هل تشجع المقررات الدراسية المغربية على التفكير الرياضي؟


رضوان بنتهاين - متدرب

حاولت دراسة حديثة، نشرت بمجلة التعليم المُقنع (بالإنجليزية Cogent Education) على موقع "تايلور وفرانسيس أونلاين" (Taylor & Francis Online)، تحت عنوان "تشخيص التفكير الرياضي من خلال تحليلٍ للمقررات والبرامج الدراسية الثانوية التأهيلية المغربية"، إلى تقييم التلقين والتحصيل على التفكير الرياضي (بالإنجليزية: Mathematical Reasoning (MR)) بالمستوى الثانوي التأهيلي في المغرب عبر تحليل محتوى مجموعة من المقررات وبرامج الرياضيات الدراسية للسنتين الأولى والثانية بالسلك الثانوي التأهيلي، واستنتجت بأنه من الرغم من احتلال التفكير الرياضي لمكانة مركزية في التعليم الثانوي التأهيلي المغربي، فهو لا يزال جد محدود من حيث بعض الخصائص.

نتائج الدراسة

نظرا لتوسع وتشعب مفهوم التفكير الرياضي، كان لابد من أن  تقوم الدراسة بتحديد المعايير والخصائص المُعتمدة، وبالتالي وظفت في هذا الصدد نموذج جينوت دوريس الذي يعتمد على تقسيم التفكير الرياضي إلى جانبين: جانب بنيوي (بالإنجليزية: Structural Aspect) وجانب عملي (بالإنجليزية: Process Aspect)، كما يعتبر التفكير الرياضي كعملية عقلية تواصلية.

ويتكون الجانب البنيوي من الاستنباط والاستقراء ولاستدلال والمتشابهة؛ في حين ينقسم الجانب العملي إلى قسمين رئيسين: القسم الأول، والذي يرتبط بالبحث عن أوجه التشابه والاختلاف، يتكون من التعميم والافتراض وتحديد الأنماط والمقارنة والتصنيف؛ أما القسم الثاني، والذي يتعلق بإثبات الصحة، فيتكون من التبرير والإثبات والإثبات الشكلي؛ كما أدرجت الدراسة ضرب الأمثلة في الجانب العملي، معتبرة إياه كعملية تندرج ضمن القسمين الأول والثاني.

وسعت الدراسة، التي أنجزت من طرف قسم الرياضيات والمعلومات بجامعة الحسن الأول والمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالسطات الدار البيضاء، إلى تقييم مدى حضور التفكير الرياضي في المقررات المغربية من حيث التعليم والتعلم معا، فضلا عن مختلف الطرق التي يعالج فيها من طرف هذه المقررات، وذلك عن طريق الإجابة عن السؤالين اللآتيين:

هل يتوافق التفكير الرياضي للمقررات مع النموذج المعتمد عليه؟ وإلى أي مدى هو ذا طبيعة تواصلية؟ وهل هنالك أية أنشطة في برامج ومقررات الجذع المشترك والسنة الأولى باكالوريا تقوم بتنمية التفكير الرياضي عند التلاميذ؟ وكيف يمكن تشخيص التفكير الرياضي عبر هذه الأنشطة؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة، قامت الدراسة بتحليل المقررات الأكثر استعمالا في الأقسام المغربية للجذع المشترك العلمي، وهي: في رحاب الرياضيات والنجاح في الرياضيات وواحة الرياضيات، إضافة إلى تلك الأكثر استعمالا في السنة الأولى باكالوريا للعلوم التجريبية، وهي: في رحاب الرياضيات والجيد في الرياضيات.

كما درست التوجيهات التعليمية والبرامج الخاصة المصممة من أجل تدريس الرياضيات في المستوى الثانوي التأهيلي، إضافة إلى التوجيهات التعليمية والبرامج المخصصة لتلاميذ الباكالوريا الدولية ذات الخيار الفرنسي.

على مستوى الجانب البنيوي، وجدت الدراسة بعد تحليلها لهذه المقررات بأن الاستنباط يهيمن على مواضيع الهندسة والحساب بجذع المشترك العلمي، وهي المواضيع الرئيسية للرياضيات بهذا المستوى، ويليه الاستقراء، ولكن بنسبة أقل بكثير، ويليهما غياب شبه تام للخطوات الأخرى للجانب البنيوي.

أما فيما يخص الجانب العملي، فأظهرت النتائج بأن الإثبات الشكلي والإثبات والمقارنة والافتراض والتعميم هي العناصر الأكثر استعمالا.

وبالنسبة للسنة الأولى باكالوريا علوم تجريبية، فتبين أن الاستنباط هو الأكثر هيمنة من بين العناصر المتعلقة بالجانب البنيوي في كل من الهندسة والجبر، في حين كانت العناصر الأخرى نادرة وأحيانا غائبة.

وبخصوص الجانب العملي لنفس المستوى، فوُجد بأن النوع المتعلق بالبحث عن أوجه التشابه والاختلاف يُستعمل بشكل معتدل في كل من الهندسة والجبر. أما على مستوى النوع المتعلق بإثبات الصحة، فتبين بأن التبرير يهيمن لوحده على الهندسة، ويهمن كذلك على الجبر بجانب الإثبات الشكلي.

فاستنتجت الورقة البحثية جراء هذه النتائج بأن المقررات المدروسة لا تقوم بالتحضير الكافي للتلاميذ للتحرر من هيمنة تقنيات الحساب لصالح الولوج بشكل فعال إلى التفكير العقلي التواصلي (بالإنجليزية: commognitive thinking) بحيث يمكن استغلال مختلف عناصر التفكير الرياضي لنموذج جينوت.

وأكدت الدراسة على أن التفكير الرياضي هو حاضر بشكل متكرر بجميع المواضيع الرياضية في البرامج الدراسية للتعليم الثانوي التأهيلي المغربي، مع هيمنة الاستنباط على الجانب البنيوي، بحيث يشكل 90 في المائة من جذع المشترك العلمي و 95 في المائة من أولى باكالوريا علوم تجريبية، مما يؤشر على أن السنتين الأولى والثانية من التعليم الثانوي المغربي تعطي الأولوية للتفكير الاستنباطي.

أما عناصر الجانب العملي فقد كانت أكثر تشاركا لحضورها في هذين المستويين، مع هيمنة تلك التي تخص التدليل.

النموذج المعتمد للتفكير الرياضي

اعتمدت الدراسة على نموذج جينوت دوريس (Jeannotte Doris)، وهي أستاذة باحثة بقسم الرياضيات لجامعة كيبيك بمونتريال الكندية (UQAM)، الذي أوضحته في مقالة "نموذج مفاهيمي للتفكير الرياضي على المستوى المدرسي" التي نشرت بمجلة Educational Studies in Mathematics، الذي يعرف التفكير الرياضي كعملية تواصل مع الآخر والذات تسمح باستنتاج قضايا رياضية معينة انطلاقا من قضايا رياضية أخرى.

ويقصد بالقضية في علم المنطق كل قول مركب تركيب إخبار، ويسمونه أهل المنطق بالقول الجازم ،أي كل جملة خبرية تحتوي موضوع ومحمول، أي مسند إليه ومسند به، وتقبل إما الصواب أو الخطأ؛ وتعني في الرياضيات كل افتراض يقبل إما الصواب أو الخطأ، سواء كان مركبا تركيبا لا شكليا، أي يحتوي للغة طبيعية ورموز رياضية، أو تركيبا شكليا مقتصرا على الرموز الرياضية، وتدعى القضية بالإنجليزية: statement/proposition.

ويتضمن الجانب البنيوي 4 مراحل:

المرحلة الاستنباطية: وتقوم هذه المرحلة باستدلال دعوى معينة من خلال معالجة البيانات ثم المسوغات – ويقصد بالمسوغات (بالإنجليزية: warrants)، وفق تعريف الفيلسوف ستيفن تولمين (Stephen Toulmin)، في الجزء الثالث من كتابه The Uses of Argument، قضايا افتراضية تُستعمل لمعالجة المعطيات بعد توفير هذه المعطيات، بحيث يُعتمد عليها من أجل تبرير وجهة النظر التي تم اتخاذها من خلال ملاحظة البيانات، أي بعبارة أخرى: للإجابة عن سؤال "لماذا توصلنا إلى هذا الاستنتاج من خلال هذه البيانات؟" وتغدو القيمة المعرفية للدعوى (أي حصيلة العملية الاستنباطية) معتمدة على القيم المعرفية للبيانات والمسوغات. ويلعب التبرير الاستنباطي دورا مهما في عمليتي الإثبات والإثبات الشكلي. ويعتبر التفكير الاستنباطي الأكثر ارتباطا بالتفكير الرياضي، بحيث يراه البعض كمرادف له.

المرحلة الاستقرائية: ويعتبر التفكير الاستقرائي المرحلة الثانية الأكثر ارتباطا بالتفكير الرياضي. وتتباين تعريفات هذه المرحلة، بحيث تشير جزئيا إلى كل تفكير غير استنباطي. ويشار به وفق نموذج جينوت إلى عملية استدلال مسوغ معين من خلال دراسة البيانات والدعوى حول هذه البيانات. والقيمة المعرفية المسموح بها في نهاية الإجراء الاستقرائي هي "ممكن" أو "محتمل". وهذه المرحلة مرتبطة بالإجراء التعميمي الذي سنصفه قريبا.

المرحلة الاستدلالية: وهي مرحلة لا تتم مناقشتها بنفس قدر المرحلتين الأخريين، وقد تكون، من خلال توليدها للبيانات والمسوغات في بحثها عن أوجه التشابه والاختلاف، جزءا من أي إجراء للتفكير الرياضي، مثل التعميم والافتراض والتبرير.

وعلاوة على هذه المراحل، أضافت الوثيقة البحثية "بنية المتشابهة" (بالإنجليزية: by analogy structure) كجزء إضافي للجانب البنيوي للتفكير الرياضي.

 أما الجانب العملي فينقسم إلى نوعين:

النوع الأول يتعلق بالعمليات التي تسعى إلى البحث عن التشابهات والاختلافات إضافة إلى تأسيس قضايا معينة حول المواضيع أو العلاقات الرياضية التي تم تطويرها من قبل، وهي كالتالي:

التعميم (بالإنجليزية: generalizing/generalization): يقوم التعميم باستدلال حقائق حول مجموعة من القضايا الرياضية، أو حول علاقات تربط هذه القضايا، بحيث تنتقل هذه العلاقات من المجموعة المدروسة إلى مجموعة أكبر وأوسع، والتي تصبح فيها المجموعة الأولى مجموعة فرعية.

الافتراض (بالإنجليزية: conjecturing): وتعرف جينوت الافتراض كإجراء ينبني على القيمة المعرفية "ممكن"، وهو إجراء يعتمد في إثبات صحته على الإجراءات الأخرى للتفكير الرياضي. وإلى جانب هذه القيمة المعرفية، يحتوي الافتراض أيضا على عنصر البحث عن أوجه الانتظام والعلاقات (أي أوجه التشابه والاختلاف)، ويسمح هذا البحث ببناء علاقة ما تجمع بين مختلف الكائنات الرياضية أو بين علاقات أخرى.

وبالتالي، فإن الافتراض قادر على بناء نسق تواصلي عام من خلال توسيعه للعلاقات القائمة إلى مجموعة أوسع، وما يفصله عن التعميم هو ارتباطه بالقيمة المعرفية "محتمل" أو "ممكن".

 باختصار، فهو إجراء يسمح بإمكانية استنتاج قضية ما تخص انتظام أو علاقة رياضية معينة، عن طريق البحث عن التشابهات والاختلافات، بحيث تكون القيمة المعرفية المرتبطة بها (العبارة المُستنتجة) معقولة وقادرة على التنظير الرياضي.

وفيما يخص الجانب الفكري التواصلي، فإن الافتراض يؤدي بتوسيع أفق التواصل الرياضي عبر توليده لاتجاهات جديدة ممكنة بناءً على البحث عن أوجه التشابه والاختلاف.

التعرف على الأنماط (بالإنجليزية: identifying a pattern): ويسعى التعرف على نمط معين إلى استنتاج قضية ما حول علاقة رياضية متكررة أو علاقات رياضية متنوعة من خلال ملاحظة أوجد التشابه والاختلاف بين كائنات رياضية مختلفة.

وتوضح جونيت بأن هذا الإجراء يختلف عن الافتراض بعدم ارتباطه بقيمة معرفية، كما يختلف على كل من الافتراض والتعميم بقدرته على تحديد نمط معين يمكن تطبيقه في مجموعة ما بدون توسيعها إلى مجموعة أكبر.

المقارنة (بالإنجليزية: comparing): ويتعلق الأمر بعملية ذات طبيعة استدلالية تسمح باستخلاص قضية ما حول كائنات رياضية وعلاقاتها عبر ملاحظة أوجه اختلافها وتشابهها، والتي يمكن أن تقع على مستوى العديد من الإجراءات الأخرى للتفكير الرياضي، مثل التعميم والتعرف على الأنماط إلخ، كما تختلف عن هذا الأخير بكونها تقتصر على المقارنة، في حين يسعى التعرف على الأنماط السابق الذكر إلى تحديد الأنماط بعد عمليات المقارنة بين أوجه التشابه والاختلاف.

التصنيف (بالإنجليزية: classifying): وهو إجراء يعتبره البعض جزءا من التفكير الرياضي، بحيث يسمح باستدلال حقائق حول صنف معين من الكائنات الرياضية بناءا على خصائصها وتعريفاتها، وذلك من خلال ملاحظة أوجه التشابه والاختلاف بينها، وهو إجراء ضروري يسمح بالتنمية على مستوى الكائن الرياضي من خلال التجميع أو التفريق لمواضيع مختلفة للتواصل، وبالتالي يقوم بهيكلة نسق تواصلي معين، ويمكن ربطه بالتعميم والافتراض والمقارنة.

أما النوع الثاني المرتبط بالتدليل، فتعرفه جينوت كإجراء للتفكير الرياضي يسعى إلى تغيير القيمة المعرفية لاتجاه رياضي معين – وتضيف بأن أهمية القيمة المعرفية، التي يتم تسليط الضوء عليها في المراحل المتعلقة بالنوع السابق، تتجلى في الدور الهام الذي تلعبه في تنظيم الأنساق التواصلية ثم ما يلحق ذلك من تنظير – وعناصره هي كالآتي:

التبرير (بالإنجليزية: justifying): وهو إجراء اجتماعي بقدر ما هو رياضي، ويسعى إلى إحداث تغيير في القيمة المعرفية عبر البحث عن بيانات أو مسوغات أو دعم يقوم بإسناده، مع العلم أنه في الغالب ما يُوظف لتغيير القيمة المعرفية من "ممكن" إلى القيمة المعرفية "صواب". وغالبا ما يُربط بنوعين من العمليات المعرفية، الأول يتعلق بتبرير افتراض معين يولد بفضل إجراء الافتراض السالف الذكر، ويسمح هذا النوع بتغيير القيمة المعرفية من "ممكن" أو "محتمل" إلى "أكثر احتمالا"؛ أما النوع الثاني فيغيرها من "ممكن" إلى "صواب" أو "خطأ"، وبدون اعتباره بالضرورة كجزء من إجراء الإثبات المقبل الذكر.

فهو إجراء في التفكير الرياضي يسمح باستخلاص استنتاجات وقواعد رياضية عبر البحث عن بيانات أو مسوغات أو دعم يقوم بإسناده؛ كما يسمح بتغيير القيمة المعرفية لحقائق رياضية معينة.

والعناصر الداعمة لهذا الإجراء هي محكومة من طرف القواعد المعمول بها داخل كل مجموعة، فعلى سبيل المثال، يلزم الاعتماد على هيكل استنباطي في حالة التغيير من قيمة "ممكن" إلى قيمة "صواب"، ولكن لا يلزم ذلك عند التحويل من قيمة "ممكن" إلى قيمة "أكثر إمكاناً".

الإثبات (بالإنجليزية: proving): وهو تفسير مقبول مرتبط بمفهوم البرهان اللاشكلي (بالإنجليزية: informal proof) ويشبه التبرير في كونه عبارة عن إجراء اجتماعي، كما يشبه التفسير في كونه مرتبطا بتغيير القيمة المعرفية لاتجاه رياضي معين. إلا أنه يفوق التبرير في تطلبه للاستنباط.

 فهو إجراء من التفكير الرياضي يسمح باستخلاص استدلالات وقواعد رياضية عبر البحث عن بيانات أو مسوغات أو دعم يقوم بإسناده، ويقوم بتغيير القيمة المعرفية من "ممكن" إلى "صواب"؛ وتحكم هذا الإجراء العوامل التالية: الاتجاهات الرياضية المقبولة من طرف مجموعة قضايا صنف معين، والتي تستمد أحقيتها من طرف الخطاب الرياضي لأهل الخبرة والاختصاص في المجال، كما تكون إتاحتها غنية عن أي تبرير؛ فضلا عن عملية استنباطية أخيرة لإعادة الهيكلة؛ إضافة إلى تحقيقات – والمقصود بها، وفق تعريف الباحثة أنا سفارد في كتابها Thinking As Communicating، الإجراءات التي تزاوج دال مع كائن أولي – ويقصد بالكائن الأولي، وفق المصدر ذاته، كل شيء موجود باستقلال تام عن أشكال التواصل الإنساني، من بينها الأشياء التي نراها ونلمسها إضافة إلى تلك التي لا يمكننا سوى سماعها – أو تزاوجه مع ما ينتج من مزاوجة الدال والكائن الأولي – (تحقيقات) تكون مقبولة ومعروفة وقابلة للولوج من طرف القسم.

وتوضح جينوت بأن الإثبات لا يجب أن يعتمد على الاستنباط في جميع مراحله، ولكنه يعتمد على مجموعة من الحقائق المقبولة من طرف المختصين.

ويختلف الإثبات عن التبرير في قدرته على التنظير، كما يكون أكثر منه تقيدا نظرا لضرورة هيكلته بطريقة استنباطية واعتماده على مجموعة من الحقائق التي تكون متناغمة مع الخطاب الرياضي للخبراء.

الإثبات الشكلي (بالإنجليزية: formal proving): ويُشتق هذا الإجراء من مفهوم البرهان الشكلي (بالإنجليزية: formal proof) الواسع الاستعمال في علوم المنطق والرياضيات، وهو مختلف عن البرهان اللاشكلي (بالإنجليزية: informal proof).

وهو مرتبط بشدة بتغيير القيم المعرفية، وهو محكوم بقواعد أكثر صرامة من الإثبات ويختلف عنه بذلك؛ ففي حين يعتمد الإثبات على حقائق رياضية، فيتوجب عند الإثبات الشكلي إدراج هذه الحقائق علنا في نظرية رياضية معينة.

فهو إجراء من التفكير الرياضي يسمح باستخلاص استدلالات وقواعد رياضية عبر البحث عن بيانات أو مسوغات أو دعم يقوم بإسناده، ويقوم بتغيير القيمة المعرفية من "ممكن" إلى "صواب"؛ وهو محكوم بالعوامل التالية: مجموعة من الحقائق المقبولة من وجهة نظر الخبراء، كما تكون منظمة ضمن نظرية رياضية معينة؛ فضلا عن عملية استنباطية أخيرة لإعادة الهيكلة؛ وحقائق تكون مُرسّمة ومقبولة عند المجموعات الرياضية والأصناف.

وعلى عكس الإثبات، يعتمد الإثبات الشكلي على نظرية رياضية تكون مبنية بشكل قبلي (a priori) إلى جانب تحقيقات مُرسّمة (المسلمات والمبرهنات)، كما لا يمكنه توظيف المثال الشامل، وهو نوع من الأمثلة الذي لا يخص قضية واحدة بل يُمثل لصنف كامل من الكائنات الرياضية.

إلى جانب هذه الإجراءات، أدرجت جينوت عملية ضرب الأمثلة (بالإنجليزية: examplifying) في الجانب المرتبط بالعمليات، معتبرة إياها كعملية تنتمي إلى كلا النوعين المرتبطين بالتحقق من الصحة والبحث عن أوجه التشابه والاختلاف. فهي عملية تسمح باستدلال البيانات حول إشكالية معينة، بشكل قد يكون استنباطيا، فتغدو هذه البيانات قابلة لإعادة التدوير في البحث عن أوجه التشابه والاختلاف في الأنماط والعلاقات الرياضية، إضافة إلى إجراءات التحقق من الصحة.

توضيح حول البرهان الشكلي والبرهان اللاشكلي

يسمي ثوماس هايلز (Thomas Hales)، أستاذ الرياضيات بجامعة بتسبرغ (University of Pittsburg) الأمريكية، البرهان اللاشكلي بالبرهان التقليدي (بالإنجليزية: traditional proof)، ويفيد في ورقته العملية "البرهان الشكلي" التي نشرت بالعدد 55 من مجلة Notices of the AMS بأن البرهان اللاشكلي يستغني عن الخطوات المنطقية الروتينية لعملية الإثبات، بحيث يكون أهل الاختصاص على دراية بأحقيتها بفضل ما يملكونه من معرفة حدسية – والتي تمكنهم من تحويل الحجج الحدسية إلى حجج أكثر دقة – وبالتالي لا يوجد داعي لإدراجها (الخطوات) في البرهان، وهو ما يسهل قراءته من طرف الرياضيين.

أما البرهان الشكلي، فيفيد هايلز بأنه يستوجب استحضار وتفقد جميع استدلالاته، بما فيها المسلّمات الأساسية (بالإنجليزية: fundamental axioms)، كما يجب توفير جميع الخطوات المنطقية الوسيطة بين المسلمات والبرهان، بدون استثناء، مع الإقصاء التام للحدس، حتى لو كانت عملية الترجمة لما هو حدسي إلى ما هو منطقي روتينية. ويضيف بأنه نظرا لدرجة تعقيد العديد من البراهين الشكلية التي تعتمد عليها البرامج الحاسوبية للإثبات، ونظرا للعدد الكبير من المسلّمات الرئيسية والمفاهيم الأولية التي تعتمد عليها في إنتاجها للمفاهيم العالية المستوى والتعقيد، فقد ارتبط البرهان الشكلي بالإثبات الآلي، وهو ما أكده جي آي روبنسون (J.A.Robinson)، أستاذ الرياضيات وعلوم الحاسوب الراحل بجامعة سيراكيوز (Syracuse University) بنيويورك، بحيث سمى في تعليقه على الفرق بين المقاربتين في مقالته التي نشرت في الفصل 13 من كتاب Automated reasoning  essays in honor of Woody Bledsoe تحت عنوان "البراهين الشكلية واللاشكلية" (سمى) البرهان الشكلي ب"برهان الآلة" والبرهان اللاشكلي ب"برهان الأشخاص"، بحيث أفاد بأن البرهان اللاشكلي هو السبيل الذي يفضله الرياضيين في عملهم، في حين هم مجبرون على استعمال البرهان الآلي نظرا لضرورة توظيفه من طرف الحواسيب.

وقد تباينت خلال العقود الأخيرة وجهات النظر المساندة لكلا البرهانين في ما يخص المستوى الجامعي، بحيث أوضحت الباحثة كايث ويبير في ورقتها البحثية التي نشرت بمجلة البحث في تعليم الرياضيات (Journal for Research in Mathematics Education) تحت عنوان "كيف يحدد علماء الرياضيات صلاحية حجة البراهين"، بأنه هنالك من أيد الإجراءات الشكلية بالحصر، معتبرا اللاشكلية منها غير كافية الإثبات، إلا أن الأصوات المعارضة لهذا المنظور تعالت خلال العقود الأخيرة، والتي ألفتت النظر إلى عدم توافقه مع العمل الذي يقوم به خبراء الرياضيات، وهو ما شدد عليه الرياضي بول إرنست في مقالته "مشكل اليقين في الرياضيات" التي نشرت بالعدد 92 من مجلة Educational Studies in Mathematics، بحيث زعم بأنه من المستحيل أن يتم ترجمة البراهين المنشورة إلى براهين شكلية محض، وحتى إن ترجمت، فبالنظر إلى حجمها الهائل، فلن يمكن التأكد من يقينها بالكامل، مضيفا بأن أهل الاختصاص يعتمدون على الإجراءات المعمول بها بشكل عملي للتأكد من البراهين، وذلك بدل أي درجة مطلقة التأكد. كما أوضحت كايث ويبير بأن الآراء المتعلقة بالإثبات لم تقتصر فقط على تلك المرتكزة بالأساس على البرهانين الشكلي واللاشكلي.

وقد تباينت الآراء كذلك فيما يخص أهمية المقاربتين في التعليم الرياضي بالمستوى ما قبل الجامعي، بحيث أوضحت غيلا هانا، الأستاذة الباحثة في الرياضيات بجامعة تورونتو الكندية، في مقالتها التي نشرت بالعدد 44 من مجلة Educational Studies in Mathematics، بأنه هنالك من أيد البرهان الشكلي معتبرا إياه أكثر قابلية على إمتاع وإشراك التلاميذ نظرا لطبيعته التحقيقية الاستقرائية التي تسعى إلى حل المشاكل، في حين يركز البرهان اللاشكلي على بناء البراهين، وهو ما يتطلب مهارات أقل إمتاعا وأقل إفادة. ومن جهة أخرى هنالك من أيد البرهان اللاشكلي، معتبرين إياه كنموذج ذي قيمة معرفية أقوى بفضل ما يتطلبه من تبرير واكتشاف وإثبات لاشكلي، مما يوظف القدرات الحدسية عند التلاميذ، وهو ما يعتبرونه أكثر قابلية من البرهان الشكلي على تطوير وتكريس حسهم الرياضي ومرونتهم التقنية كذلك.

تاريخ الخبر: 2023-04-25 15:21:42
المصدر: تيل كيل عربي - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

بكين: واشنطن مسؤولة عن اندلاع الأزمة الأوكرانية وتفاقمها

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 12:07:33
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 86%

إنفانتينو يعارض الانتقادات الموجهة لكأس العالم للأندية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 12:07:41
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 87%

كواليس تحكى لأول مرة.. كلوب يكشف سر كرهه لنجم توتنهام

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 12:07:40
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 87%

سيارتو يؤكد أن حالة فيتسو أصبحت مشجعة أكثر

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 12:07:34
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 91%

بعد 8 مواسم.. ليفربول يعلن رحيل ماتيب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-17 12:07:39
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 100%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية