محلل سياسي وأستاذ جامعي يُراهن على التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة آفة الغلاء الدولية

 

بقلم: العباس الوردي *

تُعرف التنمية الاجتماعية والاقتصادية بأنهما كيانان بنيويان لهما علاقة وطيدة بحياة الفرد والمجتمع، ما يتم التعبير عنه في السياسة العامة للدولة والتي تتضمن الخطوط الاستراتيجية العريضة التي لا يمكن للجهاز التنفيذي الزيغ عنها، بمناسبة تنزيله لسياسات عمومية تنبني مسبقة على نيل الثقة من لدن نواب الأمة وعلى أساس برنامج حكومي.

للتنمية الاقتصادية والاجتماعية جسر وثيق مع بلوغ ما يصطلح على تسميته بالنماء المقترن حتما ببلوغ الرفاه الانساني بشقية الاقتصادي والاجتماعي، وهو أمر يتم تدبيره عبر بوابة الدراسة المستمرة للخريطة الديمغرافية للدولة، في اتساق تام مع الامكانيات المتوفرة وتلك التي يجب توفيرها، ضمانا لإحقاق المبادئ الدستورية الناظمة لتدخلات مؤسسات الدولة، والتي يشكل كل من مبدأي الاستمرارية والمساواة أسين مفصليين بالنسبة إليها.

يرتبط النظام العالمي عامة والنظام العالمي الجديد باقتصاد السوق، أمر يساهم في لبرلة نظام المعاملات بين الدول وخاصة في شقها الاقتصادي، الذي يشكل نقطة لمواكبة واستمرارية البنية الاجتماعية للدولة، غير أن واقع الحال في تغير مضطرد، ما مرجعه إلى ظاهرة العولمة القديمة الجديدة ثم بروز اشكالية الجوائح الصحية كجائحة كورونا، التي أجهزت على أنظمة اقتصادية واجتماعية دولية مقارنة وخاصة تلك الصاعدة منها.

إن المغرب لم يسلم بدوره من هذه المتغيرات الدولية والتي لا زالت مؤسسة الدولة تحاول التخفيف من وطأتها على الفرد والمجتمع، سواء تعلق الامر بإقرار سياسات للدعم المباشر للفئات الهشة والفقيرة، وكذا مواكبة مسألة تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات والسلع، وخاصة تلك الحيوية منها، من خلال اقرار اعفاءات ضريبية وكذا تحفيزات لكل المتدخلين.

ولم يسلم هذا الأمر من بعض المطبات المهيكلة، التي لازالت تؤثر سلبا على تحقيق النتائج المرجوة من لدن الحكومة والبرلمان خاصة، إذ أن هناك ممارسات غير منطقية تمارس من لدن طيف غير مواطن؛ إنهم فئة المضاربين الذين لم يكلوا ولم يملوا من ممارسات مضاعفة ثمن السلع والتي تصل باهظة الثمن الى المستهلك النهائي، ناهيك عن أن هناك ربما غياب لآلية التنسيق بين الحكومة ومختلف المؤسسات المعنية بمجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وأخص بالذكر في هذا السياق تقارير بنك المغرب، المندوبية السامية للتخطيط، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجلس المنافسة؛ إنها معطيات رقمية تؤشر من خلال كنه هذه التقارير على أن هناك نقاط خلافية بين ما تعلن عنه السلطة التنظيمية من أرقام، وهذا ليس تبخيسا للعمل الحكومي، وبين الإحصاءات والمعطيات المقدمة من لدن هذه المؤسسات المتخصصة في المجال.

ويؤدي بنا هذا الأمر إلى القول إن المؤسسات هي كلها مغربية وتشتغل بناء على مبدأ الوطن الواحد، سواء أتعلق الأمر بالجهاز التنفيذي أو بهذه البنيات المؤسساتية، وبالتالي فالاختلاف ليسا غير مرغوب فيه، بل على العكس من ذلك، فهو يؤدي الى اغناء النقاش والتداول بين جميع مكونات الخريطة المؤسساتية بالمغرب وغيره، حتى فيما يتعلق بدول العالم.

إن المعادلة الاقتصادية والاجتماعية المغربية تعيش ما تعيشه كل البنيات الدولية من مشاكل جمة، غير أن مغرب الاستثناء، وكما هو متعارف عليه وبإجماع كل الدول الديمقراطية، لا بد له من يحث كل مؤسساته من الاستمرار في ترسيخ هذا النموذج المتفرد في المغرب العربي وشمال إفريقيا، وذلك عبر سن ما يصطلح على تسميته بسياسة الباب المفتوح بين جميع الفرقاء المجاليين، ذلك أن الضرة دائما تكون نافعة بالمغرب، وتدبيره لزمن كورونا الناجح بامتياز لخير دليل على ذلك.

لأجل ذلك، فإن تطوير مسطرة التشريع ببلادنا لتعد أحد المقومات الاساسية للاستمرار في تحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية، في اتساق تام مع أسس النموذج التنموي الجديد للمملكة، وكذا في إطار الدولة الاجتماعية، ذلك أن هدف المغرب والمغاربة ليس هو تجاوز الازمات، وإنما تدبير هذه الأخيرة تدبيرا يساهم في تمنيع الجسم التنموي ومضاعفة حظوظ نجاحه.

يضاف إلى ذلك أس ثان للنجاح، ويتعلق الأمر باعتماد سياسة الإنصات للآخر، وتنزيل مضامين تقاريره إذا كانت هي الأصلح والـفيد، ذلك أن مبدأ التضامن المؤسساتي ليعد من بين المبادئ الحديثة التي نزلها المشرع المغربي على أرض الواقع، بهدف بلوغ نتائج محوكمة بسواعد مؤسساتية مشتركة، بأقل تكلفة وبجودة عالية.

أما فيما يتعلق بأساس النجاح الثالث، الذي يشكل العمود الفقري لماهية نجاح الالفية الجديدة، فيتمثل في ضرورة اعادة الاعتبار للرأسمال البشري ذي الكفاءة والتجربة العاليتين.

ويسائل هذا الأمر قادة الأحزاب السياسية بضرورة الحرص على اختيار الأطر المشهود لها بالحنكة فيما يتعلق بالاقتراحات في المناصب الحكومية، وخاصة ونحن على مقربة من نصف الولاية الحكومية التي توازي التعديل الحكومي، ناهيك عن ضرورة تطبيق المعادلة نفسها فيما يتعلق بالتعيين في المناصب العليا، بعيدا عن إشكاليات المصاهرة والمحاباة التي لا تخدم الصالح العام لمغرب العهد الحديث.

إن التدبير الجيد لهذه المرحلة المهيكلة ليتطلب منا بناء تصورات مختلفة من لدن جميع الفاعلين المجاليين، ولو على اختلاف رؤاها، غير أنها تصب في نفس التوجه المرتبط بإحقاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المغربية بسن زمني اليسر والغلاء.

*أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس في الرباط، والمدير العام للمجلة الإفريقية للسياسات العامة

تاريخ الخبر: 2023-04-30 00:23:42
المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 71%
الأهمية: 74%

آخر الأخبار حول العالم

توقعات أحوال الطقس اليوم السبت

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-27 12:25:40
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية