واشنطن-الرياض.. إستراتيجية " المستوى التالي "


مثير جدا شأن واشنطن في علاقتها مع المملكة العربية السعودية،لاسيما في الأيام القليلة الماضي،إذ بات واضحا أنها راجعت أوراقها،لتكتشف أن المثالية الزائفة، التي أرتدت أثوابها، قد باتت غير صالحة للزمان،وأن السياسة الواقعية،التي لا تحارب الحقائق،بل تتعامل معها،هي من معطيات الدهر الحاضر.
الذين تابعوا الإتصالات الهاتفية،والزيارات الشخصية ،لكبار مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن ،مع المملكة وإليها،يقطعون بأن واشنطن قد قدرت قولا وفعلا،الموقع والموضع الذي باتت السعودية تشغله على خارطة النظام العالمي ما بعد الغربي،وإن شئنا الدقة، حقبة ما بعد الهيمنة الأمريكية المنفردة بمقدرات العالم .
بقدر عجيبة يتحول السيناتور الضارب النفوذ،ليندسي غراهام،عضو مجلس الشيوخ الأمريكي الجمهوري،عن ولاية كارولينا الجنوبية،من رجل ناقم على المملكة ونظام الحكم فيها،ومهدد ومتوعد بما لا يمكنه عقلا أو عدلا القيام به،إلى زائر لين العريكة،يبدي مشاعر المودات،وإن كانت براغماتية،خلال زيارته للمملكة ولقاءه مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
غراهام يطلق تصريحات ما كانت تتسق ومواقفه السابقة، حيث يرى أن الإصلاحات الجارية في المملكة العربية السعودية حقيقية،ويتطلع إلى العمل مع إدارة بايدن وبقية صفوف الديمقراطيين والجمهوريين،لنقل العلاقة بين السعودية والويات المتحدة الأمريكية،إلى ما أطلق عليه "المستوى التالي" .
لا يستنكف غراهام أن يعترف بأن تطوير العلاقات بين واشنطن والرياض،أمرسيحقق الإستقرار الذي تشتد الحاجة إليه في منطقة الشرق الأوسط المضطربة .
غراهام الذي قطع بأنه لن يزور المملكة العربية السعودية،هو عينه من يعرب اليوم عن عميق تقديره لقيام المملكة بشراء طائرات بوينج، للشركة السعودية التي تواكب نهضة المملكة وثورتها العالمية في النقل، ويقر بأن هذه الإستثمارات ستغير من قواعد اللعبة على حد قوله .
لم يشر السيناتور غراهام من قريب أو بعيد،إلى مصانع بوينج القائمة في الولاية التي يمثلها في الكونغرس الأمريكي،عبرعضويته في غرفته الأعلى، مجلس الشيوخ ، والمزيد من الصفقات،يعني الرواج الإقتصادي للأيدي العاملة،ومن ثم الرضى التام عنه في موقعه وإعادة إنتخابه من جديد،وهذه هي قواعد اللعبة الأمريكية التقليدية .
نقلة أخرى على خارطة العلاقات الأمريكية – السعودية،جرت بها المقادير،من خلال الإتصال الهاتفي الذي جرى بين مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وبين الأمير محمد بن سلمان،وفيه تمت مناقشة موضوعات إستراتيجية في مقدمها العلاقات مع إيران،والخطوات الرامية لإنهاء الحرب في اليمن.
سوليفان المستشار السياسي المخضرم،يبدي ترحيبا كبيرا بجهود السعودية التي وصفها بغير العادية لمتابعة خارطة الطريق الأكثر شمولا،بهدف إنهاء الحرب،ويعرض في الوقت نفسه الدعم الكامل للولايات المتحدة لهذه الجهود،عطفا على إعلانه قيام المبعوث الخاص لليمن " تيم ليندر كينغ "، بزيارة المنطقة خلال الأيام المقبلة.
هل تغازل واشنطن الرياض،سيما بعد أن أدركت أنها باتت حجر الزاوية في المنطقة الخليجية،وذات الدور الفاعل في العالم العربي، ومكانتها الدولية التي تجذر لها من الآن ؟
بحسب البيان الصادر عن البيت الأبيض، أتفق الجانبان على البقاء على إتصال دائم وتسريع خطوات التنسيق بين فريقي الأمن القومي السعودي والأمريكي، وبخاصة في شأن قضايا تشمل الشراكة في البنية التحتية والإستثمار في تقنيات شبكات الإتصالات الخاصة بالجيل الخامس والسادس .
المشهد الثالث الذي جرى من وراء الكواليس الإعلامية، وإن اشارت له محطة " سي.إن.إن" الإخبارية الأمريكية، موصول بزيارة قام بها وليام بيرنز،مدير وكالة الإستخبارات الخارجية الأمريكيةللمملكة لبحث القضايا ذات الإهتمام المشترك،والتأكيد على إستمرار التعاون الإستخباراتي وبخاصة في مجالات مكافحة الإرهاب .
ما الذي غير الأوضاع وبدل الطباع الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية على هذا النحو المدهش؟
أمران حكما هما السبب :
الأول إفتراضي ، وفيه أنه ينبغي على راسمي التوجهات الإستراتيجية الأمريكية الحقيقية،لا المخملية في الأوراق والتقارير الرسمية،الإقرار بأن المشروع الليبرالي الذي قدم منذ فترة طويلة أسطورة غائية لهيمنة الغرب على نحو عام، على بقية بقاع واصقاع العالم،وفي القلب منه الولايات المتحدة الأمريكية،وبقية الحلفاء الأنجلوساكسونيين،يعيش أزمة بنيوية جذرية،بدأت من عند العام 2008،حيث الركود الإقتصادي،وتراجع حظوظ القدرات المالية الغربية ماض قدما .
أما عن الإضطراب السياسي في الدوائر الأرسطية الغربية،فحدث عنه ولا حرج، من عند الفوضى السياسية الضاربة أطنابها في الجنبات الأمريكية منذ إنتخابات الرئاسة 2016، وصولا إلى الطامة الكبرى المتوقعة في 2024.
اضف إلى ذلك تفكك الوحدة العضوية الأوربية،والتي بدأت من عند خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي،وصولا إلى تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة عقب زيارته للصين،والتي تعيد التذكير برغبة فرنسا الديغولية في إستقلال أوربا بأكملها،ونهاية عصر التبعية للولايات المتحدة الأمريكية .
أما الأمر الثاني،فهو حقيقي،وليس إفتراضي،ويرتبط بالحقائق الإقتصادية الخاصة بالمملكة أول الأمر،والسياسية تاليا .
تمشي الجيوش على بطونها، قالها الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت،واليوم كذلك يمكننا أن نضيف أن الشعوب باتت تهتم بمعاركها الإقتصادية قبل العسكرية .
قبل أيام رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في السعودية هذا العام إلى 3.5% بزيادة نصف في المائة عن تقديراته في مطلع العام .
أما وكالة فيتش فقد رفعت هذا الشهر التصنيف الإئتماني للسعودية إلى A+ من A، مع نظرة مستقبلية مستقرة، وعزت الوكالة ذلك إلى ميزانيات المالية والخارجية القوية للبلاد بما في ذلك نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي وصافي الأصول الأجنبية السيادية القوية .
كما يبدو واضحا أن المملكة العضو في مجموعة العشرين ، تتقدم بحلول نهاية هذا العقد لتصل إلى المرتبة الخامسة عشرة في سلم دول المجموعة .
طرح القضايا المصيرية يبدأ من الذات،لا من الأخرين، والقرار السعودي اليوم ، بات سعوديا إلى أبعد حد ومد، يراعي مصالح الأجيال السعودية الشابة .
في حواره مع مجلة أتلانتيك الشهيرة، شهر مارس العام الماضي، تساءل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالقول :"أين هي الإمكانات في العالم اليوم ؟
والجواب على لسانه :" إنها في المملكة العربية السعودية، وإذا كنت تريد أن تفوتها،أعتقد أن الناس الأخرين في الشرق سيكونون سعداء للغاية "
لا توجد رفاهية لواشنطن اليوم،في تفريغ المزيد من مربعات النفوذ لناس الشرق، سيما بعد أن نجحوا في رتق خرق دبلوماسي،لم يكن من صالح شعوب المنطقة،بل أكثر من ذلك فإن المملكة قد جمعت في قمة تاريخية،العالم العربي، في لقاء له دلالاته ومعناه ومبناه مع هولاء، والمسيرة ماضية قدما .
لم يعد أمام واشنطن من خيار سوى الحفاظ على حلفاءها القدامى،أولئك الذين دعموها لعقود طوال.
تتوال نجاحات القيادة السعودية،يوما تلو الأخر،دبلوماسيا وإقتصاديا،وتثبت فلسفة تنويع البدائل والخيارات التي تتعامل بها مع القوى الكبرى حول العالم نجاعتها،ما يفتح الأبواب لرؤية عربية واضحة ترسخ موطئ قادم في عالم متعدد الأطراف قادم لا محالة عما قريب ...
ويبقى التساؤل ما الجديد والمفيد الذي ستحمله القمة العربية في المملكةلأمة تسعى لإسترداد وعيها بذاتها ونهضتها بشعوبها ؟

مادة اعلانية
تاريخ الخبر: 2023-04-16 06:19:02
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 88%
الأهمية: 94%

آخر الأخبار حول العالم

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:50
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية