حكايات مدينة الألف مئذنة..تنوعت في عمارتها عبر العصور الإسلامية


عرفت القاهرة بمدينة الألف مئذنة لعمارتها بالجوامع والمساجد التي تباري الحكام فى بنائها وتزيينها على مر العصور منذ الفتح الإسلامى لمصر، ومنذ أن أصبحت المآذن عنصرًا معماريًا قائمًا بذاته في عمارة المساجد، أفردت لها الدراسات العديدة التي تعني بتطورها وطرزها وزخارفها، فالمآذن هي العالم الذي تلتقي فيه العمارة والنحت والزخرفة أروع لقاء.

وقد رصدتها دراسة أثرية للخبير الآثاري بآثار القاهرة الإسلامية عماد عثمان مهران وقد أشار إلى أن مدينة القاهرة هي بحق مدينة المآذن، فهي تتفرد بين مدن العالم الإسلامي أجمع بكثرة مآذنها وتعدد أشكالها واختلاف طرزها، مما يكسبها روعة وطابعًا أصيلًا على مر السنين، ويدخل في القلب رهبة وإحساسًا فائضًا وحنينًا إلى الماضي، وكانت مآذن القاهرة دائمًا سجلًا لجميع الأطوار التي مر بها الفن الإسلامي في مصر منذ الفتح الإسلامي حتى العصر العثماني.
وأوضح الخبير الآثاري عماد عثمان مهران أن وظيفة المئذنة في عمارة المساجد ارتبطت بالنداء والإعلام بدخول وقت الصلاة، ويقوم بهذه الوظيفة المؤذن، ولابد أن يكون الآذان بصوت مسموع، حتى يؤدي الغرض الذي شُرع من أجله، كما في الحديث الشريف عند ذكر الآذان “فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة” كما ورد في طبقات ابن سعد أن بلال رضي الله عنه كان يؤذن من فوق أطول بيت حول المسجد، وبعد بناء المسجد النبوي كان يؤذن فوق ظهر المسجد، ويشترط في المؤذن أن يكون حسن الصوت، واختلف عدد المؤذنين بكل مسجد عن الآخر، وحسب وثائق العصر المملوكي، فقد وُجد أكثر من مؤذن في المسجد الواحد، وكان للمؤذنين رئيس، فنجد في وثيقة وقف مدرسة السلطان حسن أن للمدرسة ستة عشر مؤذنًا ورئيسًا يتناوبون الأذان، ومدرسة الأمير صرغتمش ثلاثة مؤذنين، ومدرسة السلطان برقوق ستة مؤذنين.
ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار الضوء على هذه الدراسة مشيرًا إلى أن المصادر التاريخية والوثائق المختلفة ذكرت ثلاثة مرادفات لهذا العنصر المعماري:-
الأول: هو المئذنة وهي مشتقة من الآذان أو الدعوة إلى الصلاة، أو الموضع الذي يلقى منه الآذان
والمصطلح الثاني هو الصومعة وكانت تستخدم في كتابات المؤرخين، وهي مشتقة من الأبراج المربعة للزهاد في سورية، ومازال هذا الاصطلاح هو السائد حتى الآن في مآذن المغرب الإسلامي، حيث الشكل المربع للمآذن لا يزال هو الشائع حتى الآن، وهو طراز معظم المآذن الأولى في الشام ومصر والأندلس.

أما المعنى الثالث فهو المنارة، وهي مشتقة من الفعل «أنار»، وهي موضع النور أو الإشارات الضوئية لهداية السفن في البحر أو ما يعرف بالفنار، ثم أصبحت هذه الكلمة تطلق على المنائر، ومنه اشتقت الكلمة الإنجليزية Minaret، وقد يؤدي هذا المصطلح لمعنى آخر رمزي وروحي وهو أن المنارة هي مركز النور الذي يرسل الهداية للفرد أو الجماعة.
وينوه الدكتور ريحان إلى اختلاف الآثاريين فى حول الأصل المعماري للمئذنة، فمنهم من يرى أن منار الإسكندرية هو النموذج الأول للمآذن، والدلالة على ذلك أن المئذنة تتكون من ثلاث طبقات يتكون منها منار الإسكندرية، وهي طبقة مربعة فطبقة مثمنة ثم مستديرة، ولكن يعارض هذه النظرية العالم الأثري كريسول، وبرهن على صحة رأيه أن أول مئذنة تتكون من هذه الطبقات هي مئذنة خانقاة سلار وسنجر الجاولي في العصر المملوكي 703هـ/1304م، وقد تهدم منار الإسكندرية قبل ذلك بقرن ونصف القرن، فطول الفترة الزمنية بين الاثنين يؤكد أنه لا يعقل أن يكون هناك تأثير لمنار الإسكندرية في نشأة المآذن، ويستنتج كريسول أن فكرة المئذنة الأولى ظهرت في سورية في عصر الخلافة الأموية، باعتبارها مركز الخلافة الأموية، وبالتالي مركز التأثير في فنون ولايات الخلافة، وكان هذا الطراز من المآذن يتكون من بدن مربع يمتد من القاعدة إلى قرب القمة، ونجده في مآذن الجامع الأموي التي أمر بتشييدها الوليد بن عبد الملك، وبقي منها حتى الآن مئذنة المسجد الجنوبية، ثم انتقل هذا الطراز إلى مآذن المغرب والأندلس، فنراه في جامع القيروان، ومئذنة جامع قرطبة.

وأول إشارة وردت في المصادر التاريخية عن المآذن عند توسعة مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط 53هـ/678 م، فى خطط المقريزي: أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان أمر مسلمة الوالي على مصر أن يبني صوامع للمسجد ليلقى منها الآذان، فبنى مسلمة أربع صوامع في أركانه الأربعة، فكان بذلك أول من شيد المآذن بمساجد مصر، وأنه لم تكن هناك مآذن بمصر قبل مسلمة، وذلك تقليدًا لمآذن جامع دمشق ولم يرد نص تاريخي لوصف هذه المآذن الأربعة، مما فتح الباب أمام الباحثين للبحث عن شكل هذه المآذن الأولى.


وفي حكم الدولة الطولونية نجد مئذنة أحمد بن طولون متأثرة بمآذن العراق، مآذن العصر الفاطمى، وشهد العصر الفاطمي ظهور الملامح الأولى للمئذنة المصرية، ولم يتبق من المآذن الفاطمية إلا مئذنتا جامع الحاكم 393هـ/1003م، ومئذنة جامع الجيوشي، ومئذنة مسجد أبي الغضنفر، ومئذنتا الجامع الحاكمي تختلفان الآن عن زمن تشييد الجامع، فقمتا المئذنتين من إضافات السلطان المملوكي بيبرس الجاشنكير عند ترميم المسجد، ويتكون الجزء الأصلي من المئذنة الشمالية من قاعدة مربعة وبدن أسطواني، أما المئذنة الجنوبية فتتكون من قاعدة مربعة تنتهي بمثمن، وتعلو المئذنتين قبة على شكل مبخرة، أمّا مئذنة جامع الجيوشي 472هـ/1085م، فتمثل أهم مرحلة من مراحل تطور المآذن المصرية، وتتكون من قاعدة مربعة, يعلوها طابق مربع آخر، ويقوم على هذا الطابق المربع طابق مثمن، وتتوج المئذنة قبة من الآجر، وهذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الطابق المثمن في مآذن القاهرة، وهي أقدم المآذن الفاطمية في مصر والتي وصلت إلينا كاملة والتي يطلق عليها «طراز المباخر»، وهي تشبه إلى حد كبير مئذنة مسجد أبي الغضنفر 552هـ/1157م، ولكنها تخلو من الطابق المربع الثاني، ونرى في هذه المآذن القاعدة المربعة هي الظاهرة والغالبة على شكلها العام.

واستمر طراز المآذن الفاطمية فى العصر الأيوبي، ولم يتبق من هذا العصر سوى مئذنة واحدة وهي مئذنة المدرسة الصالحية شيدها الصالح نجم الدين أيوب 641هـ/1243، وقاعدة مئذنة المشهد الحسيني 634هـ/1237م، ومئذنة المدرسة الصالحية عبارة عن قاعدة مربعة يعلوها طابق مثمن مرتفع كثيرًا عن طابق القاعدة المربعة الذي أخذ في التضاؤل، وفي قمة المئذنة قبة مضلعة وهي المبخرة، ثم تطور وساد طراز المآذن ذات المباخر في بداية العصر المملوكي، ويتمثل في مئذنة زاوية الهنود 1250م.

ثم حدث التحول الكبير في المآذن العثمانية إلى المآذن الأسطوانية المدببة، تعلوها قمة مخروطية تتخذ شكل القلم، وهو النظام العثماني الشائع بإستانبول، وظهر هذا النوع لأول مرة في مئذنة جامع سليمان باشا بالقلعة، والمعروف بسارية الجبل935هـ، 1528م، ومئذنة سنان باشا999هـ ، 1591م، ومئذنة جامع الملكة صفية، وشاع الطراز العثماني في مآذن القرن التاسع عشر، وأروعه نجده في مآذن جامع محمد علي بالقلعة 1217هـ، 1803م، ولكن يشذ عن هذا الطراز مئذنة مسجد محمد أبو الذهب1114، 1703هـ، فهي تتبع النظام المربع.

تاريخ الخبر: 2023-04-26 21:21:45
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:13
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:20
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:21
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:37
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية