محمد الباز يكتب: «حقد شخصى» كلمة السر فى تقرير تكفير عبدالصبور شاهين لنصر أبوزيد

لم يكن عبدالصبور شاهين، رأس الحربة فى معركة تكفير نصر حامد أبوزيد، موجودًا فى الصورة عندما قامت اللجنة العلمية الدائمة للترقية بجامعة القاهرة بتوزيع الإنتاج العلمى لنصر فى ٢٨ مايو ١٩٩٢ على اللجنة الثلاثية المكونة من الدكتور شوقى ضيف والدكتور محمود على مكى والدكتور عونى عبدالرءوف. 

كان من المفروض أن تقدم اللجنة الثلاثية تقريرها العلمى عن إنتاج نصر خلال شهرين، أى فى ٢٨ يوليو ١٩٩٢، لكن حدث ما لم يكن يتوقعه نصر وإن كان لم يستبعده. 

لم يقدم الدكتور شوقى ضيف تقريره فى الموعد المحدد، فأجلت اللجنة الموعد لشهرين، على أن يتم تقديم التقرير بشكل نهائى فى ٢٨ سبتمبر ١٩٩٢. 

فى الموعد الجديد لم يلتزم الدكتور شوقى ضيف، ولم يقدم تقريره، رغم أنه كان قد انتهى منه بالفعل. 

كان هناك ما يحدث دون أن يعرف نصر عنه شيئًا. 

دارت فى اجتماع لجنة الترقيات مناقشات لم تكن فى صالحه. 

طلب الدكتور محمود على مكى مقابلة الدكتور جابر عصفور الذى كان وقتها رئيسًا لقسم اللغة العربية الذى ينتمى إليه نصر، وفى بيته بالدقى جلسا معًا. 

قال مكى: يا جابر أنا موفد إليك من د. شوقى ضيف، وهو كتب تقريرًا سلبيًا، ويرفض الترقية، ولأنك رئيس قسم اللغة العربية، أرسلنى آخذ رأيك ورد فعلك على التقرير سرًا، لمعرفته بصداقتنا وإنت عارف مكانته، وهو عايز يحافظ على صورته فى القسم، وأنا اختلفت معاه وحاولت إقناعه بأحقية نصر. 

سأل جابر مكى: هل قرأت التقرير الذى كتبه الدكتور ضيف؟ 

كان التقرير مع مكى فأعطاه لجابر فقرأه كاملًا، صمت قليلًا، ثم دار بينهما هذا الحوار: 

مكى: إنتاج نصر يستحق الترقية، وإن كانت هناك هفوة هنا أو هناك، فهى لا تقلل من قيمة الإنتاج العلمى على الإطلاق، واللجنة رقت كثيرين أقل قيمة وشأنًا بكثير، ود. عونى عبدالرءوف أوصى بالترقية فى تقريره. 

جابر: يا دكتور مكى أنت أعلم منى أن الترقية العلمية تكون على أساس الجهد والاجتهاد فى المنهج، وليس لاتفاقه واختلافه مع آراء لجنة التحكيم ومنهجها، وإلا لما تقدم البحث العلمى. 

مكى: جابر أنا حاولت كتير معاه وفشلت، رافض هذه المناهج الجديدة، ولم يعجبه ما كتبه نصر عن الشافعى، وأنت عارف أنه كان شافعى المذهب فى دراسته الأزهرية. 

جابر: أنت عارف مدى كتمان أستاذنا شكرى عياد الشديد، لكنه كان يعرب باستمرار لى عن ضيقه من مواقف شوقى المتعصبة والمنغلقة الفكر، حتى إنه قال إنه كان أحد الذين تسببوا فى محنة د. محمد أحمد خلف الله زميل د. شكرى عياد وضد أستاذهم أمين الخولى فى الأربعينيات، ورفض قبول رسالته للمناقشة لخروجها عن المأثور من القواعد المألوفة فى معالجة نصوص القرآن، لذلك فموقفى من التقرير ده هيكون الرفض فى مجلس القسم، وأنا واثق أن هناك من سيقف معى، إحنا ورثنا أحكام وتقاليد الاختلاف منكم. 

مكى: مفيش داعى لكل ده، لولا أنه حريص على معرفة رأيك، ما أرسلنى إليك، وسأجد حلًا معه أو أقنعه بتغيير التقرير. 

عجز الدكتور مكى عن إقناع الدكتور شوقى ضيف بوجهة نظره، فلم يغيّر تقريره، لكنه لجأ إلى الحل المريح له، والمزعج لنصر، تنحى عن موقعه فى اللجنة وطلب إعفاءه بحجة أن الإنتاج غزير ومتشعب، ولا تسعفه ظروفه الصحية، وهو ما لم يكن صادقًا فيه، كان قد قام بفحص إنتاج نصر بالفعل، وكتب تقريرًا سلبيًا، لكن يبدو أنه لم يكن بالشجاعة الكافية ليواجه أساتذة قسم اللغة العربية بما قاله فى التقرير من تقليدية وانغلاق. 

لم يضع شوقى ضيف مكانه فى اللجنة أستاذًا من أساتذة قسم اللغة العربية بكلية الآداب، ربما لأنه كان يعرف أنه سينحاز لنصر، لكن اختار الدكتور عبدالصبور شاهين، أحد أساتذة كلية دار العلوم، الذى يبدو أنه كان يعرف مسبقًا موقفه من نصر. 

قبل أن يعلن عبدالصبور شاهين موقفه من إنتاج نصر العلمى، حدث أن التقى به مصادفة أمام فرع البنك الأهلى بجامعة القاهرة. 

يقول نصر: أظهر أنه لا يعرفنى، فقدمت له نفسى، ودخلنا إلى البنك، وفى طريق خروجه نادى علىّ: يا دكتور نصر أنا عايزك لو سمحت فى موضوع، تركت مكانى فى الصف وذهبت إليه وهو خارج من البنك فى اتجاه سيارته، وبين الحين والآخر يتقدم أحد المريدين مقبلًا يده، وهو يستغفر الله مبتسمًا، وبدأ بينهما الحوار: 

شاهين: يا دكتور نصر إذا أردنا أن نرقيك أستاذًا فعلى أى تخصص تكون ترقيتك؟ 

نصر: هذا يتوقف على المعيار القديم لتصنيف التخصصات، أما المعيار الحديث الذى لا يضع فواصل عازلة ويفتح المجال للتخصصات البينية. 

شاهين: وضّح أكثر لو سمحت. 

نصر: بالمعيار الكلاسيكى، فتخصصى هو الدراسات الإسلامية. 

شاهين: تقصد الفلسفة الإسلامية؟ 

نصر: بل كل ما يحيط بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية من تراث تفسيرى يدخل تحت مفهوم الدراسات الإسلامية بالمعنى المتعارف عليه، فى التصنيف الكلاسيكى المأخوذ به فى الجامعات العربية. 

شاهين: وما هو التصنيف الحديث؟ 

نصر: تخصصى يكون علم تحليل الخطاب. 

شاهين: أنا شاكر لك. 

كان عبدالصبور شاهين فيما يبدو ينسج خيوط شبكته الجهنمية حول نصر، ويبدو أن أسئلته له كانت من باب إحكام القبضة عليه وليس إلا، وهو ما اتضح كاملًا بعد ذلك. 

فى صباح يوم الخميس ٣ ديسمبر من العام ١٩٩٢ اجتمعت اللجنة العلمية الثلاثية، التى أخذت قرارًا بترقية عدد كبير ممن تقدموا للحصول على الترقية، ثم جاء الدور على نصر، لتبدأ الدراما العنيفة التى لا نزال نعيش فيها حتى الآن. 

عرض الدكتور محمود مكى تقريره عن أعمال نصر، وختم كلامه بقوله: نرى أن إنتاجه كافٍ، يؤهله إلى درجة أستاذ فى اللغة العربية بكلية الآداب فى جامعة القاهرة. 

وعرض الدكتور عونى عبدالرءوف تقريره وختمه بقوله: أعمال نصر ترقى للحصول على درجة أستاذ والله الموفق وبه نستعين. 

ثم جاء الدور على عبدالصبور شاهين الذى عرض تقريره، ثم قال: الإنتاج المقدم لا يرقى إلى درجة أستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، والله ولى التوفيق. 

اشتعلت اللجنة، عندما قبلت تقرير عبدالصبور شاهين رغم أنه تقرير فى مواجهة تقريرين، وكان صوت الدكتور شوقى ضيف هو من رجّح كفة شاهين، انسحب الدكتور سيد النساج احتجاجًا على رفض تقريرين لعالمين جليلين يوصيان بالترقية، وقبول رأى تقرير واحد. 

كان الاعتراض الوحيد فى اللجنة أن يصدر التقرير النهائى وهو يحمل عبارات تتعرض لعقيدة الباحث أو مهاجمة أفكاره، كشرط لأن يصدر بتوقيع أعضاء اللجنة جميعًا، فقد كان التقليد الذى وضعه طه حسين للجان الترقية أن يتم النظر فى منهج الباحثين وأدواتهم البحثية ولا يتم الالتفات إلى أفكارهم أو عقيدتهم، وهو ما خالفه عبدالصبور شاهين ولم يتصد له أحد من أعضاء اللجنة، اللهم إلا الدكتور سيد النساج. 

لم يكن تقرير عبدالصبور شاهين تقريرًا علميًا من أى جانب، وهو ما يتضح لنا من نصه الذى سأضعه أمامكم هنا كاملًا، لتحكموا عليه أنتم أيضًا: 

جاء تقرير عبدالصبور شاهين تحديدًا عن كتاب «نقد الخطاب الدينى»- وهو إحدى الدراسات التى تضمنها إنتاج نصر المقدم إلى لجنة الترقية- على النحو التالى: 

«الكتاب يقع فى مقدمة وثلاثة فصول، ويتضمن مجموعة من البحوث». 

«وفى المقدمة يهجم الباحث على الغيب بأسلوب غريب، فيجعل العقل الغيبى غارقًا فى الخرافة والأسطورة، مع أن الغيب أساس الإيمان». 

«وهو أيضًا يقع فى مغالطة خطيرة حين يقرر أن العلمانية ليست فى جوهرها سوى التأويل الحقيقى، والفهم العلمى للدين، وليست ما يروج له المبطلون من أنها الإلحاد الذى يفصل عن المجتمع والحياة، ويقول: إن الخطاب الدينى يخلط عن عمد، وبوعى ماكر خبيث بين فصل الدولة عن الكنيسة، أى فصل السلطة السياسية عن الدين، وبين فصل الدين عن المجتمع والحياة، ولا أدرى إن كان ذلك عن جهل بمفهوم العلمانية، أو هو يضاعف من خطورة هذا الاتجاه بتزييف المفاهيم». 

وفى الفصل الأول من الكتاب يتصدى لنقد الخطاب الدينى المعاصر بمناقشة قضية النص، وقضية الحاكمية، ويشتد نقده للأزهر وللدولة فى مواجهة التطرف، وهو ينتصر بحماس شديد لرواية سلمان رشدى «آيات شيطانية» مع ما اشتهرت به من فساد وهلوسة، وهو غالبًا لم يقرأها، ولم يعرف ما حفلت به من نتن لا أدبى، وعفونة خرجت من أحشاء كافر مرتد، ومع ذلك يزيد فى الخروج على معايير النقد الموضوعى، ويتجاهل أمانة الكتابة الفكرية، بل هو يسقطها حين يضع سلمان رشدى فى موقع مشابه لموقف الكاتب نجيب محفوظ فى «أولاد حارتنا». 

«والواقع أن النغمة الحادة التى يتحدث بها المؤلف تجمع بين عناصر مختلفة تمامًا، فالأزهر والتطرف شىء واحد، والخطاب الدينى الرسمى وغير الرسمى سواء، والعلماء كهنوت يمثل سلطة شاملة، ومرجعًا أخيرًا فى شئون الدين والعقيدة». 

«وهو ينعى على الخطاب الدينى أن يرد كل شىء فى العالم إلى علة أولى هى (الله) ويرى أن ذلك إحلال لـ(الله) فى الواقع، ونفى لـ(الإنسان) كما أنه إلغاء للقوانين الطبيعية والاجتماعية، ويميل إلى مقولة الفكر الغربى بأن الله خلق العالم ثم تركه، كما أن صانع الساعة تركها تدور رحاها». 

«وهو يدافع بحرارة عن الماركسية، الفكر الغارب، ويبرئها من تهمة الإلحاد، بل يقول بخطأ تأويل الماركسية بالإلحاد والمادية، ولعله يتصور أن ماركس كان مؤمنًا روحى النزعة». 

«وقد تتبع الباحث فكر سيد قطب حتى فيما أثبتته نصوص القرآن، فهو يستنكر أن يوصف المخالفون للإيمان بالكفر، وكأنه اعتراض على القرآن ذاته الذى جاء فيه فى سورة البينة: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة)، كما جاءت آيات كثيرة فى وصف المخالفين للإسلام بالكفر». 

«وخلاصة القول: إن الباحث وضع نفسه مرصادًا لكل مقولات الخطاب الدينى، حتى ولو كلفه ذلك إنكار البديهات، إو إنكار ما علم من الدين بالضرورة، ولسوف يطول بنا الحديث ولن ينتهى إلى نتيجة، كما أن الكتاب كله لم يصل إلى أى نتيجة سوى تلك النغمة النقدية المسرفة، فهو بحق جدلية تضرب فى جدلية، لتخرج بجدلية، تلد جدلية، تحمل فى أحشائها جنينًا جدليًا، متجادلًا ذاته مع ذاته، إن صح التصور أو التعبير، وليست هذه سخرية، ولكنها النتيجة التى يخرج بها قارئ هذا الكتاب غير المنشور». 

لم يلتفت عبدالصبور شاهين إلى بقية إنتاج نصر حامد أبوزيد، أزعجه كتاب «نقد الخطاب الدينى» الذى كان خلاصة تفكير وتأمل نصر أبوزيد فى إشكالية الخطاب الدينى المعاصر، لكن الأمر لم يكن كذلك فقط، فقد كان فى هذا الكتاب ما يمس عبدالصبور شاهين شخصيًا. 

يمكننا الآن أن نفتح كتاب نصر أبوزيد «نقد الخطاب الدينى» لنرى معًا ما الذى أغضب عبدالصبور شاهين. 

فى مقدمة الكتاب نقرأ على لسان نصر: إذا كان هناك مَن لا يزال يتشكك فى جدوى التصدى بالدرس والتحليل والتمحيص للفكر الدينى بمختلف اتجاهاته وفصائله، بدعوى أن الدين مكون جوهرى أصيل من مكونات هذه الأمة، وأنه لا بد من ثم أن يكون عنصرًا أساسيًا فى مشروع النهضة، فإن عليه أن لا يأخذ الخطاب الدينى بظاهر أطروحاته الدعائية الإعلامية، وعليه أن يفهم اليافطات فى سياق المواقف السياسية المباشرة من قضايا التنمية والعدل الاجتماعى والاستقلال الاقتصادى والسياسى. 

ويشير نصر إلى عملية النصب الكبرى الأخيرة التى لا مثيل لها ربما فى تاريخ البشرية التى تمت باسم الإسلام. 

يقول عنها نصر: لم يكن لها أن تحقق ما حققته دون تمهيد الأرض بخطاب يكرس الأسطورة والخرافة ويقتل العقل، وكانت الأسطورة أن التقوى تجلب البركة وتدر الربح الوفير، وهى أسطورة وقع فى أحابيلها الشيطانية لا العامة والأميون فقط، بل متعلمون ومثقفون وعلماء واقتصاديون، وليس مهمًا أن يكون محركهم للوقوع فى الأحبولة الإيمان أو الطمع، ما دام غياب العقل والمنطق بما فى ذلك العقل النفعى الخالص ارتبط بالحالتين. 

كان ما قاله هنا مزعجًا لعبدالصبور شاهين بشكل شخصى. 

كان نصر يدافع عن الفقراء والمساكين والمغفلين الذين تم الضحك عليهم باسم الله، من قِبل هؤلاء الذين عملوا فى شركات توظيف الأموال، وحصلوا على مدخرات المصريين ثم أضاعوها وأضاعوهم. 

لم يهاجم نصر أصحاب هذه الشركات فقط، ولكنه كان يهاجم وينتقد رجال الدين الذين ساعدوا أصحاب هذه الشركات فى خداعهم للناس باسم الدين، وكان عبدالصبور شاهين واحدًا من هؤلاء، بل كان على رأسهم. 

كان عبدالصبور رسميًا مستشارًا دينيًا لمجموعة شركات «الريان»، وقد دعم أولياء نعمته عبر عدة آليات منها: 

أولًا: التركيز فى خطبه من على منبر مسجد عمرو بن العاص وبرامجه التليفزيونية على تحريم فوائد البنوك، وكان يدفع بالشيوخ الآخرين لتبنى هذا الخطاب عبر منصاتهم المختلفة، وكان يعرف أنه بذلك يدفع الناس إلى سحب أموالهم من البنوك، لأن التعامل معها حرام وتقديمها على طبق من ذهب إلى أصحاب شركات توظيف الأموال، مع قناعة تامة أنهم بذلك يرضون الله ورسوله. 

ثانيًا: كان يتواصل شخصيًا مع الصحفيين والكتّاب المؤثرين، وينظم معهم لقاءات متعددة وممتدة ومدفوعة ومشفوعة بعطايا كثيرة، وكان يحدثهم عن وجهة نظر الإسلام- التى هى فى الحقيقة وجهة نظره هو- عن البنوك وشركات توظيف الأموال، وكان يطلب منهم أن يكثفوا الكتابة فى اتجاه دعم الشركات. 

ثالثًا: كان يدافع بكل قوته عن أصحاب شركات توظيف الأموال ويعتبر أن ما يفعلونه هو الحق الكامل، بل لا يزال مَن تصدوا لتغطية قصة انهيار شركات توظيف الأموال يذكرون وقفته أمام أحد مقرات شركة الريان، وهو يتحدث إلى المودعين الذين أدركوا أنه تم النصب عليهم، ويقول لهم: لا تخافوا على أموالكم فهى فى يد الله. 

أدرك عبدالصبور أن نصر يغمز ويلمز فى حقه، فقرر أن ينتقم لنفسه بتقرير لا مكان فيه للعلم، بل تجلى فيه الحقد، كما لم يتجل فى شىء من قبل. 

الانتقام الشخصى لم يجعل عبدالصبور شاهين يتأخر فى الانتقام العام من نصر، فقد كانت كتاباته ضد مشروع عبدالصبور ورفاقه. 

طعن نصر أبوزيد مشروع عبدالصبور شاهين وكل مَن يسيرون على طريقه طعنتين. 

استمع إلى نصر وهو يقول أولًا: لا خلاف على أن الدين- وليس الإسلام وحده- يجب أن يكون عنصرًا أساسيًا فى أى مشروع للنهضة، والخلاف يتركز حول المقصود من الدين: هل المقصود الدين، كما يطرح ويمارس بشكل أيديولوجى نفعى من جانب اليمين واليسار على السواء، أم الدين بعد تحليله وفهمه وتأويله تأويلًا علميًا ينفى عنه الأسطورة، ويستبقى منه ما فيه قوة دافعة نحو التقدم والعدل والحرية. 

واستمع إليه وهو يقول مرة ثانية: ليست العلمانية فى جوهرها سوى التأويل الحقيقى والفهم العلمى للدين، وليست ما يروج له المبطلون من أنها الإلحاد الذى يفصل الدين عن المجتمع والحياة، إن الخطاب الدينى يخطط عن عمد وبوعى ماكر خبيث بين فصل الدولة عن الكنيسة، أى فصل السلطة السياسية عن الدين، وبين فصل الدين عن المجتمع والحياة، الفصل الأول ممكن وضرورى وقد حققته أوروبا بالفعل، فخرجت من ظلام العصور الوسطى إلى رحاب العلم والتقدم والحرية، أما الفصل الثانى فصل الدين عن المجتمع والحياة، فهو وهم يروج له الخطاب الدينى فى محاربته للعلمانية، وليكرس اتهامه لها بالإلحاد، ومَن يملك قوة فصل الدين عن المجتمع أو الحياة، وأى قوة تستطيع تنفيذ القرار إذا أمكن له الصدور؟ والهدف الذى يجمع أصحاب المصلحة فى إنتاجه بين قوة الدين وقوة الدولة، بين السلطة السياسية والسلطة الدينية، ويزعمون فوق ذلك كله أن الإسلام الذى ينادون به لا يعترف بالكهنوت ولا يقبله، لكن عجائب الخطاب الدينى لا تنتهى فيناقض نفسه ويحدثنا عن أسلمة العلوم والآداب والفنون، وهل فعلت كنيسة العصور الوسطى فى أوروبا أكثر من ذلك. 

أدرك عبدالصبور شاهين أنه لا يقف أمام مجرد أستاذ مساعد يتقدم بإنتاجه العلمى ليحصل على ترقية، يزيد دخله بها عدة جنيهات، بل أمام مشروع فكرى متكامل، يشكل خطرًا على الدعاة التقليديين الذين يحكمون الناس بسلطة النص، ويحصدون من وراء ذلك ثروات بالمليارات ونفوذًا يتجاوز حدود المعقول، فكان لا بد أن يصده ويرده ولا يسمح له بالعبور. 

اعتقد عبدالصبور شاهين أن الأمر انتهى برفضه ترقية نصر، ولم يكن يعرف أن الباحث الذى أراد أن يمحوه ويدفنه حيًا، سيبقى وسيكون أكثر خلودًا منه.. فالمعركة تبدأ بالكاد.

تاريخ الخبر: 2023-04-13 21:21:29
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

بوريل يدعو إلى عدم بيع الأسلحة لإسرائيل

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:49
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

بوريل يدعو إلى عدم بيع الأسلحة لإسرائيل

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:54
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 62%

السجن سنة ونصف للمدون يوسف الحيرش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:48
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية