الاندلسي يكتب.. السودان بلد الثقافة و الغنى و التعدد و الخصام


• في يوم 27 نونبر 1990 حطت طائرة الخطوط الفرنسية على مدرج مطار الخرطوم. بعد النزول من الطائرة  و المرور عبر دواليب المطار، حيث يختلط السلوك السوداني الجميل بصرامة الإجراءات الأمنية ، خرجت للاتجاه صوب فندق مصنف عالميا  و لكنه يشبه إلى حد كبير مطارات أفريقية عادية  و لكنها مضيافة. خلال العبور من المطار إلى الفندق توقفت سيارة المصرف العربي للتنمية الإقتصادية في أفريقيا الذي انتدبت لأعمل فيه من طرف وزارة المالية،  عدة مرات. كان على السائق  و موظف العلاقات العامة الادلاء برخصة الجولان لنقط التفتيش.  الأمر يتعلق بالسودان في مرحلة حظر التجوال بعد الساعة الثامنة مساءا.

• لم أتصور أن الأمر وصل ببلاد عربية أفريقية إلى هذا الحد.  في صباح ذلك اليوم من نهاية شهر نونبر قبل أزيد من أربعة عقود اتجهت إلى مقر المؤسسة المالية العربية الوحيدة التي تم خلقها لمواجهة إسرائيل عقب حرب  1973. لم أتصور أن ما تعلمته في المفتشية العامة للمالية  و في مديرية الخزينة  و المالية الخارجية  و ما ربطته من علاقات مع نخب أفريقية في معهد صندوق النقد الدولي ستكون لي خير معين في العيش لما يزيد عن عقد من الزمن بين كل دول أفريقيا.

• لن أستمر في التفاصيل لأن التفاصيل التاريخية أفضل من التجربة الشخصية في هذه المرحلة من تاريخ السودان. بلادنا  و بلاد السودان تشتركان في حلقات من تاريخ مشترك. هذه البلاد التي ابتليت بمساوىء الانتهازية الاسلاموية التي صنعت الانقلاب على الديمقراطية  بعد أن فتح ” سوار الذهب ،” رئيس السودان بعد سقوط نظام جعفر النميري، الباب للتداول السلمي على السلطة.  و وصل المهدي إلى السلطة كقاءد تاريخي لحزب الأمة  قبل  1990 لكن زوج اخته،  خريج جامعة الصربون الباريسية و المعروف بإسم الترابي،  انقلب عليه بعد أن نسج علاقات ايديولوجية داخل الجيش السوداني.  و كان وصولي إلى الخرطوم في هذا الزمن.  وضع اقتصادي سيء  و تدهور أمني  و آلاف اللاجئين الجنوبيين ينامون في العراء في شوارع العاصمة. وصلت إلى فندق يوناني في وسط الخرطوم قريب من شارع الجمهوية و على بعد أمتار من المعهد الثقافي الفرنسي الذي كان مرتعا مريحا لتمضية الوقت من خلال أفلام فرنسية تاريخية  و أدبية و ممتعة.  بعد فترة نبهني بعض الزملاء من السودانيين  و العرب أن هذا الفندق اليوناني  و المسمى اكروبول سبق أن تعرض لهجوم تم وصفه بالارهابي.  و للصدق و بعد استرجاع صور عن تلك القترة شابني شعور بأن الأمر كان خطيرا . فالاقبال على هذا الفندق كان كبيرا و أن الأجانب كانوا يفضلونه على غيره من الفنادق.

• كثيرة هي الذكريات  و الرجوع إليها شيء جميل.  بعد سنين من العيش  وسط أهل السودان تيقنت أن هذا البلد يعيش على إيقاع مؤامرة كبيرة.  و تيقنت كذلك أن علاقاته مع المغرب كبيرة  و كثيرة  و عميقة و فيها العجب العجاب من اواسر  العرى الوثقى.  لم يكن لي علم  بمحبة أهل السودان لعرش المغرب  خلال قرون.  لكني ، وبعد قضاء سنتين في القاهرة كممثل للمصرف العربي،  رجعت إلى الخرطوم.  و آنذاك شاء القدر الجميل أن ألتقي مع سفير مغربي مثقف  و محب لوطنه حتى النخاع. عرفت الكثير من السفراء خلال ترحالى بين أكثر من  30 بلدا أفريقيا  و لكنني لم أجد سفيرا يلقى من القبول  من طرف كل أطياف المجتمع السوداني ما لاقاه السيد المكي كوان الديبلوماسي الذي ترك بصمات رفيعة المستوى خلال تقلده مهاما ديبلوماسية في الإمارات  و السودان  و الكويت  و قطر. مثقف من جيل السبعينات  و كريم من زمن الطاءي  المسمى بحاتم.

• لم تعرف أية عاصمة عربية ما عرفته الخرطوم حين غادرنا الملك الحسن الثاني إلى دار البقاء. حج العديد من الوفود إلى بيت المغرب و كتبوا القصائد لرثاء ملك كانوا يعتبرونه مثلا في التفقه  و الحكمة.
• السودان بلاد المثقفين  و الشعراء و المفكرين  و لكنها أيضا بلاد غنية  و أهلها طيبون  و حسادها كثيرون. السودان بلاد الخيرات و لكن طبقتها تختلف كثيرا  و لا تتوافق الا قليلا. عشت في  لهف على أن يلتقي المرغيني  و المهدي  و الترابي و يتكلمون بحديث الكبار العلماء  و لكن الميعاد كان يخطىء الموعد. السودانيون شعب الثقافة  و شعب الغليان.  جامعتهم فتحت في العشرينيات  و الخريجون من الأطباء  و القانونيين  و المؤرخين و غيرهم كثيرون.  و لا زالت كبريات المؤسسات المالية الدولية تشهد بكفاءة السودانيين في المجال القانوني  و على أعلى المستويات.

• ولكن الإرادة الإصلاحية ظلت رهينة طبقة سياسية ضعفت خططتها أمام من يعادي السودان  و على رأسهم من راهنوا على الاستعمال السياسي للدين.  و هذا لا ينفي حقد الإمبراطوريات الإستعمارية القديمة  و الجديدة في استغلال أرض السودان  و خيراتها. الانقلابات دخلت إلى سوق نهب خيرات السودان. الغرب قسمه إلى إثنين  و يريد أن يقسمه إلى أربعة بمساعدة من يخدمون كل الاجندات. الخريف العربي لم ينتهي بعد لأن الأهداف الاستراتيجية المفتتة لوحدة البلدان و الشعوب لم تتحقق كلها. و للموضوع بقية لأن أهل السودان يحملون ألف رسالة جميلة لهذا العالم الذي تسيطر عليه قوى الشر.  و لنسميها الامبريالية الجشعة.

• قبل عقود  و خلال حرب العراق الأولى،  انتشرت الشائعات حول إمكانية قصف الخرطوم.  و قيل للأجانب أن يستعدوا للمغادرة  و أن يقتصر ما يحملون على القليل من امتعتهم.  تذكرت هذه التوجيهات  و أنا أتابع ما يشهده ميناء  و مطار  مدينة ” بور سودان ” المطلة على البحر الأحمر ” و القريبة من مدينة جدة السعودية.

تاريخ الخبر: 2023-04-28 00:15:11
المصدر: كِشـ24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 41%
الأهمية: 35%

آخر الأخبار حول العالم

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٤)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:21:31
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

عاجل.. لحظة خروج الدكتور التازي من سجن عكاش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:25:38
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

عاجل.. لحظة خروج الدكتور التازي من سجن عكاش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:25:45
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية