في عام 2002م أصدرت دار المدى كتاب ((دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ )) تأليف إريك دورتشميد، وترجمة محمد حبيب. والكتاب يتناول نماذج لأحداث لعب فيها الغباء والصدفة دورا مؤثرا وأحيانا رئيسا في تحول الأحداث والمواقف، وقد تناول المؤلف حالة تحرير الكويت من احتلال صدام حسين وكيف أن التباطؤ من قبل صدام حسين هو الذي أدى إلى اندحار جيشه بهذا الشكل الفوضوي والمهين، كما أنه فوت على نفسه تجنيب العراق وجيشه الدمار والضرر الشامل والعام.
وقد تكررت حالة الغباء مرة أخرى حال غزو أميركا للعراق يقول يفجيني بريماكوف مبعوث بوتين الخاص للعراق في مذكراته التي صدرت بالعربية سنة 2016م ضمن سلسلة المركز القومي للترجمة القاهرة تحت عنوان "الكواليس السرية للشرق الأوسط" وترجمة: نبيل رشوان.
((التقيت صدام حسين قبل ثلاثة أسابيع من بدء العملية العسكرية ضد العراق عام 2003 عندما ذهبت الولايات المتحدة للنهاية، وغزت العراق وأسقطت نظامه".
ذهبت إلى بغداد بعد حديث ليلي مع الرئيس بوتين الذي كلفني بإبلاغ رسالة شفهية عاجلة لصدام حسين. فكرة الرسالة تنحصر في دعوته لترك منصبه الرئيس والتوجه للبرلمان العراقي باقتراح إجراء انتخابات ديمقراطية، وخوفا من احتمال أن يؤدي خروج صدام إلى حدوث فوضى في العراق، كلفني بوتين بأن أقول لصدام إنه من الممكن على سبيل المثال أن يحتفظ بمنصبه في الحزب. بوصولي إلى بغداد، رفضت في البداية لقاء طارق عزيز، لإدراكي أنه سيحاول معرفة تفاصيل مهمتي لكن وكما اشترط بوتين أن يكون اقتراحه موجها لصدام شخصيا، وإعطاؤه إمكانية أن يظهر كما لو كان القرار قد اتخذه بمبادرة شخصية، وقال بوتين عندما كلفني بهذه المهمة، إن هذه من الممكن أن تكون آخر فرصة لمنع الأعمال العسكرية الأميركية ضد العراق. تم لقائي بصدام على انفراد كما طلبت، وجها لوجه، لم يكن موجودا غير مترجم وزارة الخارجية الروسية الذي وصل معي على نفس الطائرة. كان صدام حسين يكتب ما أقوله في نوتة، لدرجة أن الأمل راودني في أنه سيقبل اقتراح بوتين. بعد ذلك سألني صدام: هل من الممكن تكرار هذا؟ في وجود طارق عزيز وممثل البرلمان العراقي الموجودين في الغرفة المجاورة.
في وجودهم عرضت رسالة رئيس روسيا مرة أخرى.
رد صدام كان في صورة اتهام لبلادنا بأنها مرة أخرى تكذب عليه، كما حدث في أثناء حرب الخليج، وزعم أننا قلنا حينها إنه إذا وافق على سحب قواته من الكويت لن تكون هناك عملية برية ضد الجيش العراقي. من جانبي قلت بشكل ليس أقل حدة إنه تباطأ في اتخاذ قرار سحب القوات، حتى توجيه الإنذار الأميركي. وحينها كان الوقت قد تأخر. عندما سمع صدام هذا ربت على كتفي بصمت، وخرج، وبعد خروج صدام قال طارق عزيز بصوت عال لكي يسمع صدام: بعد عشر سنوات سنعرف من كان على حق رئيسنا المحبوب أم بريماكوف... )).
والغريب هنا أن ما أبداه صدام حسين ومن بعده طارق عزيز من إباء وعند لا يدل إلا على حقيقة واحدة أنهم لم يشخصوا الأحداث والمآلات بشكل صحيح، وأن عقلية الشعارات هي التي سادت في تلك الظروف الضاغطة بين قيادات حزب البعث العربي الاشتراكي، وهنا نتذكر ميليشيات حزب البعث المدرب بشكل جيد وكانت قيادته العليا بيد صدام حسين، وهي الدرع المؤسس ولاؤه للحزب الحاكم، كل هذه الأمور تلاشت بمجرد دخول الأميركان للعراق ما عدا قلة قليلة مارست المقاومة والعصيان.
