الأسبوع الأخير من شهر رمضان شهد ثورة مصرية على شبكة نتفليكس نظرا لاعتدائها على التاريخ والهوية المصرية بفيلم من نوع الدراما التوثيقية عن الملكة كليوباترا تكون بطلته من أصول إفريقية سوداء. رجعت إلى الشبكة، وشاهدت الإعلان عن الفيلم، فوجدت أنه سوف يهل على الشبكة فى ١٠ مايو المقبل، ومعنى ذلك أن أحدا لم يشاهد الفيلم، وإنما المؤكد كان لون الملكة. ذلك طرح فورا حقيقة أن إفريقيا ليست عرقا واحدا، وإنما أعراق متعددة، وأن السيدة البطلة تنتمى إلى ما يعرف بالعرق النيلى وهو ذائع فى وادى النيل والقرن الإفريقي، ويختلف فى العيون الواسعة والأنف الدقيقة والجسد النحيف نسبيا الذى جسدته من قبل عارضة الأزياء العالمية ناعومى كامبل! أجلت حكمى على الفيلم حتى يعرض، وعدت إلى أوراقى القديمة عندما عرض فيلم كليوباترا الشهير بطولة إليزابيث تيلور متأخرا عن بقية العالم فلم أجد احتجاجا حول الفارق بين النجمة الشهيرة والمصريات، ولا حتى بينها وبين اليونانيات المعاصرات. كان جمال إليزابيث تيلور مختلفا وصارخا ومتحديا لتماثيل كليوباترا السمينة ذاتها!
لم يوجد فى الأوراق ما يشير إلى سخط وطنى على الفيلم، ولم يرفع أحد دعوى فى المحاكم بغرض الحصول على مليار دولار من التعويض، أو بلا غرض إلا الاحتجاج على تجاوز الحقائق التاريخية. كانت هناك انتقادات على الفيلم تعكس جوانب القصور كما هى العادة فى النقد الفنى وليس التاريخي؛ فالثابت أن العرف الدولى فى هذا الشأن هو الفصل ما بين الفن والتاريخ، فى الأول توجد الرؤية الفنية، وفى الثانى توجد الوثائق. مثل ذلك يوجد أيضا فى الأدب سواء كان روائيا أو توثيقيا، حيث يكون الفصل ما بين الخيال الإنسانى والحقائق التاريخية.
عرض فيلم كليوباترا الجديد فرصة جديدة لمصر، ودون استنكار أو إنكار، فلماذا لا نستغل الفرصة ونعرض كل ما لدينا من صور وآثار عن الفترة البطلمية فى تاريخ مصر كما نفعل مع الفاطمية والمملوكية!.
نقلا عن "الأهرام"
