"كان الموت أسرع من السعادة لحياته".. رسائل يوسف وهبي لأنور وجدي بعد رحيله

"مات الذي يحب الحياة".. هكذا تحدث يوسف وهبي بعد وفاة أنور وجدي، الذي تحل ذكرى رحيله اليوم 14 مايو، ففي عددها الـ 199 والمنشور بتاريخ 24 مايو من عام 1955، وتحت عنوان: "أنور وجدي كما عرفت"، قال يوسف وهبي: "مات أنور .. مات أنور وهو الذي كان يتدفق نشاطًا وحيوية، ومات أنور وهو الذي يحب الحياة فيشقي ليسعد بها ولكن الموت كان أسرع من السعادة إلى صفحة حياته.. مات أنور الإنسان الفنان الوفي الذكي المكافح المثابر الصابر".

اللقاء الأول بين يوسف وهبي وأنور وجدي

ويتابع يوسف وهبي حديثه لـ “الكواكب” ناعيًا الفنان أنور وجدي: "عرفته سنة 1927، فتى في وجهه ذكاء، وفي عينيه بريق يوحي بشىء، كان واحدًا من عشرات الكومبارس الذين يغريهم بريق المسرح فيندفعوا إليه ضاربين عرض الحائط بمستقبلهم وأسرتهم".

كان أول مرة أوقفته فيها على المسرح في مسرحية "يوليوس قيصر"، كان يقوم بدور عسكري روماني، ولم يتحدث خلال المسرحية بكلمة واحدة، ورغم هذا فقد كان سعيدًا وراضيًا، كان يعتبر نفسه قد وضع قدمه على أول الطريق، وكان يبذل جهودًا طيبة ليلفت نظري إليه، كنا نجري البروفة فأراه يتقدم ليسير خلف يوليوس قيصر وهو يدق الأرض دقا بقدميه، وينظر إلى وجهي ليري أثر ما يفعله.

أجر أنور وجدي

وعن الأجر الذي كان يتقاضاه الفنان أنور وجدي، من عميد المسرح العربي يوسف وهبي، أوضح الأخير: "توسمت فيه النجاح، وكان يتقاضي مني خمسة قروش كل يوم، يأخذ منها المتعهد الذي قدمه إلى فرقة رمسيس قرشين بصفة مستمرة، وعرفت أن أنور وجدي على خلاف مع أبيه، وأن أباه قد طرده من البيت، وتموسمت فيه النجاح كما قلت، فعينته ممثلًا في الفرقة بثلاثة جنيهات شهريًا وأعطيته أدوارًا أكثر أهمية من دور العسكري الروماني".

وسجل أنور وجدي نجاحه في مسرحية "أولاد الفقراء" في سنة 1931، وحين أخرجنا مسرحية "الدفاع" علي الشاشة أعطيته دورا فيها، وبرز أنور وجدي علي المسرح، وفي السينما، لم يبرز بين يوم وليلة كما يتخيل بعض الناس، ولا هو أصبح غنيا لأن ثروة هبطت عليه من السماء حين أمطرت السماء ذهبا، لقد قاسي أنور وجدي كثيرا ليصل، كان يعجبني فيه ثقته بنفسه، ورغبته في أن يستزيد من كل شئ، كان كثير السؤال، وكان كثير التلبية لكل سؤال، وهو أحد قلائل عرفوا كل ما يجب أن يعرفه الفنان في المسرح والسينما.

يوسف وهبي: أنور وجدي عصامي يحب البناء

ويمضي يوسف وهبي في حديثه عن أنور وجدي: لم يكن أنور وجدي مثقفا إلا بقدر، ولكنه ثقف نفسه بمقادير حتي فاقت ثقافته ألوف المتخرجين في الجامعة، وكان عصاميا يحب البناء، وهو بيديه قد بني كل مجده، وصنع كل قرش في ثروته، وجعل من نفسه أنور وجدي الذي تعرفه وأعرفه ويعرفه كل عربي وشرقي.

كان صبورا، كان "أبويا" من نوع جديد، جاع وتشرد تألم، ولكنه قطعا لم يتأوه، لأن الأهات قد تكون إيذانا بالاستسلام، وأنور لم يعرف الاستسلان في حياته. أيام كان يتقاضي ثلاثة جنيهات كان ينفق أكثرها علي ثيابه، لأن أدواره تتطلب أن يكون لديه بدلة أنيقة أو حذاء جديد، وكان إذا ما أقبل الليل واستعد الفنانون لتناول طعام العشاء بأن يرسلوا إلي الحاتي ليرسل إليهم الكباب والطرب والمشويات، ينسل أنور من بينهم وهو يقول: "بابا مستنيني علي العشا"، وكنت أعرف أنه علي خلاف مع أبيه منذ اتجه إلي المسرح، وكنت أعرف أن موارده لا تساعده علي أن يتناول العشاء مما يتناولونه، وعرفت من أحد العمال أن أنور وجدي كان يذهب إلي محل يبيع الفول والطعمية فيشتري رغيفا وبعض أقراص الطعمية ويختبئ في حارة مظلمة خلف المسرح فيتناول العشاء ويعود إلينا ضاحكا يقول: "أما أنا أكلت حتة دين أكلة .. جنان"، وجاءني حارس المسرح ذات ليلة وقال لي: "زنور وجدي بينام علي دكة تحت المسرح بعد ما الممثلين كلهم يخرجوا، هو المسرح لوكاندة"، فقلت له في غضب: "اعتبرني لم أسمع بهذا الخبر، أياك أن تقول لأنور شيئا، وأياك أن تتعرض له، أنه فنان اختار المسرح ميدانا لعمله، وآثر أن يقضي فيه حتي ليله".

لهذا السبب كان أنور وجدي يبيت تحت خشبة المسرح

وحول وقائع مبيت أنور وجدي في المسرح لقلة موارده المالية، يوضح يوسف وهبي: ولم يكن لجوء أنور إلي المبيت تحت خشبة المسرح إلا اضطرارا، فقد كانت موارده لا تعينه علي أن يبيت في لوكاندة، وبيت أبيه مغلق في وجهه لأنه رمي بالعقوق والعصيان والخروج علي تقاليد الأسرة، وقد كان حزينا ليلة ذهب يحاول أن يدخل في مفاوضات مع أبيه فرفض هذا الأخير، وعاد أنور غير قادر علي إخفاء أحواله، وقص القصة لزميل له فنان، يقاسي مثلما يقاسي أنور، فقال له الزميل: "ولا تزعل .. اعتبر نفسك ضيفي"، وخرجا معا بعد أن انتهت المسرحية، وعادا إلي بيت الزميل الفنان في حي الفوالة، كان الزميل يستأجر حجرة علي السطوح، فصعدا معا إليها، وعالج الزميل الباب فلم يفتح، ثم عثر علي قفل ضخم يغلق الباب بإحكام، فأشعل عود ثقاب وتأكد من أن الحجرة حجرته وسمعا صوتا يأتي من حجرة مقابلة، قال الصوت وكان لسيدة بدينة: “عفشتك ع السطوح يالدلعدي، أنت فاكر نفسك فين؟، في ملجأ، لك أربع شهور مادفعتش ولا مليم”.

 وبحثا عن العفش فوجداه، وبسطا مرتبة علي الأرض وباتا في العراء، واستيقظا في الصباح ليجدا الديكة قد وقعت علي رأسيهما وهي تصيح لتنبههمها بأن يغادرا البيت الذي لم يعد لهما فيه أي مأوي. وكان أنور يستطيع أن يخلص نفسه من كل هذا الشقاء، كان يستطيع أن يترك الفن ويعود لأبيه فيعمل معه في تجارته، ولكنه أصر علي أن يسير في الطريق الذي سلكه إلي النهاية.

تاريخ الخبر: 2023-05-14 12:21:46
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم "بطاقة الإعاقة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 18:26:31
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 62%

أخنوش: نحن حكومة ديموقراطية اجتماعية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 18:25:49
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 56%

مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم "بطاقة الإعاقة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 18:26:33
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية