هيولية شعرية وسحرية، رسمها من داخله وكما يتخيلها، بل أحيانا رسم انفعالاته على هيئة وجوه، ورسم أفكاره على هيئة أجساد، وطهرانيته على شكل نساء عاريات مصلوبات بالحب والأمومة والعذاب والثورة والشهادة.