طريق الهبوط السلس لا يزال مرئيا | صحيفة الاقتصادية


في أوائل آذار (مارس) ذكريات الماضي المريرة، المتعلقة بالأزمة المالية 2007 - 2008، أعمت الأسواق فجأة. خلال أسبوعين لجأت حكومة الولايات المتحدة إلى استثنائها النظامي لتأمين الودائع في بنك سيليكون فالي المفلس، في حين أنقذت الحكومة السويسرية "كريدي سويس"، وهو بنك مهم على مستوى النظام المالي العالمي.
فجأة، لم تعد الودائع المصرفية آمنة، واعتبرت حيازات البنوك من سندات الخزانة الأمريكية أصولا محفوفة بالمخاطر عند حسابها بالقيمة السوقية الحالية. بدا أن العالم انقلب رأسا على عقب.
لكن بعد مرور شهر عادت أسواق الأسهم العالمية، وفقا لمؤشر مورجان ستانلي كابيتال إنترناشونال العالمي، إلى تسجيل مستويات قريبة من أعلى قممها هذا العام. مؤشر فيكس للتقلبات، وهو مؤشر لتجنب المخاطرة في أسواق الأسهم، عند أدنى مستوى منذ أوائل 2022، فيما أشار كل من الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي إلى أن احتمال رفعهما أسعار الفائدة مرة أخرى وارد عندما يجتمعان في المرة المقبلة.
حتى إغلاق "فيرست ريبابليك"، ثاني أكبر بنك مفلس في الولايات المتحدة، لم يهز المستثمرين. هل الأسواق وصانعو السياسات راضون؟ وهل الأسوأ لم يأت بعد؟
يشير سلوك السوق الإيجابي تجاه هذه الأحداث إلى أن الاقتصاد العالمي لا يزال قويا وأن استجابة السياسة كانت جريئة ومحكمة. بلا شك، لا تزال هناك أخطار كبيرة، لكن التوقعات أقل تشاؤما مما كان يخشاه كثيرون قبل شهر واحد فقط.
سلامة الميزانيات العمومية للقطاع الخاص، مقترنة بالدعم المالي المطرد الناجم عن الشهية المتنامية للسياسة الصناعية، كانا سببا في وضع الاقتصاد في حالة أفضل للتعامل مع ارتفاع أسعار الفائدة. في الوقت نفسه، أسواق العمل القوية، وانخفاض أسعار الطاقة، والانتعاش المستمر في استهلاك الخدمات، وإعادة فتح الصين بعد قيود كوفيد جميعها تقدم الدعم للاقتصاد العالمي.
جاءت الاستجابة السياسية الجريئة عقب ما يسمى مبدأ الفصل الذي يحدد كيف ينبغي للبنوك المركزية أن تحقق الهدف المزدوج المتمثل في استقرار الأسعار والاستقرار المالي باستخدام أداتين، أسعار الفائدة والسيولة. لكن الطبيعة غير الخطية لأزمة ائتمانية محتملة تعني أن الإدارة الحكيمة للمخاطر قد تبالغ في التعويض خلال سعيها للحد من التأثير في الاقتصاد، وذلك بتقليل زيادات أسعار الفائدة. نتيجة لذلك، من المرجح أن الظروف المالية العامة الآن أسهل مما كانت عليه قبل أزمة بنك سيليكون فالي.
الاستجابة السريعة من جانب السياسات تشهد على التحسينات التي طرأت على أطر إدارة الأزمات على مدى العقد الماضي، سواء من حيث توافق الآراء الفكري أو البنية التحتية للسياسات. خلافا لما حدث في 2008، لم تعد هناك مناقشات مطولة عن المخاطر الأخلاقية، أو طرائق دعم السيولة، أو كفاية عمليات الإنقاذ المصرفية، ولم يعد هناك عدم يقين إزاء تزويد البنوك المركزية بالسيولة أو استقرار السيولة الدولارية على مستوى العالم.
في غضون بضعة أيام فقط، لجأت حكومة الولايات المتحدة إلى الاستثناء النظامي لتأمين الودائع في بنك سيليكون فالي واستفادت من الأموال العامة لتسمح للاحتياطي الفيدرالي بتوفير السيولة مقابل ضمانات بالقيمة الاسمية. استكمل هذا بزيادة البنوك المركزية تسهيلات مقايضة الدولار. ما كان يستغرق في 2008 أسابيع أو أشهرا لمناقشته وتصميمه وتطبيقه، أنجز في عطلة نهاية أسبوع.
لا تزال المخاطر قائمة، ولا بد من تعلم الدروس. لا يزال التضخم مرتفعا للغاية ومستمرا، ويتعين على السياسة النقدية أن تظل متشددة فترة طويلة للحد من التضخم مع تباطؤ الاقتصاد. البنوك الأمريكية التي تواجه تكاليف تمويل متزايدة بسرعة، ستستمر في الإقراض، لكنها قد ترفع أسعار الفائدة على الإقراض لحماية إيراداتها، ما يضخم تأثير السياسة النقدية.
لكن الميزانيات العمومية السليمة للشركات الأمريكية، مع وجود سيولة نقدية وافرة لتمويل المشاريع الاستثمارية، تشير إلى أن الرياح المعاكسة الناجمة عن الاضطرابات المصرفية قد تكون تدريجية ومحدودة. الطريق الصعب المؤدي إلى الهبوط السلس "تجنب الانكماش والركود" لا يزال مرئيا: صدمات الأسعار السابقة مستمرة في التبدد، الأمر الذي يسمح بتخفيف السياسة النقدية في نهاية المطاف. لكن لم يعد هناك متسع لارتكاب أخطاء سياسية مثل أزمة سقف ديون.
استجابات السياسة العامة لما حل ببنك سيليكون فالي و"فيرست ريبابليك" و"كريدي سويس" تركت آثارا على تصميم الرقابة والتنظيم المصرفي. ومن الخطر أن نعتمد على الودائع على اعتبار أنها أدوات تأديبية، ولا بد من إعادة تصميم السياسات لتشمل حواجز حماية رأسمالية أكثر ذكاء، وإشرافا أكثر فاعلية حتى يتم توفير حماية أفضل للودائع في أوقات الأزمات.
تم إنقاذ "كريدي سويس"، بدلا من تصفيته ـوهذا ربما كانت تفضله جهات الرقابة العالميةـ بعد عقد من العمل على أطر حل معقدة. بعيدا عن الاعتبارات الجيوسياسية والرغبة في الحفاظ على الأبطال الوطنيين، يبدو جليا أن الأمر حين يكون في حاجة إلى استجابة سريعة على صعيد السياسات، كما هي الحال مع البنوك ذات الأهمية النظامية العالمية، فإن أطر الحل الحالية لا ترقى إلى مستوى المهمة الموكلة إليها بعد.

*عضو منتدب ورئيس الأبحاث الاقتصادية للدخل الثابت العالمي في شركة سيتادل المالية

تاريخ الخبر: 2023-05-04 21:23:07
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

صلاح يلمّح إلى بقائه مع ليفربول "سنقاتل بكل قوّتنا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-21 12:25:56
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 60%

تقرير رسمي يسجل ارتفاع أسعار الفواكه والخضر والسمك

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-21 12:25:40
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 61%

تقرير رسمي يسجل ارتفاع أسعار الفواكه والخضر والسمك

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-21 12:25:33
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

صلاح يلمّح إلى بقائه مع ليفربول "سنقاتل بكل قوّتنا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-21 12:25:51
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية