اشتباكات السودان: لماذا يصعب على الوسطاء إنهاء القتال؟

صدر الصورة، AFP

مع تحول العاصمة السودانية، الخرطوم، من مدينة هادئة إلى منطقة حرب، دعت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأطراف المتحاربة إلى اجتماع في مدينة جدة السعودية في إطار المساعي لترتيب وقف لإطلاق النار.

لكن كما يقول الخبير في شؤون السودان أليكس دي وال، هذه مجرد خطوة طارئة قصيرة الأجل.

هناك معضلة تواجه الوسطاء: أيا كان القرار الذي يتخذونه بشأن شكل ومضمون جدول أعمال المحادثات الطارئة، فإن ذلك سيحدد مسار صنع السلام في السودان في نهاية المطاف.

ولإسكات البنادق، سيتعامل الدبلوماسيون الأمريكيون والسعوديون فقط مع الجنرالين المتنافسين اللذين أرسل كل واحد منهما فريقاً مكوناً من ثلاثة أشخاص إلى جدة للتفاوض.

الأجندة المطروحة على الطاولة هي وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وآلية مراقبة وممرات للمساعدات. لا يريد أي من الطرفين فتح أي مفاوضات للتوصل إلى اتفاق سياسي.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • اشتباكات السودان: عدد النازحين داخليا يتجاوز 700 ألف شخص بسبب الصراع
  • اشتباكات السودان: أطباء يقدمون خدماتهم عبر واتساب - في الغارديان
  • اشتباكات السودان: السعودية تعلن بدء المحادثات بين طرفي الصراع في ظل استمرار المعارك في الخرطوم
  • اشتباكات السودان: الجيش يتهم قوات الدعم السريع بإرسال تعزيزات إلى الخرطوم رغم المحادثات في جدة

قصص مقترحة نهاية

أما الأحزاب المدنية ولجان المقاومة المنتشرة في الأحياء، والتي أطاحت احتجاجاتها السلمية بالنظام الاستبدادي السابق بزعامة عمر البشير منذ أربع سنوات، فأصبحت من المتفرجين.

لن يكون من السهل إقناع الجنرالات بأي نوع من وقف إطلاق النار.

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

سيصر قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان على أنه يمثل الحكومة الشرعية، مصراً على وصف محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي" بالمتمرد.

لكن حميدتي، نائبه الفعلي إلى حين اندلاع الاشتباكات، سيطالب بوضع متكافئ للطرفين، وبالاحتفاظ بمنصبه، وترك مقاتليه من قوات الدعم السريع يسيطرون على جزء كبير من الخرطوم، وسيطلب الجنرال برهان العودة إلى المواقع التي كان الجيش يسيطر عليها كل طرف قبل اندلاع الاشتباكات.

التوصل إلى حل وسط يتطلب مساومة صعبة مع الجنرالات.

يحتاج الوسطاء إلى أن يثق الطرفان بهم مع تقديم تأكيدات لهما على أنهما لن يتضررا أو يتعرضا لأي خطر في حال قدما تنازلات.

الجانب السلبي هو أن الطرفين المتحاربين سيطالبان بعد ذلك بالدور المهيمن في المحادثات السياسية وأجندة تناسب مصالحهما.

الشيء الوحيد الذي يتفق عليه البرهان وحميدتي - والجيران العرب - هو أنهم لا يريدون حكومة ديمقراطية كانت مطروحة قبل بدء القتال.

يدير الرجلان العسكريان البلاد منذ أن تمت الإطاحة بالبشير في عام 2019، رافضين تسليم السلطة للمدنيين.

اشتباكات السودان: تباين مواقف السودانيين تجاه القتال الدائر بين الجيش والدعم السريع

اشتباكات السودان: البعدان الإقليمي والدولي لما يجري في هذا البلد

اشتباكات السودان: عدد النازحين داخليا يتجاوز 700 ألف شخص بسبب الصراع

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

الخاسر الحقيقي هو القوى المدنية التي ساعدت في الإطاحة بالبشير في 2019 وتطالب بانتخابات وحكومة ديمقراطية

نقطة أخرى ستكون ضمن بنود أي الاتفاق، العفو عن جرائم الحرب.

من المرجح أن تنتهي المفاوضات التي يسيطر عليها الجنرالات باتفاقية سلام يتشاركان فيها على الغنائم، مما يؤدي إلى تراجع احتمالات الديمقراطية لسنوات عديدة أخرى.

لكن إذا لم يتوقف القتال في القريب العاجل، فسيواجه السودان انهيار الدولة.

قال عبد الله حمدوك - رئيس وزراء الحكومة العسكرية والمدنية المشتركة التي أطاح بها الجنرالات في عام 2021 - إن الحرب الجديدة في البلاد مهددة بأن تكون أسوأ من تلك التي في سوريا أو اليمن، وربما حتى أسوأ من دارفور.

تعزيزات في الخطوط الأمامية

هناك تنبؤات قاتمة حول كيفية تطور الحرب الأهلية في السودان.

في الأيام الأولى من المعارك كان القادة العسكريون ،جنرالات الجيش وقادة المتمردين، يخوضون القتال بعزم وشراسة وكان كل طرف يحاول توجيه ضربة قاضية للطرف الآخر.

القتال شرس وكل طرف يركز هجماته، ومن السهل تحديد من يقف في أي جانب ومن يظل محايداً.

لقد رأينا ذلك عندما اندلعت الحرب الأهلية السودانية في عام 1983 ، ومرة أخرى في دارفور بعد 20 عاماً، وفي النزاعات في أبيي وهجليج وجبال النوبة بالقرب من الحدود بين الشمال والجنوب خلال مرحلة انفصال الجنوب عن الشمال في عام 2011.

الاشتباكات الأولى في الحرب الأهلية في جنوب السودان في عام 2013 كانت شبيهة بالتي نشهدها اليوم.

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

تعود جذور قوات الدعم السريع إلى دارفور حيث يُزعم أن بعض المقاتلين قد تورطوا فيما تعتبره المحكمة الجنائية الدولية إبادة جماعية.

في 15 أبريل / نيسان، عندما اندلع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، تعهد كل جانب بالقضاء على الآخر.

لقد وجهوا أسلحتهم وقوتهم إلى المواقع الاستراتيجية الهامة لبعضهم البعض في العاصمة، غير مبالين بالدمار الهائل الذي لحق بالمدينة و العدد الكبير للضحايا من المدنيين.

تظهر تجارب الحروب الماضية أنه إذا لم يتوقف القتال بسرعة، فإنه المعارك ستشتد.

يجلب كل جانب تعزيزات إلى خط المواجهة، ومحاولات لكسب الجماعات المسلحة المحلية التي لم تشارك بعد في المعارك، ويطلب المساعدة من داعميه الأجانب وأصدقائه. نحن في هذه المرحلة الآن.

ماذا سيحدث؟

وحسب قراءتنا للواقع، لا تستطيع الأطراف المتصارعة الحفاظ على تماسكها وقوتها لفترة طويلة، سيتراجع مخزون الأسلحة لديها إضافة إلى المال والدعم اللوجيستي، وستضطر إلى عقد صفقات للحصول على المزيد من الدعم والإمدادات.

ستبدأ الانقسامات بالظهور في صفوف كل طرف، وستنضم الجماعات المسلحة الأخرى إلى المعركة، كما ستسلح الجماعات الأهلية نفسها للدفاع عن النفس، وينخرط الغرباء في القتال.

كل هذا يحدث بالفعل وخاصة في دارفور، موطن حميدتي، حيث يدور قتال شرس.

حتى الآن، لم نشهد استهدافاً ممنهجاً للمدنيين بسبب هويتهم العرقية. لكن هذا خطر كبير، وبمجرد أن يرتكب مقاتلو طرف ما فظائع جماعية ضد فئة عرقية أو قبلية ستتفاقم هذه الصراعات.

ستكون المرحلة التالية هي انتشار الصراع في جميع أنحاء البلاد، واندلاع النزاعات المحلية.

ستتفكك الجماعات المسلحة وستظهر اصطفافات جديدة، وستقاتل من أجل السيطرة على المواقع المجزية مالياً مثل الطرق والمطارات ومناجم الذهب ومراكز توزيع المساعدات.

دارفور تعرضت للدمار وتُركت في حالة فوضى بعد المذابح والمعارك الشرسة التي اندلعت بين عامي 2003 و2004.

ووصفها رئيس البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والامم المتحدة بأنها كانت "حرب الكل ضد الكل".

كانت دارفور الأرض الخارجة عن القانون التي بنى فيها حميدتي قوته وقاعدته ونفوذه مستخدماً المال والعنف.

هناك سيناريو تحول كل السودان إلى ما يشبه ما جرى في دارفور.

"الخذلان عند الحاجة"

الوسطاء الأمريكيون والسعوديون رفيعو المستوى ومحايدون. على عكس الجيران العرب الآخرين، فمصر تدعم البرهان والإمارات العربية المتحدة تربطها علاقات بحميدتي بينما لا طرف مفضل لدى السعوديين.

الولايات المتحدة تهدد بفرض عقوبات. من غير المرجح أن يردع ذلك الجنرالات. السودان خاضع للعقوبات الأمريكية منذ عام 1989 ، ومع ذلك ازدهرت الشركات المملوكة للجيش.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

الشيء الوحيد الذي من المرجح أن يتفق عليه الجنرال برهان (يمين) وحميدتي (يسار) هو رفض تسليم السلطة لحكومة مدنية

الضغط الفعال يحتاج إلى إجماع دولي. يتفق الجميع بما في ذلك الصين وروسيا على أن القتال كارثة.

حسب البروتوكول المتبع في الأمم المتحدة من مسؤولية الأفارقة إثارة القضية في مجلس الأمن، لكنهم لم يحركوا ساكناً.

عقد الاتحاد الأفريقي اجتماع مجلس السلم والأمن التابع له في اليوم التالي للقتال للمطالبة بوقف إطلاق النار، لكنه غير منخرط في جهود الوساطة الأمريكية السعودية.

ثمة خطر محدق يلوح في الأفق ما لم تنتهي الحرب بأقصى سرعة.

إسكات البنادق اليوم مهمة شاقة بما فيه الكفاية. سيكون الأمر أكثر صعوبة إذا كانت هناك عشرات الجماعات المسلحة المتنافسة وكل واحدة تطالب بمقعد على الطاولة.

ما يميز صراع اليوم عن النزاعات المسلحة السابقة هو أن ساحة المعركة في الخرطوم.

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة،

أصبح المدنيون محاصرين في الأحياء السكينة مع فشل الهدنة

الصراع الحالي يتسبب بأزمة إنسانية مختلفة تماماً عن ازمات النزوح التي تحدث في المناطق الريفية، والمجاعات التي تعامل معها عمال الإغاثة في البلاد على مدى عقود.

قد يستفيد المدنيون المحاصرون في الأحياء السكنية من قوافل الطعام القديمة، لكنهم يحتاجون أيضاً إلى المرافق مثل الكهرباء والماء والاتصالات، بالإضافة إلى حاجتهم الماسة للمال.

مع إحراق البنك المركزي وإغلاق فروع البنوك التجارية المحلية، يعتمد بعض الناس على تطبيقات الخدمات المصرفية على الهاتف المحمول، والبعض الآخر مفلس تماماً.

مع خروج الأمم المتحدة ومعظم عمال الإغاثة الأجانب، تقدمت لجان المقاومة المحلية وملأت فراغ، ونظمت المساعدات الأساسية والممر الآمن للمدنيين بغية الهروب.

يشعر الكثير من السودانيين أن المجتمع الدولي قد تخلى عنهم في لحظة الحاجة، ويطلبون أن تصبح هذه الجهود المحلية والمدنية العمود الفقري لجهود الإغاثة.

هناك خطر أن يتحول الجوع إلى سلاح، وأن تصبح المساعدات الإنسانية مورداً يتلاعب به أمراء الحرب.

ستحتاج وكالات الإغاثة إلى إيجاد طرق لتجاوز أمراء الحرب ومساعدة المدنيين بشكل مباشر.

لا توجد حلول بسيطة للحرب المتصاعدة في السودان. قد يزداد الوضع سوءاً قبل أن يتحسن.

ومن المرجح أن القرارات التي يتم اتخاذها في محادثات وقف إطلاق النار بغض النظر هوية الأطرف الممثلة فيها وشروطها وجدول أعمالها، ستصيغ مستقبل البلاد لسنوات قادمة.

أليكس دي وال هو المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في الولايات المتحدة.